قرار أممي هزّ عرش نتنياهو؟!
د. أيمن أبو ناهية
الثلاثاء 27 ربيع الأول 1438 الموافق 27 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
العالم قال كلمته “لا شرعية للاستيطان على الأراضي الفلسطينية”، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2334 وذلك بعد يوم واحد من سحب مشروع القرار الذي كانت قد تقدمت به جمهورية مصر العربية، وقد تبنته أربع دول غير عربية أعضاء في مجلس الأمن، حيث نص في إحدى فقراته على أن جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غير قانونية بموجب القانون الدولي, وقد صوت لصالح القرار 14 عضواً بمن فيهم أربعة أعضاء دائمون هم روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وعشرة أعضاء غير دائمي العضوية هم أنغولا واليابان ومصر ونيوزيلاندا وماليزيا والسنغال وأسبانيا وفنزويلا وأوكرانيا وأورغواي، وامتنعت لأول مرة الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض الفيتو، مما يعني أن هذا القرار قد حاز على إجماع دولي كاسح.
وبغض النظر عن ردة فعل حكومة نتنياهو على القرار، والتي أكدت أنها ترفض الالتزام به، وحتى لو لم تلتزم فعلًا به كما تتعامل كعادتها مع كل قرار أممي، وحتى لو أن هذا القرار مجرد اقتراح وتوصية وأنه غير ملزم ولن ينال حظه بالتنفيذ كغيره من القرارات الأخرى، ولكنه من الناحية المعنوية يمثل حراكاً للمياه الراكدة وتحدياً مسبقاً للإدارة الأمريكية الجديدة التي تزعم أنها ستتحمل مسؤولياتها تجاه عملية التسوية والعمل من أجل حماية حل الدولتين الذي بات يواجه تحديات كبيرة.
كما أن التغيير الذي حدث على مواقف الإدارة الأمريكية الحالية من خلال امتناعها عن التصويت لأول مرة خلال حكم الرئيس باراك أوباما يعد أمراً مدهشاً ويحمل دلالات على أن الحال بين إدارته وإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب دخلت في حالة تنافس حول الملف الفلسطيني الإسرائيلي حتى في الأيام الأخيرة، وهذا يفسح المجال لإمكانية الحراك مستقبلاً، ولذلك يبدو أن عدم استخدام حق النقض الفيتو ضد هذا القرار، قد جاء في هذا السياق لوضع العصي في الدواليب قبل تسلّم ترامب فترة رئاسته في 20 يناير 2017م، الذي أفصح في عدة مناسبات عن دعمه للمستوطنات الإسرائيلية، كما أنه وعد بأنه سينقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهذا أمر أثار تخوفات المنطقة بأكملها كما عبرت مجلة فورين بولسي عن تخوفاتها من أن يؤدي ذلك إلى حدوث انتفاضة فلسطينية باتت المنطقة لا تحتملها.
لا شك أن هذا الموقف _ولو أنه جاء متأخرا كثيرا_ الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعدم استخدام حق النقض لقرار مجلس الأمن هز عرش نتنياهو، وبالمناسبة هو الرئيس الوحيد الذي لم يصدر في عهده أي قرار يتعلق بإدانة سياسات (إسرائيل) الاحتلالية سوى هذا القرار وحرص على ممارسة السياسة الناعمة وقدم لها دعما ماليا وعسكريا غير مسبوق_ عمل على تفريغ شحنة الغضب الكامنة في صدور الفلسطينيين نتيجة مواقفها المنحازة طوال فترة الثماني سنوات الماضية، كما أنها ستستنفر الإدارة الأمريكية الجديدة للاهتمام بهذا الملف وتفرمل اندفاعها المنحاز لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى لا تمضي قدماً بدون تمحيص وتدقيق وحسابات جيدة وفهم للواقع القائم في المنطقة والتحديات التي تواجهها، ولربما لإرسال رسالة قوية للإدارة المقبلة مفادها كفى لسياسة محاباة (إسرائيل)، رسالة تؤكد أن الشعب الفلسطيني مظلوم ويجب إعطاؤه حقه في الحرية وإقامة دولته، وهو ما صرح به المتحدث باسم البيت الأبيض: لم يكن بإمكاننا التصويت ضد القرار والحفاظ على ضميرنا حياً في آن واحد.
اليوم حكومة نتنياهو ومستوطنيها في موقف لا تحسد عليه فقد أصيبت بهستيريا تحت شعار “أنه ليس هكذا يتعامل الأصدقاء” في إشارة إلى إقدام إدارة أوباما على تمرير القرار بامتناعها عن استخدام الفيتو تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي تلقى ضربة قاسية وقوية من حليفته الأولى الولايات المتحدة.
هذه ليست المرة الأولى تعاقب الإدارة الأمريكية (إسرائيل) وتحرمها من حنينها بامتناعها عن استخدام حق الفيتو، ففي عهد الرئيس ليندون جونسون كان هناك تمرير لسبع قرارات بدون استخدام حق النقض الفيتو، وفي عهد الرئيس ريتشارد نيكسون كان هناك تمرير لخمسة عشر قرارا، وفي عهد الرئيس جيرالد فورد كان هناك تمرير لقرارين، وفي عهد الرئيس رونالد ريجن كان هناك تمرير لواحد وعشرين قرار، كما أنه في عهد الرئيس جورج بوش الأب كان هناك تمرير لتسعة قرارات، وفي عهد الرئيس بيل كلينتون كان هناك تمرير لثلاثة قرارات، أما في عهد الرئيس جورج دبليو بوش فكان هناك تمرير لستة قرارات.
فامتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو في سابقة مهمة وخطوة إيجابية يشكل منعطفا مفصليا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويبعث الأمل مجددا بإمكانية انتصار إرادة المجتمع الدولي المنسجمة مع مواثيق الأمم المتحدة ومبادئ الحرية والعدالة وإعلانات الحقوق، وهو ما يؤكد مجددا أهمية النضال السياسي – الدبلوماسي الذي تخوضه القيادة الفلسطينية لصالح فلسطين وقضيتها.
المصدر : فلسطين أون لاين