لماذا يعد بوتين حليفا سيئا ؟
بول رودريك جريجوري
باحث بمعهد هوفر وباحث مشارك بالمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية
الإثنين, 25 صفر 1437 الموافق 7 ديسمبر / كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
رحب البعض بتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في النزاع السوري باعتباره فرصة للكرملين “للخروج من العزلة”، ويقال إن نزاع روسيا مع تنظيم الدولة الإسلامية قد وحد مصالحها مع مصالح الغرب.
وبالفعل، حث الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا في مؤتمر صحفي بوتين مرة ثانية على الانضمام إلى تحالف مناهض لتنظيم الدولة، ووصف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زيارته الأخيرة لموسكو بالجهد الرامي لبناء تحالف دولي واسع ضد هذه الجماعة الإرهابية.
للوهلة الأولى، تبدو فكرة أن روسيا حليف طبيعي ضد الإرهابيين الإسلاميين منطقية، فقد عانت البلاد من هجمات إرهابية مروعة على يد المتطرفين الإسلاميين، بما في ذلك تفجير طائرتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فوق شبه جزيرة سيناء والذي راح ضحيته 224 من المسافرين وطاقم الطائرة، وجميعهم تقريبا من الروس.
ويعيش في الاتحاد الروسي قرابة عشرين مليون مسلم، معظمهم من السنة، وأفاد مسؤولو الأمن في البلاد بأن حوالي سبعة آلاف مقاتل من الجمهوريات السوفياتية السابقة وروسيا قد التحقوا بتنظيم الدولة.
ومع ذلك -وباستقراء أعمق للأمور- يبدو واضحا أن تحالفا ضد الإرهاب مع روسيا ليس إلا تفكيرا مثاليا قائما على التمني، إذ إن بوتين لم يذهب إلى سوريا لهزيمة تنظيم الدولة، وإنما تدخل لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد العميل لروسيا، وقد يتصرف بوتين أحيانا على نحو يعطي انطباعا بأنه مستعد للتخلي عن الأسد، ولكنه في نهاية المطاف سيدافع عنه، فترك الأسد يواجه مصيره قد يبدو علامة ضعف، وبالتالي يعد في نظر بوتين أمر بغيضا.
وقد يكون الروس العاديون في مرمى خطر هجمات المتطرفين الإسلاميين، ولكنهم لا يمثلون خطرا يذكر بالنسبة لبوتين أو حلفائه.
لقد عانت روسيا بالفعل من عدد من الهجمات الإرهابية، بما في ذلك مجزرة بيسلان عام 2004 التي راح ضحيتها 334 شخصا، معظمهم من تلاميذ المدارس.
وفي كل حالة من هذه الحالات كان رد الفعل على الهجمات وحشيا يتسم بالقوة المفرطة وباهظ التكلفة في ما يتعلق بالخسائر في أرواح المدنيين، وعلى الرغم من ذلك كان نظام بوتين يخرج سالما في كل مرة.
صحيح أن الهجمات الإرهابية في مطلع القرن قد أفضت إلى توحيد الرأي العام ضد المتمردين الشيشان وأمدت بوتين بالدعم العام الذي كان بحاجة إليه لتدمير غروزني عاصمة الشيشان عن بكرة أبيها.
وتعكس الثقة التي يبديها بوتين في تعامله مع الإرهاب طبيعة جهاز أمن الدولة الروسي، إذ تنفق روسيا على الأمن الداخلي أكثر مما تنفق على الدفاع الوطني، فلديها قوات وزارة الداخلية ولديها القوات الخاصة بوكالة الأمن الاتحادية والقوات الخاصة للخدمة المتنقلة وقوات الاستخبارات العسكرية، فضلا عن شبكة واسعة من الجواسيس والمخبرين المحليين.
وليس مسموحا في روسيا لمعارضي النظام الترشح لمنصب الرئيس، فضلا عن تقييد حقهم في التظاهر وتعرضهم للتعسف القانوني في المحاكم، ولا يتمتع المواطنون عمليا بحق حمايتهم من التصنت على مكالماتهم الهاتفية أو اعتراض اتصالاتهم الإلكترونية.
ينبغي لكل مجتمع أن يعمل على إيجاد التوازن اللازم بين الحقوق المدنية والأمن القومي، وبينما انزلقت روسيا التي يحكمها بوتين إلى طرف واحد من أطراف الطيف اختارت الولايات المتحدة وأوروبا -على الرغم من احتجاجات المدافعين عن الحقوق المدنية- أن تحتل الطرف الآخر. حقا، إن روسيا نموذج لأقصى الحدود لما يمكن لقوة الدولة القيام به للسيطرة على النشاط الإرهابي.
ومن النادر وجود جماعة إرهابية غير مخترقة من جانب مخبر يقدم تقارير عنها إلى موسكو، بل إن هناك دليلا على اختراق المخابرات الروسية المجموعة التي نفذت مذبحة بيسلان، فضلا عن أن أي مجموعة إرهابية تعلم أن عملياتها ستواجه بأقصى درجة من درجات استخدام القوة، ففي بيسلان -على سبيل المثال- استخدمت القوات الخاصة الروسية أسلحة الباريوم الحرارية.
وكما تشير ردود الفعل على هجمات باريس كان للقتل الذي يبدو عشوائيا لـ130 مدنيا صدى هائل في الغرب، خاصة مع صعوبة فهم الدوافع الدينية والأيديولوجية لذلك، بيد أن الكرملين لا يعبأ كثيرا بقيمة حياة الإنسان مثلما تفعل المجتمعات الغربية.
ووفقا لتفكير بوتين، تعد الخسائر في الأرواح أثناء هجمات المتطرفين أمرا غير مرغوب فيه، ولكنه في نهاية المطاف مقبول طالما لا يهدد النظام.
وقد يكون الشعب الروسي مروعا ومذعورا إلا أن النظام الروسي مهموم في المقام الأول ببقائه هو وبالكيفية التي يمكن بها استغلال رعب الناس لصالحه، والعمل مع الغرب لمحاربة تنظيم الدولة لا يخدم أيا من هذين الغرضين.
المصدر : الجزيرة.نت