لماذا توجد أكثر الدول تخلفاً في أفريقيا الاستوائية؟

الأربعاء 7 جمادى الثانية 1437// 16 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
فهد عامر الأحمدي
الاختلافات التي نراها اليوم (بين الأمم والشعوب) هي محصلة مسيرة تاريخية طويلة وعوامل متقاطعة امتزجت بشكل معقد وفريد.. عوامل تتضمن التاريخ والجغرافيا والمناخ والثقافة والدين تتسبب في رفع أو خفض بعض الأمم، دون حول منها ولا قوة..
وهي عوامل لا تشكل فقط أفكارها ومعتقداتها بل وتحدد طبيعة دخلها وطبيعة إنجازاتها.. لماذا مثلا ظهرت الثورة الصناعية في الجزر البريطانية وليس في جزر المالديف أو اندونيسيا!؟
لماذا نجح الأوروبيون في التصنيع وتطبيق المعرفة وفشل في ذلك العرب والأفارقة؟
لماذا توجد أكثر الدول تخلفا في أفريقيا الاستوائية (رغم كثرة مواردها الطبيعية) في حين تحولت اليابان (ذات الطبيعة الجبلية) الى قلعة صناعية؟ وكيف أصبح 90% من دخل الصين يأتي من القطاع الصناعي، ولماذا بدأت أميركا تهجر هذا القطاع وتدخل مرحلة الاقتصاد المعرفي؟
.. هذه الفوارق (بين توجهات الشعوب) حاول أبقراط تفسيرها في كتاب “القوانين” وأرسطو في “السياسة” وابن خلدون في “المقدمة” – والعديد من مفكري العصور المتقدمة مثل ميكافيلي الإيطالي، وأرثيو الإنجليزي، ومونتسيكيو الفرنسي، وجاريد دايموند الأميركي..
فالفرنسي مونتسيكيو مثلا يقول في “روح القوانين”:
للمناخ تأثير مادي مباشر على الأعصاب والعضلات ومن ثم على تصرفات الناس وأخلاقهم العامة.. فحيوية الناس تكون أكبر في المناطق الباردة وبالتالي ينجزون اكثر وتكون لديهم ثقة بإمكاناتهم وشعور أكبر بإنجازاتهم وإحساس أقل بالغيرة والحسد والرياء السياسي.. أما في المناطق الحارة فتبلغ الحرارة حدا يصبح الجسم معه بلا حول ولا قوة فينتقل ذلك إلى العقل والطباع فينتج عنه سلبية الأفراد فلا حب للعمل أو الاطلاع، ولا قدرة على إكمال المشروعات الجبارة مع ميل للاستسلام والخضوع السياسي (…)!
أما كتاب “مسدسات وجراثيم وصُلب” فيبحث في أسباب تقدم وتخلف المجتمعات ومقارنتها ببعضها. وفور ظهور الكتاب عام 1997 فاز بجائزة بوليتزر للعلوم وأنتج كفيلم وثائقي تحت نفس العنوان (أنصحك بمشاهدته).. وفي هذا الكتاب يناقش دايموند تأثير الموقع الجغرافي والكثافة السكانية والتطبيق المعرفي والمتغيرات البيئية في تطور – وتدهور- الحضارات.. فهو يشير مثلا الى أن المجتمعات التي انتقلت قبل غيرها من مرحلة الصيد والالتقاط الى الزراعة وإنتاج الطعام (ثم إلى مرحلة الصناعة وإنتاج المعلومة هذه الأيام) سبقت غيرها في تأسيس الحضارات والسيطرة ماديا وثقافيا على المجتمعات الأخرى. وما لفت انتباهي بحق تحليله الأمين لأسباب تفوق الآسيويين (قديما) ثم الأوروبيين (حديثا) على بقية الأمم.. فهو يرى أن الأوروبيين والآسيويين هيمنوا على العالم بفضل موقعهم الجغرافي المناسب في حين عاشت شعوب أفريقيا وجزر المحيط الهادئ في عزله طويلة وصراع دائم من أجل البقاء (وحسب رأيه لو سكنت الشعوب الأفريقية في أوروبا لهيمن السود على العالم)!
.. المؤكد أن تقاطع عوامل كثيرة عبر مسيرة تاريخية طويلة جعل من أمة حالة فريدة يصعب على الثقافات الأخرى فهمها.. وأحيانا فهم نفسها هي ذاتها!!
-الرياض-

اقرأ أيضا  كيري والأفكار الخبيثة