في ذكرى المولد النبوي (زاد واقتداء)

الإثنين 12 ربيع الأول1438 الموافق 12 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.

السيد طه أحمد

في ذكرى المولد النبوي

(زاد واقتداء)

الحمد لله الذى أكرم الإنسانية بميلاد خير البرية قال تعالى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  ﴾ [المائدة: 15 ،166 ].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بعث رسوله محمداً بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً فأخرج به من الظلمات إلى النور وهدى به خلقاً كثيراً قال تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح:288 ].

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالدين القويم رحمة للعالمين، فهدى من ضلالة، وعلم من جهالة، وفتح قلوب الحيارى، وربى أصحابا أطهارا نصروا هذا الدين ورفعوا لوائه فى العالمين.

وهو سيد ولد آدم، وخير من دبَّ على الثرى، وهو الأسوة، كان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويَعْتَقِل الشَّاة، ويُجِيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، ويقول:” إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد” ويقف بين يديه رجل يرعد كما تَرْعَد السَّعفة فيقول: “هوِّن عليك؛ فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ” يمر بالصبيان فيسلم عليهم. فاللهم صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا..

أما بعد: فيا أيها المؤمنون..

(تمهيد)

يعد يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أسعد يوم في تاريخ البشرية؛ لأنها كانت في طريق الانتحار، فقد نسى الإنسان خالقه فنسى نفسه ومصيره، وفقد رشده ورسالته التي خلق من أجلها، ومن ثم استمرأت البشرية حياة الوثنية، وسيطرت عليها مظاهر الجهالة والضلالة، والفساد، وفقدت الرسالات السماوية التى جاءت للناس من قبل مهمتها وتأثيرها، فقد طرأ عليها أيدي أتباعها التحريف والتغير، وتسربت إليها مفاهيم العنصرية والوثنية، فلم تعد خالصة للهداية والإصلاح.

وكان إنقاذ البشرية مما تردت فيه وإخراجها من الظلمات إلى النور لا يستطيع أن ينهض به زعيم أو مصلح، لأن الفساد الذي هيمن على المشاعر والضمائر فأهدر كرامة الإنسان، وجعل الناس كوحوش الغابة، يفتك الأقوياء والضعفاء دون أن يردعهم رادع من دين، أو يزجرهم من خلق لا يمكن لبشر عادى مهما تكن طاقاته الفكرية، وتوجهاته الإنسانية أن يتصدى له ويقضى عليه.

لقد كان العالم قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حاجة ماسة إلى نبى يرسله الله بعقيدة يقتلع بها  جذور الفساد، ويستأصل شآفة الوثنية ويرسخ عقيدة التوحيد فى أعماق النفس؛ لتولد من جديد ولادة تسلك بها طريق السعادة فى الدنيا والآخرة. واليوم تهل علينا ذكرى ميلاد النورالهادى محمد صلى الله عليه وسلم لتضئ لنا طريق الأمل من جديد، كما أضاءته للعالم من قبل. وحديثنا عن هذه الذكرى من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:

1- فضل النبي صلى الله عليه وسلم.

2- مهمة النبي صلى الله عليه وسلم.

3- واجبنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم.

4- الخاتمة.

العنصر الأول: فضل النبي صلى الله عليه وسلم:

اعلموا أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا في طاعته، فهو أسوة لكل المسلمين، فبكرامته وشرف منزلته عند الله عز وجل كنا خير أمة أخرجت للناس، فهو رسول رحيم بنا، توّج الله به الزمان وختم به الأديان، قضى كل وقته يدعو أمته إلى الهداية، ذلكم هو نبي هذه الأمة صاحب اللواء المعقود والحوض المورود الذي أخبرنا عن فضله وفضل أمّته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ من آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر) أخرجه مسلم.

كما أخبرنا أيضا صلى الله عليه وسلم (بأنه أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأول نبي يقضى بين أمته يوم القيامة، وأولهم جوازا على الصراط بأمته، وأول من يدخل الجنة بأمته، وهو الذي يشفع في رفع درجات أقوام في الجنة لا تبلغها أعمالهم، ويشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيخرجهم منها).

نبيّ بهذه الصفات وبذه المنزلة لجدير أن يقدَّم قوله على كلّ مخلوق، وأن يجعل حبّه فوق حبّ النفس والمال والولد، وأن تجنّد النفوس والأموال لنصرة شريعته ونشرها بين الناس كما فعل السلف الصالح.

العنصر الثاني: مهمة النبي صلى الله عليه وسلم:

لقد اصطفى الله تعالى رسله للقيام بوظائف محددة باعتبارهم سفراء الله تعالى إلى عباده وحملة وحيه وتتمثل هذه الوظائف في الأتي:

أولا: البلاغ المبين:

وهذه الوظيفة بالضرورة هي المهمة الأساسية للرسل إذ ما بعثهم الله تعالى إلا لإبلاغ الناس ما نزل إليهم من ربهم وقد جاء في القرآن الكريم ثلاث عشرة أية تنص على أن مهمة الرسول إنما هي (البلاغ) وقال الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ المائدة: 677].

والبلاغ يحتاج إلى الشجاعة وعدم الخوف من الناس لأن الرسول يأتي بما يخالف أهواء الناس ويهدد مركز قادتهم وكبراءهم المسيطرون على الناس بالباطل ويأمرهم بما يستنكرون ويكرهون لأنه خلاف ما اعتادوه.

لذلك امتدح الله تعالى رسله قائلا: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ الأحزاب.

والرسول في بلاغه لرسالات الله تعالى مؤتمن في أدائه فلا يزيد فبها ولا ينقص منها ولو كان الأمر متعلقا به شخصيا وأوضح مثال على ذلك ما تكرر في القرآن الكريم من عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف من ذلك حين أعرض عن عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى الذي جاءه يسأله في أمور دينه فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة بعض كبراء قريش فعاتبه الله تعالى في ذلك بقوله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ *أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴾.

ثانيا: دعوة الناس إلى الدين الحق ببيان ما يجب عليهم: وهذه الوظيفة تعد من كمال البلاغ لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [العنكبوت: 188].

لأنه الذي يبين للناس الحق من الباطل ويدعوهم لاتباع الحق، وأعظم الحقائق التي دعت إليها الرسل جميعا:

توحيد الله تعالى و إفراده بالخلق والملك والتدبير والعبادة قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل:366].

وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾. وقد ذكر الله تعالى أن الرسل قالوا لأقوامهم: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ  ﴾ الأعراف.

كما أن الرسل عليهم السلام يقومون بتعريف الناس بإلههم الواحد الأحد وصفاته وقد جاء ذلك في القرآن الكريم بأوجز عبارة في سورة الإخلاص قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ ﴾ ويقوم الرسل بتصحيح كل ما يخالف  هذا الاعتقاد في الله تعالى مثل جعل شريك له في ملكه أو خلقه أو عبادته أو جعل صاحبة له أو جعل ولد له أو نسبة البنات إليه فقد قال المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لقومه: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 722].

اقرأ أيضا  المغرب: مدينة سلا تتزين بالشموع احتفالا بذكرى المولد النبوي

ولما طلب قوم موسى منه أن يجعل لهم إلها مثل الآلهة الصنمية التي رأوها عند المشركين قال الله تعالى حكاية عنه في ذلك: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:138،1400].

وإضافة إلى ذلك فإن الرسل يقومون بتعليم الناس شئون عباداتهم وشعائرهم من صلاة وصيام وحج وزكاة وأحكام هذه العبادات مع التطبيق العملي النموذجي من الرسول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلى) أخرجه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي مات بعدها: (يا أيها الناس خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. ولا يقتصر الأمر على تطبيق الشعائر فقط بل يدعوهم إلى اتباعه وتطبيق جميع ما انزل الله تعالى إليهم دون أن يجعلوا شيئا من تشريعاتهم لغير الله تعالى قال الله تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ  ﴾ الأعراف.

ثم إن الرسل في جميع ما يدعون الناس إليه يمثلون القدوة الحسنة والمثال المحتذى فهم يلتزمون بكل ما يأمرون الناس به ويجعلونه سلوكا عاما لهم في حياتهم لذلك قال الله تعالى بعد أن سرد سيرة كثير من الأنبياء في القرآن الكريم قال مخاطبا رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ ﴾ الأنعام.

وقال مخاطبا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والناس أجمعين: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  ﴾ الأحزاب.

ثالثا: التبشير والإنذار:

إن الحياة الدنيا دار عمل ومزرعة للآخرة وقد أرسل الله تعالى رسله وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وقد بين الله تعالى أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ الذاريات. ولما أنزل الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض هو وإبليس قال الله تعالى: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ طه.

فلما كانت الغاية الأساسية من وجود الإنسان في حياته الدنيا هي طاعة أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه وكانت رسل الله تعالى هي المبينة لتلك الأحكام والمبلغة عن الله تعالى لزم أن تكون من مهام الرسل الكرام عليهم السلام مهمة التبشير لمن اتبع أوامر الله تعالى بالفوز الكبير في الدنيا والآخرة والإنذار لمن خالف أوامره بالوعيد الشديد والعذاب الأليم في الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس كما قال الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا  ﴾ النساء. وهذه الوظيفة تقتضيها  حكمة الله تعالى وكمال عدله ولطفه بعباده إذ إنه لا يتركهم سدي حتى يبين لهم ما يتقون فلا يؤخذون على حين غرة وغفلة بل كما قال الله تعالى: ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ  ﴾ الأنفال. ومن كمال رحمته وعدله أنه تكفل ببيان صنوف النعيم وألوان المتع التي أعدها لعباده  المؤمنين كما بين أنواع العذاب المهلك التي أعدها للمجرمين الكافرين.

رابعا: تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة:

لقد خلق الله تعالى عباده حنفاء ولكن جاءتهم الشياطين فاجتالتهم وانحرفوا عن الفطرة السليمة التي كانوا عليها ولا تزال شياطين الجن والإنس يزينون لهم الباطل ويثيرون فيهم الشبه والضلالات ولأجل ذلك يرسل الله تعالى رحمة منه رسله كلما زاغ الناس عن الطريق المستقيم قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ البقرة. أي كان الناس أمة واحدة على التوحيد والإيمان وعبادة الله تعالى وحده  فاختلفوا فأرسل الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين.

ودعوة الرسل جميعا تقوم على التوحيد الخالص لله تعالى إلا أن كل رسول يختص بتقويم الانحراف الحادث في عصره وموطنه ذلك أن الانحراف على الصراط المستقيم يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان.

فنوح عليه السلام أنكر على قومه عبادة الأصنام التي كانت عامة فيهم، وكذلك إبراهيم عليه السلام إضافة إلى أنه أنكر على قومه الاستعلاء في الأرض والتجبر فيها. وصالح عليه السلام أنكر على قومه الفساد في الأرض واتباع المفسدين.

ولوط عليه السلام حارب الشذوذ الجنسي المتفشي في قومه.

وشعيب عليه السلام قاوم جريمة الافساد الاقتصادي المتمثل في تطفيف المكيال والميزان.

وموسى عليه السلام وقف في وجه النزعة المادية التي انحرف إليها بنوا إسرائيل.

ولما كان سيدنا محمدُ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين فقد جاءت رسالته عامة شاملة لكل أسس التقويم والهداية التي جاءت في الكتب السماوية وزائدة عليها حتى تكون صالحة لكل زمان ومكان كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ المائدة.

وقد جاءت رسالة الإسلام – حتى تناسب ختم الرسالات – جاءت مرنة تصلح لكل زمان ومكان وبيان ذلك أن العقائد والعبادات في الإسلام جاءت بها نصوص قطعية مفصلة ثابتة لا تقبل التبديل ولا التعديل لأن العقائد والعبادات في ذاتها لا تتبدل بتبدل الزمان ولا تختلف باختلاف الأعراف كما أن هيئات العبادات مناسبة لكل البشر في جميع العصور.

واقتضت حكمة الله تعالى ختم الرسالات بالإسلام كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 855].

وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾. المائدة.

خامسا: تدبير شئون الأمة عامة وسياسة أمرها:

إن المؤمنين بالرسل يكونون أمة ولا يستقيم لهذه الأمة أمر إلا أن تكون تحت إمرة قائد تدين له بالطاعة وتوكل إليه تدبير شئونها ورعاية مصالحها وتحقيق غاياتها وأهدافها ولما كان الرسول هو رمز الأمة وهاديها في شئون دينها إلى ربها لزم أن يكون قائدها في شئون دنياها حتى لا تنفصم عراها وتوهن قواها بالصراع الموهوم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية فالرسول يؤسس شئون الأمة جميعا بهدى من الكتاب المنير كما قال الله تعالى لداود عليه السلام: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ ص. وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ ﴾ المائدة.

اقرأ أيضا  يوم عرفة يوم عظيم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي) وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ  ﴾ المائدة.

والأنبياء في سياستهم هذه يمتازون بالأتي:

1- أنهم لا يعبرون بمواقفهم وسياستهم عن أهوائهم وتصوراتهم الخاصة بل هم في ذلك منقادون لوحي الله تعالى العليم الخبير بشئون عباده قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ  ﴾ النجم.

وقال الله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ المائدة.

فما يدعون الناس إليه من مثل وقيم ومبادئ وسلوك عملي ليس متأثرا برؤيتهم الشخصية كالزعماء والمصلحين العاديين ولا بالقصور البشري الذي يعتري أفهام البشر وسلوكهم.

2- أنهم لا يتعاملون مع الحلول الجزئية والمشكلات الجزئية وإنما يتعاملون مع الجذور الأصلية العميقة  ويبحثون عن مكان الداء لاجتثاثه من أصله فلا يعالجون المشاكل بمعزل عن مثيلاتها ومسبباتها بل ينظرون إلى الأمور نظرة كلية شاملة واضعين في اعتبارهم طبائع النفوس البشرية.

3- إن الحلول التي يقدمها الرسل ليست حلولا نظرية أو تصورات عقلية مجردة كما تفعل الفلاسفة وإنما هي مناهج عملية منزلة من لدن حكيم خبير عليم بأحوال البشر والمجتمعات البشرية كما قال الله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ  ﴾ الملك.

ولذلك قدم الرسل نماذج راقية في قيادة المجتمعات إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. وهذا النجاح مكفول لكل من سلك سبيل الأنبياء في هديهم وقيادتهم للأمم قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾  النور.

4- إن الأنبياء في سياستهم يمثلون القدوة الصالحة لأممهم حيث تتمثل مبادئهم وقيمهم في سلوكهم وسياستهم فهم يرتفعون عن النقائص والعيوب الشائنة التي تشوب المصلحين العاديين بما فيهم من بذور حب التزعم والسيطرة والاستغلال والتسخير للمصالح الشخصية وغير ذلك من النقائص وقد وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم مثنيا عليه وعلى المؤمنين بقوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ  ﴾ آل عمران.

5- إن الأنبياء وهم يسوسون شعوبهم لا يجعلون حياتهم منصرفة لمتاع الدنيا أو الالتباس الشديد بالماديات  غافلين عن النواحي الروحية بل هم في غمرة السياسة يذكرونهم بالله تعالى ويربطون قلوب العباد بخالقهم فتسمو نفوسهم وتصفى قلوبهم وترقى غاياتهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ القصص.

وقد ترسخت هذه القيم العالية والأهداف السامية حتى إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوها ضمن أهدافهم عند دعوة عباد الله تعالى في الأرض إلى دين الله تعالى فهذا: (ربعى بن عامر حين دخل على رستم قائد جيش الفرس عندما سأله: من أنتم؟ فأجابه لقد ابتعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) ثم إن خلفاء الرسل يخلفونهم في تولي شئون العباد فيحكمون بمنهج الرسل ويسوسون الناس على سنن من هديهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ  ﴾ الأنبياء، وقال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا  ﴾ النساء. وأولوا الأمر هم العلماء  والحكام.

ولكن الذين يتولون الأمر من بعد الرسول يجب عليهم الالتزام بقواعد الشرع في سياساتهم وأن يتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) فطاعة أولي الأمر ليست طاعة مستقلة بل هي تبع لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومقيدة بها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمن عصى الله) فهذه القيادة ليست حكما يقوم على مفهوم (الدولة الدينية) المستقرة في أذهان الغرب نتيجة لترسبات تاريخية سابقة عن فترة كنسية مرتبطة بظروفها التاريخية والموضوعية وإنما الدولة في مفهوم الإسلام تقوم على أسس ومبادئ وقيم يلتزم بها كل من الحاكم والمحكوم وليس لحاكم عصمة في أن يفعل ما يشاء أو أن يتفرد بسلطة التشريع باسم النيابة عن الله تعالى ولا يتحكم في رقاب العباد باسم الوصاية والولاية على الشعب بل هو مأمور بالمشاورة وأخذ الرأي في القضايا التي تمس جموع الأمة ويلتزم فيها برأي الأمة المسلمة ولو كان رأيهم خلافا لرأيه هو كما قال الله تعالى آمرا رسوله عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ آل عمران. وقال تعالى ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ  ﴾ الشورى.

العنصر الثالث: واجبنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم:

إن علينا واجب وفرض تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم ليس منة ولا نافلة ولا أمرا ثانويا إنما هو دين ندين به لله تعالى نسأل عنه يوم القيامة من هذا الواجب:

1- الإيمان به صلى الله عليه وسلم: فالإيمان به صلى الله عليه وسلم من أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها، ومن هذه الأركان الإيمان بالرسل، وهو صلى الله عليه وسلم رسول من أولئك الرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قال الله تعالى ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ [التغابن: 88]، وقال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 1588]، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بوجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) (البخاري ومسلم).

ومن الإيمان به صلى الله عليه وسلم التصديق الجازم الذي لا شك فيه بأن رسالته ونبوته هي حق من عند الله تعالى، والعمل بمقتضى ذلك، والتصديق بأن كل ماجاء به من الدين وما أخبر به عن الله تعالى حق صحيح، ولابد من تصديق ذلك بالقلب واللسان، فلا يكفي الإيمان به باللسان، والقلب منكر لذلك، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء: 1366].

فالإيمان به صلى الله عليه وسلم وبرسالته وبكل ماأخبر به من الأمور التي وقعت والتي لم تقع مما أطلعه الله عليه الإيمان بذلك كله واجب حتى يكمل إيمان المرء ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من آمن به ولم يره بشّره بطوبى وهي شجرة في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار (مرات)). (السلسلة الصحيحة 3 / 45)، فمن شك في نبوته أو رسالته فهو كافر، لأن الأدلة ثابتة مستفيضة مجمع عليها بين أهل العلم.

اقرأ أيضا  (إسرائيل) وغزة على موعد مع المهل الزمنية

2- محبته صلى الله عليه وسلم: وهذا حق من حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته، وواجب عليهم أيضاً،  فينتفي الإيمان بعدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أوجب الله محبة نبيه في كتابه العزيز، فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 244].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) (البخاري).

ولما سمع عمر رضي الله عنه هذا الحديث قال للرسول صلى الله عليه وسلم لأنت أحب إلي من كل شئ إلاّ نفسي، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: (الآن ياعمر) أي الآن صدقت وحققت الإيمان الكامل بمحبتك لنبيك.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) (البخاري ).

ومن محبته صلى الله عليه وسلم إيثار مايحب صلى الله عليه وسلم على مايحب العبد، ومحبة ماجاء به  والدعوة إليه ومحبة أهل بيته وصحابته رضوان الله عليهم ومن محبته كثرة ذكره عليه الصلاة والسلام،والشوق إلى لقاءه، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه) (أحمد وهو صحيح)، ومعنى ذلك أن من المؤمنين من يسكن قلبه ويميل للنبي صلى الله عليه وسلم بالمودة والمحبة، وما ذاك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر فحب النبي صلى الله عليه وسلم موصل لحب الله تعالى.

قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

هذا لعمرك في القياس بديع

لوكان حبك صادقا لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

فمن محبته صلى الله عليه وسلم طاعته وتصديق ماأخبر عنه وتوقيره وتعظيمه عند ذكره صلوات الله وسلامه  عليه ماتعاقب الليل والنهار.

3- نصرته والغيرة على دينه صلى الله عليه وسلم:

إنَّ الغيرةَ على دينِ الله وحُرما ته، من صفاتِ المؤمنين الأعزاء، فهي من مقتضياتِ الإيمان، تقوى بقوته وتضعفُ بضعفه، وتفقدُ الغيرة حيثُ لا يكون القلبُ مؤمناً، وفي الحديث: (المؤمنُ يغارُ واللهُ أشدُّ غيرة)، والغيرةُ هي التألمُ والغضبُ على حقٍّ يُهانُ ويُقهرُ، أوباطلٌ يحمى وينصرُ، وينتجُ عن هذا التألم والغضب، مساندة الحقِّ ومقاومةَ الباطل.

إنَّ من الغيرةِ على دينِ اللهِ الوقوفُ مع الحقِّ، ومناصرة أهل الحقِّ والخير، ومناورة الباطل، ومقاومةُ المبطلين والمفسدين، مهما كانوا ولو كانوا أولى قربى.

الغيرةُ على دينِ الله تكون بالمساهمةِ في نشره، والدعوة إليه، والجهاد في سبيلهِ بالنفسِ أو بالمال.

إنَّ من الغيرةِ على دينِ الله، مُناصرةُ المسلمين وقضاياهم، والتألم لآلامهم والفرحُ بآمالهم، ولقد كان التحامُ المسلمين، ونصرة كل منهم لأخيه مثالاً فريداً في تاريخ التلاحم والتواصل والتناصر، سواءً على مستوى الأمة أو الأفراد. ومن الغيرة على الدين الذبُ عن الإسلام والدفاع، والرد على أهل الباطل الذين يُريدون خدش كرامة المسلمين.

قال زيدُ بنُ ثابت: بعثنى رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أطلُب سعدَ بنَ الرَّبيعِ، فقال لى: (إنْ رَأَيْتَهُ فأقرئه منِّى السَّلاَمَ، وقُلْ لهُ: يقولُ لَكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ تَجِدُكَ)؟ قالَ: فجعلتُ أطوفُ بَيْنَ القَتْلَى، فأتيتُه، وهو بآخِرِ رَمَق، وفيه سبعونَ ضربةً، ما بين طعنةٍ برُمح، وضربةٍ بسيف، ورميةٍ بسهم، فقلت: يا سعدُ؛ إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكَ السَّلامَ، ويقول لك: أخبرني كيف تَجِدُكَ؟ فقال: وعلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم السلامُ، قل له: يا رسُولَ اللهِ؛ أَجِدُ ريحَ الجنة، وقل لقومى الأنصار: لا عُذْرَ لكم عند الله إن خُلِصَ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ، وفاضَتْ نفسُهُ من وقته.

وهذا نور الدين محمود لقد كان ذا غيرة صادقة على دين الله، ومحارم المسلمين، فلقد تفتحت عيناه على أحوال المسلمين المتردية، وعلى هزائمهم المتلاحقة، وكان ذلك يؤلمه أشد الألم، ومما يذكر في هذا الصدد أن نور الدين كان قليل الابتسام جدًا، فلما وعظه إمامه بأن الابتسام من وصايا النبوة قال له نور الدين: “لا تؤاخذني أيها الشيخ، كيف أبتسم وآلاف المسلمات سبايا عند كفار لا يتقون، ولا يرحمون؟ وكيف أبتسم والمسجد الأقصى يدنسه العدو؟!”

الخاتمة

لقد كان لبعثة الحبيب صلى الله عليه وسلم نتائج مبهرة، فقد نقل الناس من حال إلى أحسن حال، من ظلام إلى نور، ومن ضلال إلى هداية، ومن تخبط وحيرة إلى أمن واطمئنان، ومن رعاة للغنم غلى قادة للأمم.

إن الرجال الذين رباهم سيد الرجال صلى الله عليه وسلم كانوا على مستوى الأمانة التى حملوها، ففى ظل حكمهم أسعدوا الإنسانية، وكانوا خير القائمين على مصالحها، لقد أرشدوا الضال، وردوا الغاوى، وأصلحوا الفاسد، ورأبوا الصدع، وأقاموا فى الأرض القسط، وبسطوا على العالم جناح الأمن، لذا قال الله تعالى عنهم ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ  ﴾ آل عمران.

ولقد بين الله تعالى عاقبة البعد عن منهج الإسلام العظيم حيث يقول الله تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ﴾ (القلم)

أي: نعطيهم من أنواع النعيم ونحن ندنيهم من العذاب درجة بعد درجة، ولذلك يقول الله بعد ذلك: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ  ﴾ (الأعراف)، فيبين الله تعالى أنه من كيده وأنه من مكره بهؤلاء الكافرين، ولذلك يبين  في مكان آخر أن الناس إذا أعرضوا عن دين الله فإنه يفتح لهم أبواب النعيم ويعطيهم من الدنيا فوق ما يفكرون به، وذلك استدراج من الله عز وجل حتى تقوم عليهم الحجة ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (الأنعام). وحذرنا الله تعالى من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور]، فالله يَنْصحهم بألاَّ يُخالفوا أمر الرسول؛ لأنه سيصيبهم شرٌّ من مُخالفته وعذابٌ أليم.

فالواجب على كل مسلم الطاعة التامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأخذ بكل ما جاء به والبعد عن مخالفته، والغيرة علي دين الله تعالى، وبهذا يحصل الفوز بالجنة والنجاة من النار. فنسأل الله العظيم أن يوفقنا للعمل بطاعته وأن يحشرنا تحت لواء حبيبه المصطفي صلى الله عليه وسلم،وأن ينصر الإسلام والمسلمن إنه ولي ذلك ومولاه، اللهم آمين. وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

تمت بفضل الله تعالى..

-الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.