لابدَّ من النصيحة
الأربعاء،1ربيع الثاني1436//21يناير/كانون الثاني2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
نُشِر في جريدة عكاظ بعنوان “قطرات” لفوزية عبدالله “أبو خالد” العدد 1392 في 29 – 3 – 89هـ كلمة جاء فيها: “وإذا كانت النصيحة ضروريةً ضرورةَ ما ليس لنا منه بدٌّ… إلاَّ أنني لست من مؤيِّدي النصح، ولا أريد أن أنصح أحدًا… كما أنني لستُ مستعدة لتلقِّي أية محاضرة من النصائح المجَّانية.. دون أن أكون قد طلبت مِن الناصح ذلك… إلخ”.
وهذا الكلام غريب؛ إذ إنَّه يصادم قول الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدين النصيحة))، قال الراوي: قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم))، ولا ندري هل هذا الذي تقوله الكاتبة ناجمٌ عن جهْل بالنصوص الدينية؟ أم أنَّه شيء من التحرُّر والابتكار والتمرد – كما يحلو لبعض المعجبين بالثقافات الأجنبية أن يصوِّروه؟
إنَّ المجتمع الإسلامي الذي يعتَزُّ بإسلامه، ويحمد الله على أن وهبَه نعمةَ الإيمان والتصديق بالحق لا يقبل مصادمة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بمِثل هذا الأسلوب الساخِر الذي يتشدَّق بألفاظ، ربَّما استوردها مِن خارج المجتمع الإسلامي، وقلَّد فيها شباب أوروبا المتمرِّد.
ثم إنَّ النصيحة تنبئ عن شعور بالمسؤولية، واهتمام بالآخرين، وسعْي لبناء المجتمع على أسس قويمة، كما أنَّ إغفال النصيحة واستثقالها إنَّما يعني الإفراط في الأنانية، وعدم الاكتراث بشؤون إخوانه، الذي تربطهم به أقوى الروابط.
ولا شكَّ أنَّ هذا يؤدي إلى تفشي الأمراض في المجتمع، وإلى أن يصبح أفرادُه يعيشون في ضياع وقلق وفوضى، كلٌّ يعمل وفق مزاجه، حتى وإن كان مزاجًا مريضًا، يستحسن السموم القاتلة، وينخدع بالحرية المنطلقة إلى مهاوي الهلاك.
إنَّ لنا في تعاليم الإسلام منجاةً عن المزالِق والمخاطر، وحسبنا أن نأخذَ عِبرَةً من البلدان التي أهملتِ النصيحة، وأفرطتْ في استعمال الحرية، وتمرَّد أفرادها على الناصحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ ظنًّا أنَّ في السراب ارتواءً، وأن في الطلاء البراق حقائقَ تغني وتكفي، وإذا بها تتحوَّل إلى مجتمعات مفكَّكة الأواصر، لا يُحترَم فيها كبير، ولا يُرْحَم فيها صغير، شعارها: التمرُّد والهدم، ومآلها الضياع والانحطاط!
ومِن أجل ذلك فإنَّ مثل هذه الأصوات التي تنطلق بين الفَيْنة والأخرى مدعيةً كسْر القيود والانعتاق من القديم بخيرِه وشرِّه، والشطط في الحرية المزعومة، هي أصوات غريبة على المجتمع الإسلامي، وحَرِيٌّ بها أن توقف عند حدها، وأن تسكت عن هذيانها المؤذِي، ومزاعهما التي جرَّت على البلدان الأخرى نكباتٍ وكوارثَ، وعسى أن يتنبه من يردِّد تلك الأقاويل بلا وعي، فيدرك ما تَعنيه مِن أخطار ومشاكل.
لقد تمرَّد الشبابُ في كثير من البلدان الغريبة، فماذا كانت النتيجة؟؟ وانطلقتِ الفتاة ضاربة عُرض الحائط بالنصائح الحكيمة، والتعليمات الرشيدة في غمرة الهوس بالحرية، وتحطيم الأغلال والكبت – حسب ما تخيلت – فماذا الذي جنتْه من كلِّ ذلك؟؟ لقد أصبحت تعرِض لحمها لكلِّ من هبَّ ودب، وغدت سلعة رخيصة يتاجر بها، ثم ترمى كأي فضلات غير مرغوب فيها!! أليس هذا واقع المرأة الأوروبيَّة؟ وأي نوْع هو المجتمع الأوروبي؟ أليس المجتمع الأناني الغارق في الشهوات والرذائل والمسكرات؟!
أليس المجتمع الذي يعجُّ باللقطاء والبغايا والحشَّاشين والمجرمين؟؟ لقد تمرَّد على النصيحة، وهزأ بالناصحين، فآل إلى هذا المصير المؤسف، فهل نرضى لفتياتنا وشبابنا أن يحذوا حذوَ أولئك المغرَقين في الحرية، والمفرطين في التمرد؟ كلاَّ، ثم كلاَّ.
وليتذكرِ الكارهون للنصح ما أخبر الله به في سورة الأعراف وغيرها عن المعاندين للرسل والمستكبرين على النصيحة، قال تعالى مخبِرًا عن نبيه صالح – عليه السلام – بعد أن ردَّ قومه النصيحة، وحاق بهم العذاب ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 79].
المصدر:الألوكة