في صوم يوم عاشوراء

www.akhbarona.com
www.akhbarona.com

الخميس 9 محرم 1437//22 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله الذي وفَّق مَن شاء من عباده لاغتنام الأوقات الفاضلة، فبادَرَ بامتثال أوامر الله وأوامر نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – ففاز بالسعادة في الدار الدنيا والآخرة، أحمده على ما أولاه من النِّعَم، وأشكُره والشكر له من نعمه الوافرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته المهتدين بهديه، والممتَثِلين لأوامر وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عبادَ الله، اتَّقوا الله – تعالى – واعلموا أنَّكم في شهر محرم، فضل فيه اليوم العاشر، وقد رغَّب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في صيامه، وفي صيام التاسع والعاشر؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))[1]؛ رواه مسلم.

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – : ((أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – صام يوم عاشوراء وأمَرَ بصيامه))[2].

وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئِلَ عن صيام يوم عاشوراء فقال: ((يُكفِّر السنة الماضية))[3]؛ رواه مسلم.

وعن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قَدِمَ المدينة، فوجد اليهودَ صيامًا يومَ عاشوراء فقال لهم رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟!))، قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومَه، وأغرق فرعونَ وقومه فصامَه موسى شُكرًا لله[4] فنحن نصومه، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأمر بصيامه))[5]؛ رواه مسلم.

اقرأ أيضا  جريمة بشعة في الهند .. اغتصاب وقتل طفلة مسلمة

وأمر – صلَّى الله عليه وسلَّم – بمُخالَفة اليهود؛ ففي حديثٍ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((لئن بَقِيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع))[6]؛ رواه مسلم.

وعنه – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((صُومُوا يومَ عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، وصُوموا قبلَه يومًا أو بعدَه يومًا))[7].

فيا عبادَ الله:
اغتنموا الأوقات الفاضلة، وبادِروا فيها بالأعمال الصالحة، فإنَّ للأوقات فرصًا ثمينة ينبغي اغتنامُها، واستدركوا ما بَقِيَ من أعماركم، فإنَّ السنين تمضي تِلوَ السنين والكثير في لهوٍ وغفلة، لا تُؤثِّر فيه الحوادث والمواعظ، قد مات قلبه فلا يحس بما يحدث وما يحيط به، همُّه إشباع بَطنِه وفَرْجِه، وما يَدرِي المسكين أنَّ هذين الأمرين قد شارَكَه فيهما الحيوان، ونَسِي أنَّ الله كرَّم بني آدم، ورزَقَهُم من الطيِّبات، وفضَّلهُم على كثيرٍٍ ممَّن خلق تفضيلاً، ليقوموا بما أوجب عليهم، وتكفَّل بأرزاقهم، فلم يخلقهم عبثًا، ولم يترُكْهم سُدًى؛ قال – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56-58].

اقرأ أيضا  القمة العالمية للسلام الدولي و إنهاء الحرب (HPWL) في سيبتمبر

وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا))[8].
أي: تذهب أوَّل النهار ضامرةَ البطون من الجوع، وترجع آخِرَه ممتلئة البطون.

فيا عبادَ الله:
لا تُفرِّطوا في أوقاتكم، وتغفلوا عمَّا أوجب الله عليكم؛ فإنكم مسؤولون ومحاسبون على ما تقتَرِفون، وما أوجب الله عليكم لن يُؤثِّر فعله على أرزاقكم ومَعايِشكم، بل يُستعان به على ذلك، ولن تموتَ نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها، ولا تظنُّوا أنكم لو لم تشتغلوا بأمور دُنياكم عن أمور آخِرتكم لما حصلتم على هذه الأموال الطافرة، فقد تَحصُلون على أكثر منها مع اشتغالكم بأمور آخِرتكم، ثم لا تظنُّوا أنَّ جميع ما بأيديكم يُعتَبر مالاً لكم، فما لكم: منه ما أكلتم، وأبليتم، وتصدَّقتم، وباقيه للوارث، ثم لا تظنُّوا أنكم تسلَمُون من عقابه وحِسابه، وإنْ كان باقيًا لغيركم، فقد يكون وَبالاً عليكم؛ فيكون شَقاء جمعه وألم شوكه عليكم، وورقُه وثمرُه لغيركم، فيكون رزقًا لمن لم يَتعَبْ فيه، وخيرًا له إذا اتَّقى الله فيه.

فانتَبِهوا يا عبادَ الله من الغَفْلة، واغتَنِموا أوقات الفضائل والمُهلة، وحاسِبُوا أنفُسَكم فيما مضى من أعماركم، فإنْ كنتم قد ربحتم في تجارتكم مع الله فازدادوا ربحًا على ربحكم، وإنْ كنتم قد خسرتم فاتَّقوا الله في رُؤوس أموالكم، واصدُقوا مع الله في تجارتكم وضاعِفُوا الأعمال فيما تبقَّى من أعمالكم؛ ليتضاعَف الربح، وتستَعِيدوا ما خسرتم، فإنَّ التجارة الرابحة هي التجارة مع الله.

اقرأ أيضا  10 همسات إلى مشرفي حلقات تحفيظ القرآن

قال الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

________________________________________
[1] مسلم: [202 ـ (1163)].
[2] جزء من حديث أخرجه مسلم [13 ـ (1134)].
[3] مسلم: [197 ـ (1162)].
[4] لفظ الجلالة (الله): ليست في مسلم.
[5] البخاري: (2004) ـ الفتح: 4/287، ومسلم: [128 ـ (1130)].
[6] مسلم [133 ـ (1134)].
[7] رواه الإمام أحمد بنحوه في مسنده (1/241)، وحسَّن إسناده الشيخ العلامة: أحمد شاكر في شرحه للمسند (2154).
[8] رواه أحمد (1/30).
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.