لئـن شكرتم..

الأربعاء،12جمادى الثانية1436//1أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
علاء الدين حسن
كاتب دراسات إسلامية
يقـول الله تعالى في كتـابه الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } (البقرة: 152).
ويقول رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” : «التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله» (صحيح الجامع).
وشكر الله عز وجل ليس كلمات تتردد، فلو كان الشكر هكذا؛ لكان الناس كلهم أو جلهم شاكرين لله عزوجل، ولما قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 13).
والشكر هو أن لا يستعين العبد بنعمة الله على معصيته.. الشكر: أن يتقي العبد ربه حق تقاته، وذلك بأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
الشكر الذي ينبغي أن نعاهـد الله عز وجل عليه، هو أن نسخر النعم التي يغدقها علينا لما يرضي الله سبحانه وتعالى، وألا نستعمل شيئا منها فيما يبغض الله عز وجل.
فإذا شكرنا الله عز وجل على نعمه؛ فلسوف تمتد سلسلة العطاء سخية تهمي كرما من سماء الله سبحانه وتعالى وفضله.
هذا هو ظننا بالله عز وجل، ولن يخيب الله ظن العبد به، وكيف يخيب الله ظن عبده به، وقد جاء في الحديث القدسي الجليل: «أنا عند ظن عبدي بي» (صحيح الجامع ).
ومن كنوز الشكر: الدافع المتجدد في الطريق إلى الله.. قال الله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } (الإنسان: 3).
ويؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشكلات؛ لأن قدرتك على مواجهة المشكلات تتعلق أصلا بمدى شكرك لله، وبمدى شكرك للناس.
فلن تستطيع أن تسير في الطريق، ولن تتوافر لديك الطاقة المتجددة، إلا بـالشكر..
العبد الشاكر هو الذي ستكون عنده طاقة متجددة ليسعى في كل خير.. أما الجاحد فلا يقدر نعمة الله عليه، فيؤدي إلى ضياعه.
روى البخاري ومسلم، عن أبي هريـرة “رضي الله عنه” أنه سمع رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” يقول: «إن ثلاثة من بني إسرائيل، أبرص، وأعمى، وأقرع، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن. فمسحه فذهب عنه، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسـنا. قال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبـل. فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها.
وأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟. قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا. فمسحه فذهب، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطاه بقرة، وقال: يبارك لك فيها.
وأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليـك؟ قال: يرد الله إلـي بصري فأبصر الناس. فمسحه فرد الله إليه بصـره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطاه شـاة…
فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. ثـم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسـكين وابن سبيل، تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله، ثـم بك. أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ به في سفري.
فقال له: إن الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص، فقيرا، فأعطاك الله عزوجل. قال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر.
فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له كما قال للأبرص، فرد عليه مثل ما رد عليه الأبرص، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأعمى في صورته فقال: رجل مسـكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثـم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عزوجل، (أي: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلب من مالي). فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك» (متفق عليه).
وهكذا يكون الأعمى قد نجح في الامتحان؛ فشكر ربه، وتصدق مـما رزقه الله؛ فزاد الله عليه النعمة، وباركها له، بينما بخل الأقرع والأبرص، ولم يشكرا ربهما؛ فسلب الله منهما النعمة.
ومن نتائج الشكر: أنه يوصلك إلى درجة المحبة، ويحفظك من العذاب في الدنيا والآخرة.. قال الله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (النساء:147).
فالله سبحانه وتعالى لن يعذبك، مادمت قد شكرت نعمته وآمنت به؛ بل سيعينك الله عزوجل على خطواتك التي تخطوها في طريقه.. وقد قدم الله تعالى الشكر على الإيمان، لأنك لن توفق للإيمان دون شكر.
ولقد كان الشكر خلقا ثابتا لأنبياء الله عليهم السلام. يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)} (النحل: 120- 121).
ويقول عز وجل عن نوح عليه السلام: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } (الإسراء:3). ويقول الله تعالى عن سليمان عليه السلام: {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } (النمل:40).
وكان رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” كثير الشكر لربه، وقد علمنا أن نقول بعد كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (أبو داود بسـند صحيح).
وجاء رجل إلى أبي حازم يسأله عن شكر العينين، فقال: إن رأيت بهما خيرا أعلنته، وإن رأيت بهما شرا سترته. قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيرا وعيته، وإن سـمعت بهما شرا دفعته. قال: فما شـكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقا لله هو فيهما.
ولله در القائل:
إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى
وكان صحيحا جسمه وهو في أمن
فقد ملك الدنيـا جميعا وحازها
وحق عليه الشكر لله ذي الـمن
والشكر والعبودية أمران متلازمان، فإن انفك الواحد عن الآخر غاب كل منهما، وانظروا إلى هذا التلازم كيف يتجلى في حديث رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” عندما سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري عن سبب ما يتحمله من جهد في الليالي الطويلة التي يقضيها قائما مصليا ساجدا لله عز وجل، قالت: (أفلم يغفر الله لك ما تقدم وما تأخر)؟. أجابها قائلا: «أفلا أكون عبدا شكورا؟» (صحيح البخاري).
ومن كان قلبه فياضا بشعور العبودية لله سبحانه وتعالى، فاض قلبه نشوة بهذه النعم التي أرسـلها الله سبحانه وتعالى إليه، نعم تتجلى فيها ألطاف الله عزوجل، تتجلى فيها محبة الله سبحانه وتعالى لعباده، تتجلى فيها رحمات الله سبحانه وتعالى لهم، تتجلى فيها استجابة الله سبحانه وتعالى لدعائهم ورجائهم، لكن الناس الذين غابت مشاعر العبودية لله عزوجل عن قلوبهم، هيهات أن يشعروا بهذا المعنى الذي يبعث الطمأنينة في النفس، وهم، وإن شكروا، فبكلمات تقليدية يغيب عنها الفؤاد، إنهم تائهون عن هوياتهم، غارقون في أهوائهم ورعوناتهم، فلربما استخدموا هذه النعمة التي يغدقها الله عزوجل فيما يسخط الله سبحانه وتعالى.
أما الإنسان، الذي وعى ذاته، وعرف عبوديته ومملوكيته لله، ثـم رأى نعم الله عزوجل كيف تهمي من سمائه، ونظر فوجد كيف أن الأرض أصبحت مخضرة يانعة تبتهج لمنظرها الأبصار، فإن هذا الإنسان لابد أن تفصح عبوديته لله عن شدة الحب لمولاه وخالقه عزوجل، ممتثلا قول الله عز وجل: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
ــــــــــــــــــــــــــ
– الوعي الإسلامي

اقرأ أيضا  الإنابة في الحج
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.