كيف اهتم الإسلام بتربية الطفل المسلم؟
الأحد 13 جمادى الأولى 1437//20 فبراير/شباط 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سمير عبدالعزيز محمد
حقوق الطفل في الإسلام أو كيف اهتم الإسلام بتربية الطفل المسلم
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -.
وبعدُ:
فمن فضْل الله – تبارك وتعالى – على هذه البشريَّة أنْ مَنَّ الله عليها بهذا الدِّين الإسلامي الحنيف، وهذا الدِّين الذي جاء بمنهاجٍ شامِل قويم في تربية النُّفوس وتنشئة الأجيال، وتكوين الأمم، وبناء الحضارات، وإرساء قواعد المجد والمدنيَّة… وما ذاك إلا لتحويل الإنسانيَّة التائهة من ظُلُمات الشِّرك والجهالة والضلال والفَوْضى إلى نور التوحيد والعلم والهدى والاستقرار.
قال – تعالى -: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15-16].
أكتُب هذه الكلمات إلى المسلمين عامَّة والأخت المسلمة خاصَّة؛ لما رأيت من الكثير منهنَّ انصِرافًا عن منهج التربية في الإسلام إلى مِنهاج الشرق والغرب، بل وتأثَّر كثيرٌ من المسلمين بالتقاليد الغريبة على الإسلام في مُناسبات الزواج والولادة وغير ذلك، وصدَق النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – حيث قال: ((كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرة، حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه))[1].
وفي رواية ((كلُّ مولود يُولَد على الملة، فأبواه يُهوِّدانه، ويُنصِّرانه، ويُشركانه))، قيل: فمَن هلَك قبل ذلك؟ قال: ((الله أعلَمُ بما كانوا عاملين))[2].
وأمرنا الله – تبارك وتعالى – بأنْ نحسن إلى الأولاد والأهل بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
قال عليٌّ – رضِي الله عنه -: عَلِّموهم وأدِّبوهم[3].
وقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها وهي مسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادمُ راعٍ في مال سيِّده وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرجل في مال أبيه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))[4].
كنتُ في إحدى الدول العربيَّة ودُعِيتُ إلى ما يُسمَّى بالاحتفال بيوم الطفولة العالمي، تلك المسمَّيات التي ما أنزل الله بها من سُلطان؛ فقد جعلوا يومًا واحدًا في السنة للتحدُّث عن الطفل والاهتمام به، ويومًا واحدًا كذلك بالأم ويُسمَّى عيد الأم، وتكلَّم في هذا الاحتفال علماء وأطباء كُثُر، وأبعَدُوا النجعة، فقلت: سبحان الله! لقد ترك لنا الإسلام تراثًا ثمينًا وثقافة عاليَة وتربية عظيمة لم تُوجَد في الأديان السابقة، ولم يصلْ إليها حتى الآن كبارُ المفكِّرين والمربِّين.
لقد اهتمَّ الإسلام بتربية الطفل تربيةً سليمةً، وجعَل له حُقوقًا حتى قبل الزواج، ومن هذه الحقوق:
أولاً: بناء الأسرة المسلمة بناءً سليمًا على أساسٍ من الخلق والدِّين:
هذه هو الحقُّ الأول وهو أعظم الحقوق أنْ نختار له أمًّا صالحة قد تربَّتْ على منهاج النبوَّة؛ لأنها هي التي سوف تصنع هذا الجيل، جيل التضحية والفداء، جيل العطاء والبناء، ولقد وصَّانا النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بذلك بقوله: ((تُنكَح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدِّين، تربت يداك))[5].
هذه الأمُّ هي التي سوف تتفرَّغ لأولادها بعد الإنجاب لتربيتهم التربيةَ السليمة، وعلى الأفكار السليمة، وعلى العقيدة الصحيحة.
وفي المقابل أيضًا يكون اختيارُ الرجل الشق الآخَر على أساسٍ من الدين أيضًا؛ حتى يكتَمِل هذا البناء الطيِّب المبارك – بإذن الله – قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((إذا أتاكم مَن ترضَوْن خُلُقَه ودِينَه فزوِّجوه، إلا تفعَلُوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض))[6].
ثانيًا: ومن حقِّ الطفل في الإسلام إذا أراد الرجل أنْ يُجامِع زوجته أنْ يتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم:
لقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو أنَّ أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقنا، فوُلِدَ بينهما ولدٌ لم يضرَّه الشيطان أبدًا))[7].
وقوله أيضًا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من مولود يُولَد إلا نخسه الشيطان، فيستهلُّ صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه))[8].
وذلك لقوله – تعالى – عن أمِّ مريم – عليها السلام -: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ أي: عوَّذتها بالله – عزَّ وجلَّ – من شرِّ الشيطان، وعوَّذت ذريَّتها وهو ولدها عيسى – عليه السلام.
ويستحبُّ للمسلم أنْ يَطلُب الولد؛ لقوله – تعالى -: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، ولحديث النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تزوَّجوا الودود والولود، فإنِّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ يومَ القيامة))[9].
ثالثًا: ومن حقِّه أنْ يبتعد الوالدان عن التدخين:
لأنَّ التدخين – كما هو معلومٌ – ضارٌّ بالصحة، ومحرَّم في دِين الله – عزَّ وجلَّ – وله تأثيرٌ خطير على الطفل أثناء الولادة وبعدها كما هو مُقرَّر ومعلوم عند جميع الأطبَّاء، وقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا ضرر ولا ضرار))[10].
رابعًا: ومن حقِّه الاقتداءُ بالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعد الولادة، ومن ذلك:
1- استحبابُ البشارة به والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى؛ لقوله – تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، وقوله – تعالى -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101].
ولَمَّا وُلِدَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بشَّرت به ثويبة أبا لهب[11]والأذان لحديث أبي رافع: “رأيت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أذَّن في أذُن الحسن حين ولدَتْه فاطمة بالصلاة”[12]، أمَّا الإقامة فلا أعلَمُ فيها حديثًا صحيحًا، وتُقاس على الأذان.
2- ومن ذلك تحنيكُه وتسميتُه اسمًا حسنًا والدعاء له بالبركة؛ لحديث أبي موسي – رضِي الله عنه – قال: ((وُلِدَ لي غلامٌ، فأتيت النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فسمَّاه إبراهيم، فحنكه بتمرةٍ ودعا له بالبركة ودفعه إلَيَّ))، وكان أكبر ولد أبي موسى[13]، والتحنيك: مضغُ الشيء ووَضْعُه في فم الصبي ودلك حنكه به، وأولاه التمر، فإنْ لم يتيسَّر فبأيِّ شيءٍ حلو كالعسل، وذلك فيه فوائد عظيمة؛ منها: المساعدة علي إخراج الفضلات المترسِّبة في بطنه طِيلَة الحمل، ولأنَّ لبن الأم شديدٌ عليه في أوَّله فاستحبَّ المادة السكريَّة لأنها سريعةُ الهضم، ومنها تقويته على الطعام وتمرينه عليه.
وللأسَف انتشرت بين كثيرٍ من المسلمين البِدَعُ والخُرافات في الولادة: من رشِّ الحبوب، وشحذ النقود للمولود، وتعليق الحُجُبِ والتمائم، وتسميته اسما قبيحًا ليعيش، والتشبُّه بالكفَّار في أسمائهم، وفيها من الميوعة والانحِلال، والله المستعان.
وأُثِرَ عن الحسن البصري في التهنئة قوله: “بُورِك في الموهوب، وشكرتَ الواهب، وبلَغ أشدَّه، ورُزِقتَ برَّه”[14]، وتجوزُ التسمية من اليوم الأول.
3- ومن ذلك العقيقة عنه يومَ سابعة، وحلق رأسه وختانه؛ لقول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى))[15]، والعقيقة: شاةٌ تُذبَح عن المولود في يوم سابِعِه، وإماطة الأذى عن طريق حلق رأسه ويتصدَّق بوزن الشعر ذهبًا أو فضة، وممَّا يُؤسَف له أنَّ كثيرًا من المسلمين قد غفل – إلا ما رَحِمَ الله – واتَّخذوا عادات الشرق والعرب، والكثير منهم ينفقُ أموالاً كثيرة في غير العقيقة، والله المستعان!
وقد قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ غلام رهينةٌ بعَقِيقته، يُذبَح عنه يومَ سابعه، ويحلق رأسه ويُسمَّى))[16]، قال العلماء: أي: مرهونٌ تنشئته تنشئةً صالحة بهذه العقيقة.
والاختتان، وهو من سنن الفطرة؛ كما قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الفطرة خمسٌ: الاختتان، والاستحداد، وقصُّ الشارب، وتقليم الأظافر، ونتْف الإبط))[17].
وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم – لرجلٍ أسلم: ((ألقِ عنك شعر الكفر واختَتِن))[18].
والختانُ واجبٌ في حقِّ الرجال، ومكرمة في حقِّ النساء.
خامسًا: ومن حقِّه الرضاعة من أمِّه إلى حين يتقوَّى:
قال – تعالى -: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وهذا حقٌّ عظيم آخَر للطفل، وهو الرضاعة من ثدْي أمِّه لمدَّة عامين أو عام على الأقل، وحسب الحاجة والضرورة، وإلى الله المُشتَكَى! فقد قصَّرت كثير من النساء في هذا الحق العظيم، واستبدلوا اللبن الطبيعي باللبن الصناعي، وأجمع الأطبَّاء على أنَّه لا بديلَ عن لبن الأم؛ فهو طبيعيٌّ رباني يُعطِي الطفل قوَّة وحيويَّة ونشاطًا، ويَقِيه من الإسهالات والأمراض المختلفة، ويعطيه مناعة ضد كثيرٍ من الأمراض؛ لأنَّه يحتوي على مواد بروتينيَّة بنسبةٍ عالية، وفيه توازُن بين البروتينات والنشويَّات والدهنيَّات والأملاح المعدنيَّة؛ ممَّا يجعل الهضم أسهل والمتاعب المعديَّة أقل.
وبالجملة: فإنَّ رضاعة الثدي هبةٌ طبيعيَّة من نِعَمِ الله، وهي أفضل طريقةٍ ممكنة تُحقِّق احتياجات الطفل الغذائيَّة، وتنمي – في الوقت ذاته – علاقةً حميمةً حارَّة بين الأم والطِّفل، ولقد شُوهِد في كثيرٍ من المجتمعات التي لا تدين بالإسلام التفكُّك الرهيب وتشريد كثيرٍ من الأطفال؛ لأنَّه ليس لأبوَيْه علاقةٌ به إلا علاقة يسيرة ونادرة.
قال الإمام ابن القيِّم – رحمه الله -:
وينبغي أنْ تقتصر بهم على اللبن وحدَه إلى نبات أسنانهم؛ لضَعفِ معدتهم وقوَّتهم الهاضمة عن الطعام، فإذا أنبتت أسنانه قويَتْ معدته وتغذَّى بالطعام، فإنَّ الله – سبحانه – أخَّر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام؛ لحكمته ولُطفه ورَحمة منه بالأم وحلمة ثديها، فلا يعضه الولد بأسنانه، وينبغي التدرُّج معه في الغذاء، ا.هـ[19].
ولذا نجدُ من الحكمة ذهاب أكثر الأئمَّة إلى أنَّه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين.
سادسًا: ومن حقِّه تدريبه على الكلام وتسهيله عليه وقت التكلُّم:
وليكن أوَّل ما يفتح به على الصبي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فتكون في البداية، وهي أيضًا يُلقَّن بها المحتضر ليكنْ آخِر كلامه (لا إله إلا الله).
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فإذا كان وقت نُطقِهم فليُلقَّنوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وليكن أوَّل ما يقرع مسامعهم معرفة الله – سبحانه – وتوحيده، وأنَّه – سبحانه – فوق عرشه ينظُر إليهم ويسمَع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا، ا.هـ[20].
ومن الأمور المسلَّم بها لدى عُلَماء التربية والأخلاق المسلمين أنَّ الطفل حين يُولَدُ يُولَدُ على فطرة التوحيد وعقيدة الإيمان وعلى أصالة الطُّهر والبراءة، فإذا تهيَّأت له التربية المنزليَّة الواعية، والخلطة الاجتماعيَّة الصالحة والبيئة التعليميَّة المؤمنة – نشأ الولد لا شك في الإيمان الراسخ والأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة، ولقد قرَّر القرآن الكريم هذه الحقيقة؛ فقال – تعالى -: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]، وقد مرَّ معنا حديث: ((كلُّ مولودٍ…)).
ومن هذا العرض لأهميَّة الفطرة نعلَمُ أنَّ الولد إذا نشَأ في بيتٍ منحرفٍ، وتعلَّم في بيئة ضالَّة، وخالَط جماعة فاسدة – فلا شكَّ أنَّه سيرضع لبان الفساد، ويتربَّى على أسوأ الأخلاق، ويتلقَّن مبادِئَ الكفر والضلال، وسرعان ما يتحوَّل من السعادة إلى الشقاء، ويتدرَّج من الإيمان إلى الإلحاد، وينتقل من الإسلام إلى الكفر.. وعندئذ يصعُب ردُّه إلى جادَّة الحقِّ وإلى سبيل الإيمان والهدى، ا.هـ[21].
وللأسَف الشديد كثيرٌ من الناس اليوم يُعوِّدون أولادهم على الخلاعة والميوعة وسماع الأغاني والموسيقا؛ ممَّا يُفسِد قلوبهم وعقولهم، والله المستعان!
سابعًا: ومن حقِّه توفيرُ الراحة والهدوء والغذاء الطيِّب وتجنيبه مجالس اللهو:
قال ابن القيِّم – رحمه الله -: وكذلك يجب أنْ يجتنب الصبي إذا عقل مجالسَ اللهو والباطل، والغناء وسماع الفُحش والبِدَع ومنطق السوء، فإنَّه إذا علق بسمعه عسر عليه مُفارَقته في الكبر، وعزَّ على وليِّه استنقاذُه منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور، يحتاج صاحبه إلى استِجداد طبيعةٍ ثانية، والخروج عن حكم الطبيعة عَسِرٌ جدًّا، ا.هـ[22].
ثامنًا: ومن حقه تأديبه وتعليمه والرأفة والرحمة به:
قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عَلِّقُوا السَّوْط حيث يَراه أهل البيت، فإنَّه أدبٌ لهم))[23]، وللأسَف فإنَّ كثيرًا من المسلمين تساهَلُوا في هذه القاعدة النبويَّة المهمَّة حتى خرج الجيل منحلاًّ.
وليس معنى هذا أنْ يكون الواحد منَّا وحشًا كاسرًا، وإنما المراد ألاَّ تكون متساهلاً في تربيتهم بالصورة التي تُفقِدك مكانتك بينهم كمسؤولٍ عنهم وراعٍ لهم؛ فقد يُؤدِّي هذا التساهل إلى عصيانك وعدم الاستجابة لمطالبك، وإهمال أوامرك وارتكاب نواهيك، ولا معنى لوجودك كأبٍ ووالد في البيت وفي حياة الأسرة.
وقال عبدالله بن عمر – رضِي الله عنهما -: أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عنه:ماذا أدَّبته وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برِّك وطواعيته لك.
وتذكَّر قول القائل:
فَقَسَى لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ رَاحِمًا
فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ
ولقد كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أرحَمَ الناس وأشققهم، وبذلك ثبتَتِ الأحاديث الكثيرة.
تاسعًا: ومن حقِّه تعليمُه الصلاة والذهاب به إلى المسجد:
قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((علِّموا أولادَكم الصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضرِبوهم عليها إذا بلَغُوا عشرًا، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع))[24].
ففي هذا الحديث ثلاثةُ آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع، وقد غفل كثيرٌ من المسلمين عن هذا الأمر؛ فلم يُعلِّموا أولادهم الصلاة، ولم يضربوهم عليها، ولم يُفرِّقوا بينهم في المضجع، وأمر التفريق هذا لا يقلُّ أهميَّة عن أمر الصلاة، والقليل منَّا مَن يُطبِّق هذا الحكم بعد سنِّ العاشرة، وهذا فيه من الفوائد والحِكَم التي أرشدنا إليها الإسلام حتى ينشَأ الأولاد على العفَّة والطهارة وحبِّ الآداب الفاضلة، فنجد للأسَف في بيوتٍ كثيرةٍ من المسلمين يَنام الولد مع البنت بعد البُلوغ في سريرٍ واحدٍ وفي غِطاء واحد، وهذا لا شكَّ فيه المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله وحدَه.
وينبغي تعويدُ الطفل على الذهاب إلى المساجد حتى يتعوَّد على ذلك من صغره، وللأسف نجد في كثيرٍ من مساجد المسلمين ضرب الصبية الصغار وطردهم من المساجد شرَّ طرد، وربما وصَل إلى سبِّهم ولعنهم، مستدلِّين في ذلك بالحديث الضعيف: ((جنِّبوا صِبيانَكم المساجد))، رغم أنَّ الأحاديث كثيرة صحيحة في جَواز إحضار الصبيان إلى المساجد منها:
حديث أبي قتادة الأنصاري أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – “كان يُصلِّي وهو حامل أمامة بنت زينب”، وفي رواية: “كان يؤمُّ الناس وأمامة على عاتقه.. فإذا سجد وضعها”[25].
قال الحافظ ابن حجر: ظاهر الأحاديث أنَّه كان في فريضة، وكذا ابن دقيق العيد والشوكاني وابن حزم.
وفي روايةٍ لأبي داود بأنها كانت صبيَّة، والصبيَّة التي لم تُفطَم بعدُ كما في “عون المعبود”.
وثبت عند أحمد والنسائي بسند صحيح بأنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يحمل الحسن أو الحسين في الصلاة.
وثبتَ في البخاري أيضًا أنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يسمع بُكاء الطفل في الصلاة فيُخفِّف؛ كراهية أنْ يشقَّ على أمِّه، والأدلَّة في ذلك كثيرة.
وكما ينبغي إحضارهم إلى المساجد يجبُ تعليمهم وتأديبهم؛ حتى لا يُفسِدوا على المصلين صلاتهم، وحتى لا يحدُث منهم ما ينفر بعضَ المسلمين منهم.
عاشرًا: ومن حقِّه العدلُ بينه وبين إخوانه:
فمن حقِّ الأولاد في الإسلام العدلُ بينهم في العطاء والمنع؛ قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اعدِلُوا بين أولادكم في النِّحَل، كما تحبُّون أنْ يَعدِلوا بينكم في البرِّ واللطف))[26].
وفي الصحيحين عن النُّعمان بن بشير أنَّ أباه أتى به النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: إنِّي نحلتُ ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكلَّ ولدك نحلتَ مثلَ هذا؟)) قال: لا، قال: ((اتَّقوا الله واعدِلُوا في أولادكم))، فرجع أبي في تلك الصدقة.
وفي روايةٍ لمسلم قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فليس يصلح هذا، وإني لا أشهدُ إلا على حقٍّ)).
وفي روايةٍ لأحمد: ((لا تشهدني على جورٍ، إنَّ لابنك عليك من الحقِّ أنْ تعدل بينهم)).
وفي الصحيح: ((أشهِدْ على هذا غيري)) فهذا أمرُ تهديدٍ لا إباحة؛ فهذه العطيَّة كانت جورًا، والرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يأذَنُ لأحدٍ أنْ يشهد على صحَّة الجور، ومَن ذا الذي كان يشهد على تلك العطيَّة وقد أبى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنْ يشهد عليها، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها جور وأنها خلاف العدل، ا.هـ باختصار من “تحفة المودود”.
واجبات الأبوين نحو أبنائهم:
1- يجبُ تعريفُه أحكامَ الحلال والحرام عند بلوغه سنَّ التكليف.
2- يجب تربيته على حبِّ الله وحبِّ رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتلاوة القرآن والعمل بالسنَّة المطهرة.
3- تعليمه التوحيد والسيرة النبويَّة وغرْس التقوى والعبوديَّة ومراقبة الله في قلبه، والرحمة والأخوَّة والإيثار والعفو والجرأة.
4- يجب تحذيرُه من السرقة والخصام والسباب والميوعة والانحلال.
5- يجب نهيُه عن التقليد للآخَرين فيما يُخالِف تعاليم الإسلام، وعن الإسراف وعن استماع الغناء، وعن التخنُّث والتشبُّه بالنساء، والاختلاط المحرم والنظر إلى محارم الناس.
6- يجب نهيُ البنت عن السُّفور والاختلاط بغير محارمها والتشبُّه بالرجال، كما يجبُ تعليمها العفافَ والاحتشام وما يجبُ عليها أنْ تعلمه فيما يُرضِي الله.
7- يجب الابتعاد عن جليس السُّوء؛ فإنَّه هو المؤثِّر الأوَّل في حياة الطفل.
8- أمرهم بمراعاة حقوق الأبوين، والأرحام، والمعلِّم والرفيق، والكبير والصغير.
9- تحذير الولد من التدخين، وإفهامه بأنَّه ضرر، وليكنْ الأب هو القدوة أولاً.
10- منع الأولاد من قراءة المجلات الخليعة والصور المكشوفة وأفلام السينما والتليفزيون.
11- تعويد الأولاد استعمالَ اليد اليمني في الأخْذ والعطاء، والأكل والشرب… وغير ذلك، وتعويدهم على النظافة وقص الأظافر… وغير ذلك.
12- تحذير الأولادِ من الكذب وتعويدهم على الصِّدق.
13- تعليم الأولادِ القُرآنَ الكريم، وتخصيص معلِّم لهم للتجويد والحِفظ كما كان هدْي السلف.
14- تحذيرهم من الكفر والسبِّ واللعن والكلام البَذِيء.
15- توصية الأولاد وتعويدهم على أنْ يلتزم كلُّ جنسٍ بلبسه الخاص ليتميَّز عن الجِنس الآخَر.
أسباب انحراف الأطفال:
1- حالات الطلاق وما يصحَبُها من ضَياع وشَتات وغل وترك الأطفال وعدم متابعتهم وسؤالهم عمَّا ينقصهم، وتفقُّد أحوالهم ونفسيَّاتهم وتلبية احتياجاتهم.
2- الفَراغ الذي يتحكَّم في حياتهم.
3- مُخالَطة أهلِ الفساد ورفاق السوء.
4- تخلِّي الأبوين عن تربية أولادهم أو سوء التربية.
5- مشاهدة أفلام الجريمة والخلاعة.
6- خُروج الزوجة والأم للعمل من غير ضرورة.
وهذه الأسباب تُؤدِّي إلى الظواهر المتفشية مثل:
1- التدخين.
2- تعاطي المسكرات والمخدرات.
3- الزنا.
4- اللواط.
نصيحة أخيرة للأبوَيْن:
اتَّقوا الله في أولادكم، واعلَمُوا أنَّ الله سيحاسبكم على إهمالكم في أولادهم؛ قال بعض أهل العلم: إنَّ الله يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أنْ يسأل الولد عن والده، فإنَّه كما أنَّ للأب على ابنه حقًّا فللابن على أبيه حق، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصيَّته الأولاد بآبائهم؛ قال – تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: 31]، فمَن أهمل تعليمَ ولده ما ينفعه وترَكَه سدًى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَلِ الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائضَ الدِّين وسننه، فأضاعوهم صِغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتَب بعضهم ولدَه على العقوق، فقال: يا أبت، إنَّك عققتني صغيرًا فعققتُك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا، ا.هـ “تحفة المودود”.
وصلَّى الله وبارَك على محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أهم المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- فتح الباري.
3- تفسير ابن كثير.
4- تحفة المودود (ابن القيم).
5- تربية الأولاد (عبد الله ناصح).
6- صحيح الجامع (الألباني).
7- إرواء الغليل (الألباني).
8- وصايا الرسول (طه العفيفي).
9- توجيهات (محمد جميل زينو).
10- رسالة عمر بن غرامة العمروي.
________________________________________
[1] “صحيح الجامع” رقم (4559) الطبعة الثانية المكتب الإسلامي.
[2] “صحيح الجامع” رقم (4560) الطبعة الثانية المكتب الإسلامي.
[3] “تفسير ابن كثير” م 4 ص 417، ط دار المعرفة.
[4] “صحيح الجامع” (4569).
[5] “صحيح الجامع” (3003).
[6] “صحيح الجامع” (270).
[7] “صحيح الإرواء” (2012).
[8] “صحيح الجامع” (5785).
[9] “صحيح الإرواء” (1784).
[10] “صحيح الجامع” (7517).
[11] “صحيح البخاري” باب النكاح.
[12] قال الألباني: حسن إنْ شاء الله، “الإرواء” (1173).
[13] “صحيح البخاري” (5467) كتاب العقيقة.
[14] “تحفة المودود”؛ ابن القيم.
[15] “فتح” (54072).
[16] “صحيح الجامع” (4541).
[17] متفق عليه.
[18] “صحيح الجامع” (1251).
[19] “تحفة المودود” ص 201.
[20] “حفة المودود”.
[21] بتصرف واختصار من “تربية الأولاد”؛ لعلوان.
[22] المصدر السابق.
[23] “صحيح الجامع” (4022).
[24] “صحيح الجامع” (4026).
[25] البخاري ومسلم وغيرهما.
[26] “صحيح الجامع” (1046).
-الألوكة-