كرامة الإنسان في القرآن الكريم

الإثنين 2 محرم 1438 الموافق 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا.

لقد كرَّم الله تعالى الإنسان كلَّ الإنسان بغض النظر عن عرقه ونسبه أو دينه أو لغته أو الدولة التي ينتمي إليها ، أو المهنة التي يمتهنها أو حتى المكانة الاجتماعية التي تحدد قيمته داخل مجتمعه .

ولأن الله تعال كرَّم الإنسان ؛ فقد سخر له الكون كله : برَّه وبحرَه ، ظاهرَه وباطنَه ، ورزقه من الطيبات ، وفضله على كثير من المخلوقات ، فقال تعالى : “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”   الإسراء (70) .

ومن مقتضيات التكريم الإلهي لبني آدم أن جعلهم أحرارا في اختياراتهم ، فهم أحرار حتى في أن يعبدوه سبحانه وتعالى أو يكفروا به حيث قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة : ”  لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”  ، وقال أيضا في سورة يونس: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)” .

وما دام الإنسان حرا في اختياره بمقتضى تكريم الله تعالى له ، فهو يفقد ميزة التكريم الإلهي حينما يرضى بمحض رغبته أن يتخلى عن حريته ، وحينما يختار الذل والإهانة وأن يكون تابعا لغيره مقابل الخبز أو مقابل المال ، أومقابل المنصب ، أو مقابل الزي أو مقابل الإبقاء على حياته أيا كانت هذه الحياة أو مقابل أي أمر من أمور الدنيا .

 وقد ذمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  من يفعل ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه بسند صحيح حين قال : ” تَعِسَ عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ ، تعس عبدُ الخميصةِ (ثوبٌ أسْوَدُ أو أحمرُ له أعْلامٌ { أي نقوش } )، تعس عبدُ الخميلةِ ( القطيفة السوداء)، تعِس وانتكَس (عَاوَدَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ أَنْ شَعَرَ بِشِفاءٍ ) وإذا شيكَ (دخَلَت في جسده شَوْكةٌ )  فلا انتقشَ (  استخرجها من جسده )” .

إن أكبر إهانة يهين بها الإنسان نفسه حينما يخضع ويستكين لإنسان مثله خوفا على أجله الذي حدده الله له ، أو خوفا على رزقه الذي ضمنه الله له .

وما يفعله الطغاة والمستبدون من أمثال السيسي ومن هم على شاكلته أنهم يسلبون الإنسان حرية الاختيار : اختيار طريقة العيش ، واختيار من يحكمه ، واختيار الدستور النابع من هويته وثقافته ، واختيار القانون الذي يرتضي الالتزام به .

ما يفعله السيسي وأمثاله أنهم يُفقِدون الإنسانَ أكبر قيمة أكرمه الله تعالى بها وهي قيمة الحرية ، ولذا فلا عجب في المجتمعات التي فقدت حريتها  أن ترى قيمة الحيوان أكبر من قيمة الإنسان ، وقيمة المال أكبر من قيمة الإنسان ، وقيمة المنصب أكبر من قيمة الإنسان ، بل وقيمة كل شيء أكبر من قيمة الإنسان .

ولأن الإنسان في هذه المجتمعات لاقيمة له ، فقتله لأتفه الأسباب من أهون الأعمال ، واعتقاله يتم لمجرد كونه إنسانا حرا يبحث عن كرامته وحريته ، والحكم عليه بالأحكام القاسية يتم لكونه أراد أن يعيش عزيزا شريفا ، وحرمانه من أبسط حقوقه لينعم بها آخرون أمرٌ سهلٌ هينٌ ، وسرقة خيرات بلاده لإيداعها في خزائن الطغاة أمر لاغبار عليه ، وإذا حاول أن ينطق بكلمةٍ اعتراضا أو استعطافا ؛ فما أسهل سبه وشتمه وتوبيخه ، وما أسهل عقابه بمزيد من الحرمان من بقايا حقوقه كإنسان .

وحينما يرضى الإنسان أن يعيش بلا حرية ولا كرامة مقابل العيش ، فقد فقد إنسانيته ، وصار الحيوان أكرم منه ؛ حيث إن الحيوان مخلوق مسير لايد له في أسلوب حياته ، بينما الإنسان مخلوق مخير له أن يختار بمحض إرادته أن يكون حرا عزيزا أو عبدا ذليلا .

لقد خلق الله تعالى الناس أحرارا ، وأراد الطغاة أن يكونوا لهم عبيدا ، وخلق الله تعالى الناس أعزة ، وأراد الطغاة أن يكونوا لهم أذلة ، فهل نخضع لإرادة الله تعالى لنا ، أم نخضع لمشيئة بشر مثلنا ؟

قال تعالى في سورة البقرة : ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)” صدق الله العظيم .

مجدي مغيرة

اقرأ أيضا  أهل القرآن
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.