SCROLL TO CONTINUE WITH CONTENT

السلام في فلسطين يعني السلام في العالم

ADVERTISEMENT

SCROLL TO CONTINUE WITH CONTENT

لحرية: بين الاستقلال، المسؤولية، ورحلة لا تنتهي بقلم: حارث دارماوان

2 hours منذ قليل

5 Views ㅤ

Dewi Amalia Wahdah - 2 hours منذ قليل

جاكرتا، مينا- تُعدّ الحرية كلمةً غنية بالمعاني، مشحونة بالعواطف، ومتعددة التأويلات. ومنذ أن أُعلنت لأول مرة في 17 أغسطس 1945، أصبحت نقطة تحول تاريخي في حياة الأمة الإندونيسية. ومع ذلك، وفي خضم الاحتفالات السنوية الصاخبة، يبرز سؤال جوهري: ما هو المعنى الحقيقي للحرية في حياة الإنسان؟ هل تقتصر الحرية على رفع الأعلام، والمراسم الرسمية، وترديد النشيد الوطني، أم أنها مفهوم أكثر شخصية، وأعمق، وأكثر شمولًا وإنسانية؟

إن الاستقلال السياسي الذي أعلنه مؤسسو الدولة كان إيذانًا بانتهاء عهد الاستعمار. غير أن الحرية الحقيقية لا تقف عند هذا الحد؛ فهي ليست خط النهاية، بل خط البداية. فالأمة الحرة ليست تلك التي تتحرر فقط من السيطرة المادية، بل هي الأمة التي تتحرر أيضًا من التبعية الفكرية، والاقتصادية، والثقافية، بل والروحية كذلك. وإذا فُهمت الحرية على أنها مجرد احتفال رسمي، فإن روحها سرعان ما تتلاشى. أما إذا اعتُبرت عملية مستمرة، فإنها ستصبح طاقة تُلهم الأجيال على مر الزمان.

ومن أبرز أبعاد الحرية: حرية العلم. فالأمة الذكية هي الأمة التي تنال استقلالها الحقيقي. ومن دون امتلاك المعرفة، ستظل الأمة تابعة للأمم الأخرى. وهذه التبعية هي في حقيقتها شكل جديد من أشكال الاستعمار المعاصر. فاستقلالية العلم تعني القدرة على إنتاج المعرفة لا استهلاكها فقط. ويجب أن تكون الجامعات ومراكز الأبحاث مختبرات للحرية الفكرية، حيث يتمكن الشباب من اختبار أفكارهم دون خوف من الخطأ أو القمع. كما تتطلب هذه الحرية شجاعة في الاختلاف، لأن الحقيقة في ميدان العلم ليست حكرًا على طرف واحد؛ بل تُطلب، وتُختبر، وتُنقد، وتُطوَّر. لذا، يجب على الطلبة والباحثين والأكاديميين أن يتسلحوا بالتفكير النقدي لا بحفظ النظريات فقط.

وإلى جانب العلم، تشمل الحرية أيضًا حرية الإبداع. فالإبداع هو أصدق أشكال التعبير الإنساني. ومن خلال الإبداع، سواء في التكنولوجيا أو الفن أو الأدب، يترك الإنسان بصمته في مسيرة الحضارة. فالحرية في الإبداع تعني التحرر من قيود التقييمات الخارجية. فالإبداع الحقيقي يصدر من القلب، من الحدس، ومن الرغبة في تقديم فائدة. إن قصيدة تُكتب بإخلاص، أو بحث يُنجز بإتقان، أو ابتكار يُطوَّر لخدمة المجتمع، كلها تمثل نماذج حقيقية للحرية. لكن، وللأسف، في العصر الرقمي اليوم، أصبح كثير من الناس أسرى للشهرة اللحظية؛ حيث تُقاس القيمة بعدد “الإعجابات” أو حجم الانتشار، لا بعمق المضمون أو أثره. وهنا يكمن التحدي الكبير لجيل اليوم: كيف نحافظ على حرية الإبداع دون أن نفقد جوهره؟

قراءة المزيد: نتنياهو: لن نوافق على اتفاق إلا بشروطنا وإطلاق الأسرى دفعة واحدة

أما الحرية الحقيقية، فهي ليست في الفكر أو الإبداع فقط، بل في الروح أيضًا. فكثير من الناس قد يبدو حرًّا في الظاهر، لكنه أسير داخليًا لشهواته، وطموحه، وأنانيته، وماديته. إن الحرية الروحية تعني القدرة على ضبط النفس، وقهر الأهواء، وتحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة. وهي لا تدعو إلى ترك الحياة الدنيوية، بل إلى التعامل معها من منطلق العبادة والخدمة. فالأمة الحرة ليست تلك التي تسعى فقط للمكاسب المادية، بل تلك المتجذرة في القيم الأخلاقية والروحية. فبدون هذا البعد، ستتحول الحرية إلى فوضى بلا وجهة.

ولا تُعدّ الحرية حقيقية إذا اقتصرت على فئة دون أخرى. فالحريّة الحقّة هي الحريّة الشاملة التي تضمن الرفاهية، والعدالة، والمساواة للجميع. وضمن السياق الاجتماعي، تعني الحرية التحرر من الفقر البنيوي، والتمييز، والظلم. لا يجوز أن يشعر أحد بالتهميش في وطن حرّ. ويجب أن يُتاح لكل مواطن مساحة للمشاركة، والنمو، والتقدير. ومن هنا، تقع على عاتق الشباب مسؤولية عظيمة، ليس فقط لنيل حريتهم الشخصية، بل لضمان أن تمتدّ هذه الحريّة لتشمل المجتمع بأسره. فالتضامن، والوعي الاجتماعي، وخدمة المجتمع، كلها تجسيد لهذه المسؤولية.

وفي ظل العولمة، تبرز أخطر التحديات: الاستعمار الثقافي. فالغزو لم يعد عسكريًا، بل أصبح عبر الترفيه، وأنماط الحياة، والأفكار. وإن لم نكن حذرين، فإن أمتنا قد تفقد هويتها. فالحرية الثقافية تعني القدرة على تصفية التأثيرات الخارجية من دون التفريط في الجذور والتقاليد. فالعولمة ليست أمرًا يجب رفضه، بل التعامل معه بحكمة. ويجب على الجيل الجديد أن يستفيد من تطورات العالم، دون التفريط بقيمه الأصيلة التي تُكوّن هوية الأمة.

وغالبًا ما يُفهم الاستقلال على أنه مجرد حرية، بينما الحقيقة أن الاستقلال الحقيقي يولّد المسؤولية. فالحرية بلا مسؤولية هي فوضى. إن الاستقلال يُعلّمنا أن لكل حق واجبًا ملازمًا. وكل حرية يجب أن تقترن بوعي بعواقبها. ومن ثم، فإن الإنسان الحرّ هو مَن يتحمّل العبء الأخلاقي، والاجتماعي، والروحي لكل قرار يتخذه.

قراءة المزيد: شي جين بينغ يهنئ الرئيس برابوو بالذكرى الثمانين لاستقلال إندونيسيا

وفي العصر الرقمي، تواجه معاني الحرية تحديات جديدة. فالتدفق الهائل للمعلومات قد يكون منبعًا للنور، لكنه قد يتحول أيضًا إلى استعمار جديد: عبر الأخبار الكاذبة، وخطاب الكراهية، وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي. فأن تكون حرًّا في هذا العصر يعني أن تُحسن استخدام التكنولوجيا. ويجب أن يكون الإنترنت وسيلة للتحرر، لا للعبودية. وأن تكون وسائل التواصل ساحة للحوار، لا للانقسام.

وفي النهاية، فالحرية ليست نقطة وصول، بل مسار مستمر. إنها رحلة طويلة لا تنتهي. ولكل جيل معاركه الخاصة من أجل نيل حريته. لقد واجه الآباء الاستعمار بالسلاح، أما جيل اليوم فيواجه الجهل، والظلم، وأشكالًا جديدة من الاستعباد. والاستقلال الحقيقي يتحقق حين يقف الإنسان شامخًا بعلمه، ويُبدع من قلبه، ويخدم بروحه، ويوازن بين الدنيا والآخرة.

فالحرية ليست منحة تُكتسب مرة وتنتهي. بل هي أمانة يجب الحفاظ عليها، والنضال من أجلها، وتوريثها. وكل فرد مسؤول عن إبقاء شعلة الاستقلال مشتعلة؛ في بيته، وفي جامعته، وفي عمله، وفي مجتمعه، بل وفي أعماق روحه. فالأمة الحرة ليست الأمة الخالية من التحديات، بل الأمة التي تواجه هذه التحديات برأس مرفوع، وقلب مطمئن، ونفس متحررة من القيود. ولهذا، لا تتحقق الحرية الحقيقية إلا عندما تقترن بالمسؤولية، ويُقرن العلم بالإيمان، والإبداع بالإخلاص، والفرد بالمجتمع.

 وكالة مينا للأنباء

قراءة المزيد: الرئيس برابوو يقود احتفال الاستقلال الإندونيسي ويتلو نص الإعلان من القصر

توصيات لك