لماذا تُصعِّد واشنطن هجومها ضد حماس؟
فلسطين (معراج) – بينما تواصل (إسرائيل) توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، كجريمة حرب وفقًا للقانون الدولي، وتهويد القدس المحتلة، وحصار قطاع غزة، تنشغل الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، بمكافأتها، وتخيير الفلسطينيين بين الاستسلام لواقع الاحتلال، أو اتهامهم “بالإرهاب”.
“من السيئ إلى الأسوأ”؛ هذا هو حال سياسة إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية حماس؛ إذ إن الأولى لم تكتفِ بالانحياز المعتاد الذي مارسته الإدارات الأمريكية المتعاقبة للاحتلال الإسرائيلي، بل تعدت ذلك لتكون “صهيونيةً أكثر من الصهاينة أنفسهم”؛ يقول مراقبون.
وفيما باتت ما تعرف بـ”صفقة القرن” لتسوية القضية الفلسطينية بيدٍ أمريكية إسرائيلية، في مراحلها الأخيرة –وفق تصريحات سابقة للمبعوث الأمريكي لعملية التسوية في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات- تُسارع واشنطن الخطى في محاولات تجريد الفلسطينيين من أي أوراق قوة.
وبعد أن أدرجت الإدارة الأمريكية أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، اسم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية فيما يسمى “قائمة الإرهاب”، أقر مجلس النواب الأميركي الشهر الجاري مشروع قانون يفرض عقوبات على الحركة، زاعمًا استخدامها “المدنيين كدروع بشرية”.
لكن الحقيقة لطالما أثبتتها التقارير والتحقيقات الدولية، وهي أن من يستخدم المدنيين كدروع بشرية هي دولة الاحتلال، ومن ذلك، تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الخاص بالحرب العدوانية على قطاع غزة أواخر 2008، إذ أشار إلى أنه تحقق من أربع حالات استخدم فيها جيش الاحتلال المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وجريمة حرب
شواهد
ولا يمكن عزل خطوات إدارة ترامب تجاه حماس عن سياق المواقف الأمريكية المتعلقة بفلسطين والمنطقة عمومًا، بحسب الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية حسام شاكر.
ويقول شاكر لصحيفة “فلسطين”: “يتبين من الشواهد بين أيدينا أن إدارة ترامب تتصرف في الموضوع الفلسطيني وفق أجندة إسرائيلية وهي تتبنى وبوضوح مقاربات ومواقف ورغبات لدى حكومة الاحتلال”.
ويضيف: “لم نجد في تاريخ الإدارات الأمريكية السابقة منذ انطلاق ما عرف بالتسوية السياسية (اتفاق أوسلو سنة 1993) قبل أكثر من ربع قرن إدارة تصرفت خلال سنة واحدة بكل هذا الانحراف” لصالح الاحتلال.
ويشير إلى “حالة تماه متزايدة بين ترامب شخصيًا وبين مواقف الإدارة الأمريكية عمومًا والكونغرس، في العديد من القضايا الجوهرية والتفصيلية المتعلقة بقضية فلسطين”.
ويُعرف عن ترامب تأييده للاستيطان في الضفة الغربية، كما أنه اعترف بالقدس المحتلة عاصمة مزعومة لدولة الاحتلال، في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول شاكر إن الإدارة الأمريكية أهالت التراب حتى على ما يعرف بـ”حل الدولتين”، واتخذت خطوات متلاحقة وهي في واقع الحال ضاغطة على الجانب الفلسطيني، وعلى مقاومته.
ويتابع: “إذا كانت إدارة ترامب تضرب عملية التسوية التي هي في الأساس مجحفة، فما الذي نتوقعه منها تجاه المقاومة الفلسطينية؟”.
ويحذر الخبير في الشؤون الدولية، من أن ذلك لا ينفك عن توجه أخطر قادم من الإدارة الأمريكية، تريد فرضه على الشعب الفلسطيني عبر ترتيبات واتفاقات “ضمن الحالة الغامضة المسماة صفقة القرن”.
وينوه إلى أن محاولة واشنطن تحميل الشعب الفلسطيني المُحاصَر مسؤولية حصاره، والعمل على تبرئة (إسرائيل)، يرمي إلى تحقيق رغبة أمريكية “بتركيع وكسر وإرادة الشعب الفلسطيني لفرض مخرجات معينة من هذه الحالة”.
ويشير شاكر إلى أن هذا “منحى يتماشى تمامًا مع الخطاب الإسرائيلي”.
وأدرجت واشنطن حماس سنة 1997 فيما تسمى “لائحة الإرهاب الأمريكية”، كما أعيد إدراجها سنة 2001 في “لائحة الإرهاب الخاصة”.
وردًا على سؤال بشأن سبب تصعيد إدارة ترامب هجومها على الفلسطينيين بشكل أسوأ من سابقاتها، يجيب شاكر بأن الإدارات الأمريكية السابقة اشتغلت في بيع الوهم المتمثل بعملية التسوية للشعب الفلسطيني، بينما الإدارة الحالية اتجهت مباشرة لفرض خيارات خاصة إسرائيلية.
ويؤكد شاكر أن واشنطن تخسر وتقيّد ذاتها في محطات تاريخية لاحقة، عندما تهاجم طرفا فلسطينيا أساسيا كسب الشرعية الانتخابية عام 2006، وهو حركة حماس، منوهًا إلى أن الأوروبيين وقعوا في هذا الخطأ عندما وضعوا الحركة على ما تسمى “قائمة الإرهاب” ثم أدركوا أن قرراهم كان متسرعًا.
ويوضح أن إدارة ترامب أضرت بالموقف الأمريكي في العالم، وقد رأينا التصويت “الهزلي” من حلفائها “الكرتونيين” في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الأخيرة رفض تغيير وضع القدس المحتلة.
ورغم الضغوط الأمريكية غير المسبوقة من ترامب، ومندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، فإن القرار الأممي بشأن القدس المحتلة، صوتت لصالحه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، 128 دولة من مجموع 193 في الجمعية العامة، في حين صوتت تسع دول ضده بينها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي وغواتيمالا، وتحفظت 35 دولة وغابت 21 أخرى عن الاجتماع.
ويؤكد شاكر أن الإدارة الأمريكية عجزت عن إقناع العالم بمواقفها، وخسرت دبلوماسيًا وظهرت متشجنة.
من جهته، يقول أستاذ العلاقات الدولية د. علاء أبو عامر، إن الإدارات الأمريكية تاريخيا منحازة لكيان الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه، وحاليا تصعد إدارة ترامب هذا “الانحياز السافر” وتتبنى “الأطروحات الصهيونية مع صعود اليمين المسيحي المتطرف بقيادة ترامب ونائبه مايك بنس ومندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هالي وغيرهم من الشخصيات اليهودية أو المسيحية الصهيونية المحيطة بترامب”.
ويُبيِّن أبو عامر لصحيفة “فلسطين”، أن الكونغرس الأمريكي بشكل عام يهيمن عليه الجمهوريون وحتى بعض “الديمقراطيين” المنحازين “للصهيونية”.
ويشير إلى أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية “ليس غريبًا” إذا ما علمنا أنها “صهيونية بمعنى أنها تتبنى كل أطروحات اليمين الصهيوني الذي يحكم أمريكا حاليا”.
ويؤكد أبو عامر، أن الولايات المتحدة تنظر لكل الشعب الفلسطيني، ولكل من يقاوم الاحتلال حتى وإنْ كان بالمحافل القانونية على أنه “إرهابي”.
وينوه إلى أن حماس ترفض الاعتراف بـ(إسرائيل) وتواصل المقاومة المسلحة ضد الأخيرة، وترفض أي تسويات ممكن أن تؤدي لإنهاء القضية الفلسطينية.
ويوضح أن واشنطن وضعت هنية على “قائمة الإرهاب” لأنه يقود حركة تناضل ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، قائلًا في الوقت نفسه إن تركيز الخطوات الأمريكية ضد حماس، سببه أن الحركة تتمسك بالكفاح المسلح ضد الاحتلال.
وينبه أبو عامر إلى أن الإدارة الأمريكية تستغل الوضع العربي الحالي، وما حل ببعض البلدان العربية من دمار وخراب، وتنافس دول في المنطقة على رضا أمريكا، وانشغال أخرى في مشاكلها الداخلية، للتحكم بهذا الواقع، مبينًا أن واشنطن تتعامل مع العرب “باحتقار”.
ويتمم بأن مواقف الإدارة الأمريكية متقدمة في “صهيونيتها” حتى على حزب الليكود.
وكانت حماس رفضت، أمس، ادعاءات البيت الأبيض حول مسؤوليتها عن أزمة غزة الإنسانية المتفاقمة، مؤكدةً أن هذه الادعاءات عبارة عن ضوء أخضر للاحتلال لمواصلة نهجه العدواني على شعبنا الفلسطيني، كما حمّلت الحركة الإدارات الأمريكية المتعاقبة المسؤولية عن المآسي التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة دعمها الاقتصادي والسياسي والعسكري للاحتلال.
يشار إلى أن الإدارة الأمريكية اشترطت في نوفمبر/تشرين الأول الماضي، استئناف المفاوضات بين (إسرائيل) والسلطة، وتوقف الأخيرة عن ملاحقة مسؤولين إسرائيليين لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، مقابل توقيع إذن السماح لمكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن بمواصلة عمله، ثم وافقت وزارة الخارجية الأمريكية لاحقًا على بقاء المكتب مفتوحًا وفق قيود منها ضرورة ربط أنشطته بالقضايا المتعلقة بتحقيق تسوية.
المصدر : فلسطين أون لاين