المرأة بين ظلم الجاهلية والعدالة الإسلامية
الأحد4 رمضان 1436//21 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد
المرأة بين ظلم الجاهليَّة والعدالة الإسلاميَّة
ملخَّص الخطبة
1- الحديث عن الإصلاح.
2- تحقيق الإسلام للسَّعادة.
3- كثرة الكلام عن حقوق المرأة.
4- ضرورة تبصير المرأة بحقوقها وواجباتها.
5- صور من الممارسات الظالمة في حقِّ المرأة في المجتمعات الإسلاميَّة.
6- عمل المرأة في ميزان الإسلام.
7- خطورة طغيان النَّظرة الماديَّة.
8- وضع المرأة المُزري في الوقت الحاضر.
9- ترشيد الطَّرْح الإعلامي.
10- ما وراء المطالَبة بحقوق المرأة.
11- الإشادة بجهود العلماء والمفكِّرين في هذا الشَّأن.
————————-
الخطبة الأولى
أمَّا بعد:
فأوصيكم – أيُّها الناس – ونفسي بتقوَى الله عزَّ وجلَّ؛ فاتَّقوا الله ربَّكم، فأهل النجاة والخلاص هم أهل التَّقوى والوفاء والإخلاص، الذين يوفون مع الله المواثيقَ، ويخلِصون له في يقينٍ وتَصديق، فيَا ويحَ الغافلين، خَفَّ زادُهم، وقلَّ مَزادهم؛ فطال عليهم السَّبيل، وحار فيهم الدَّليل، قِصَر أجلٍ مع طول أملٍ وتقصيرٍ في عمَل؛ فلا حول ولا قوَّة إلا بالله.
الأجدادُ أبلتهم الأجدَاث، والآباءُ أفنتهم الآباد، والأبناءُ عمَّا قليلٍ نبأٌ من الأنباء، ففِيمَ الحرص على ظلٍّ زائل، ومقيلٍ أنت عنه حائل؟! فاتقوا الله – رحمكم الله -: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
أيُّها المسلمون:
حديثُ النَّاس في هذه الأيام عن الإصلاح والانفتاح، والبناء والتَّسامح، والتعاون ونَبذ الخلافات، ومحاربة الظُّلم والعدوان والفساد والإقصاء، وانتهاج منهَج الوَسَطيَّة والاعتدال. وحديثُ الإصلاح هذا حديثٌ ذو شجون، لا يحصُرُه مثلُ هذا المقام، ولا تحيط به مثلُ هذه الكلمات، وإن كان لزامًا على أهل العلم والمصلحين وأصحاب الرأي الحديثُ عنه، وبيانُ أُسُسه ورسمُ مَعَالمه، وانتهاجُ دروبه ومسالكه. ومِن المأساة أن بعضَ المتحدِّثين عن الإصلاح والانفتاح من أصحاب الرَّأي والفكر والثقافة من المسلمين يسوء فهمُهم، أو يسوء تفسيرُهم، أو تسوء عبارَتُهم، بقصدٍ أو بغير قَصْد.
معاشِر المسلمين:
إنَّ لدى كلِّ مسلمٍ – ولله الحمد – يقينًا صادقًا وعقيدةً راسخةً بأنَّ الإسلام قد كفَل بأتباعه أفرادًا ومجتمعات وأمَّة – كفَل لهم السَّعادةَ والكرامةَ في الدُّنيا، وحُسنَ الثَّواب في العُقْبَى، متى ما تمسَّكوا بدينهم والتزَموا هدي نبيِّهم محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – كما أنَّ لدى المسلمين قاعدةً راسخةً وأصلاً ثابتًا، وهي أنَّ الحفاظ على الدِّين والاستمساك بالهُوِيَّة الإسلاميَّة لن يتحقَّق إلا بانتماء المسلمين الصَّادق لدِينهم، المبنيِّ على صحَّة المعتقد وحُسن الاتِّباع وصدق الالتزام بأحكام الشَّرع، قولاً وعملاً واعتقادًا.
معاشرَ الأحبَّة:
أمام هذه الثوابت، وأمام سَعَة الموضوع وتشعُّبه – قد يكون من الملائم اختيارُ نموذجٍ ذي دلالاتٍ وأبعاد، يوضِّح المقصودَ ويبيِّن المرادَ، فيه إشاراتٌ لمعالم الوَسَطِيَّة.
إنَّه نموذج الوَسَطِيَّة في شأن المرأة وحقوقِها ومشكلاتها؛ وسطيَّةٌ بين تحكيم نصوص الشَّرع المطهَّر وأحكامه، والخلاص من مذموم العادات وسيِّئ التقاليد، تحكيمٌ لحكم الشَّرع في القديم وفي الجديد، وسطيَّةٌ وإصلاحٌ تميِّز الأصالةَ والثوابت ممَّا ليس منها، وتنفِي عن المعاصِر والجديد ما ليس من لوازمه.
أيُّها المسلمون:
حقوقُ المرأة كلِمةٌ ما أكثَرَ ما تحدَّث عنها المتحدِّثون والمتحدِّثات، وتَزَيَّنَت وتزيَّدت بها بعضُ المقالات والصفحات والدَّعَوات والادِّعاءات، وما أكثر ما أفاضَت بها المحاضراتُ والمحاورات.
وأمَّا مضمون هذه الحقوق فحدِّث عن هُلاميَّتها وفضفاضيَّتها ولا حرج؛ بل إنَّ كثيرًا من الطُّرُوحات والمعالجات تراها ضائعةً مبعثَرَةً بين دعاوَى المدَّعين، وأهواء أصحاب الأهواء، وميول أصحاب الانتماء، وتصنيف ذوي التَّصنيفات، وقد لا تخلُو بعض الطُّروحات من تمييعٍ ونفاقٍ والتفافٍ وغموض.
حقوقُ المرأة وحقوق الإنسان يصاحِبُها لدى بعض الكاتبين والكاتبات: إمَّا عدَم وضوح في المراد، وإمَّا عدم وضوحٍ في الغاية، وبسبَب هذا صار النَّاصحون وغيرُ النَّاصحين يدورُون في حَلْقاتٍ مُفْرَغَة، وضاعت الحقيقة والحقوق، وضُيِّعت الأوقاتُ، وتبَعثَرت الجهود، وثارَتِ النزاعات والمناقشاتُ السُّفُسْطائيَّة.
أيُّها المسلمون:
ما من شكٍّ أنَّ للمرأة حقوقًا كما أنَّ للرجل حقوقًا، وعليها واجبات كما على الرجل واجبات، كما أنَّ من اللازم المتعيِّن: تبصيرَ المرأة بحقوقها، ومساعدَتَها في تحصيلِها وحِفظها وحمايتها؛ بل إنَّ مِنَ تفقُّهها في دينها أن تعلَمَ أنَّه ليس من الحياء ولا من حُسن الأخلاق ألاَّ تطالبَ بحقوقها أمام أبيها وأخيها وزوجها؛ فقَوامةُ الرجل حقٌّ ومسؤولية، ولكنَّها ليست تسلُّطًا ولا ظلمًا ولا تعسُّفًا.
في ديارِ المسلمين ممارساتٌ ظالمة جائِرة، يجب النظرُ فيها وإعطاؤُها ما تستحقُّ من الأهميَّة والأولويَّة، وجعلُها في صدرِ الاهتمامات والمعالجات. إنَّ المرأة تعاني صوَرًا من الظُّلم والقَهْر والإقصاء والتَّهْميش وغَمْطِ الحقوق، في معاشها، وتربيتها، وبيت زوجيَّتها، والنفقة، وحقِّ الحضانة، والعدل في المعاملة، فضلاً عمَّا يُطلَب لها من حقِّ الإحسان، والتَّكريم والتَّبجيلِ.
إنَّ هناك تسلُّطًا على ممتلكاتها، وسلبًا لحقِّها في اتِّخاذ القرار والمشاركة فيه، في كثيرٍ من شؤونها وخاصَّتها؛ من حقِّها العدلُ في القِسمة، والعدلُ في توزيع الميراث والثروة والمِنَح والهِبات والعطايا، حسَب ما تقضي به أحكام الشَّرع المطهَّر، ناهيكم فيما يقع من بعض أحوال الضَّرب والقَهْر والعَضْل والشِّغار والحِرمان من الحضانَة والنفقة، وما يقع خلف جُدران البيوت وأسوار المنازل من التعسُّف والتَّنكيل والحسرة والألم والممارساتِ الظالمة.
يجب مساعدتُها وتشجيعُها وتبصيرُها ودَعمُها في أن ترفع الظُّلمَ الواقع عليها، فترفع مظلمتَها لمن يُنصفها من أقاربها وعُقَلاء معارفها وحكمائهم، ومن القضاة والمسؤولين وولاة الأمور.
إنَّ الإقصاءَ والتهميشَ وإنكارَ دَوْر المرأة في بيتها ومجتمعها، ناهيكم عن احتقارها وتنقُّصها وظلمها وهضم حقوقها – كلُّها مسائل وقضايَا لا يجوز السكوتُ عليها، فضلاً عن إقرارها والرِّضا بها.
معاشر الأحبَّة:
هذه جوانبُ من المشكلة أو القضيَّة، وثَمَّةَ جوانب أخرى لابدَّ من النَّظر فيها.
إنَّ الذي يُقال بكلِّ جلاء ووضوح: إنَّ الإسلام لم يوجِب ولم يفرِض ولم يحمِّل المرأةَ مسؤوليةَ العمل خارج المنزل، لكنَّه لا يمنعُها مِن ممارسته بضوابطه الشَّرعيَّة. الإسلامُ حرَّرها من مسؤوليَّة العمل وحتميَّتِه خارج المنزل؛ لكيْلا تقع تحت ضرورات العمل الذي يستعبدها ويستغلَّها ويظلمها.
أيُّها المسلمون:
وهذا يحتاجُ إلى مزيدِ بَسْطٍ.
تأملوا – وفَّقكم الله – ما يجري في هذا العالم المعاصِر: إنَّ العنصرَ الطَّاغي والعامِل المؤثِّر هو العامل الاقتصاديِّ، أمَّا في الإسلام؛ فالاقتصاد – أو عامل الاقتصاد – عاملٌ من العوامل، وعنصرٌ من العناصر، له تأثيرُه الذي لا يُنْكَر، ولكنه بجانب عواملَ أخرى ومعاييرَ أخرى.
العاملُ الاقتصاديُّ في ميزان هذا العصر هو العامل المقدَّم، وهو الأبرزُ عندَهم، وهو المعيارُ لإقامة حياة اجتماعيةٍ أفضل عندهم؛ ممَّا دعا إلى إضعافِ وتهميشِ كثيرٍ من الحقوق والمعايير والعوامل، والمرأةُ في هذا العصر – وفي هذا الميزان المائل المجحِف الطاغي – مكلَّفةٌ بإعالة نفسها، سواء أكانت بنتًا في بيت أبيها أم زوجةً في بيت زوجها. إنَّ هذه المنزلة لهذا المعيار بثَّت في روع امرأة هذا الزمن أن على الجميع نساءً ورجالاً أن يركضُوا لاهثين ابتغاءَ جمع أكبر قدرٍ من المال؛ لتحقيق أكبر قدرٍ من المُتَع والكمالات!! إنَّ على كلِّ ذكرٍ وأنثى في هذا الزِّحام أن يهتمَّ مستعجِلاً بشأن نفسه، وأن ينافس الآخَرين لجمع المزيد من المال وتحصيل أكبر قدرٍ من الفُرَص.
فتحت هذا المسار المُهتاج، والرَّكض اللاهِث – تضطر البنت وتُدفَع المرأة لتخرج في كلِّ صباح؛ لتبحثَ كأيِّ فردٍ من أفراد الأسرة والمجتمع في سبيل عيشها وتحقيق مُتَعِها؛ بل لقد ألقَوا في روع المرأة أنَّ من العيب أن يحنُوَ عليها والدها أو يعطف عليها ليغنيَها عن الخروج والكدِّ والكَدح، من العيب عندهم أن يكون الزوج مسؤولاً عن الإنفاق والرِّعاية!!.
وتحت سلطان هذه الفلسفة الضَّاغطة؛ تُضطرُّ الزَّوجة – أو تحتاج – إلى أن تقطعَ خيوطَ آمالها في مسؤولية الزَّوج عنها ورعايةِ أبيها لها.
وقد يقال: إنَّ هذا عند غير المسلمين، والواقع أنَّ الناظرَ والمتأمِّلَ في الكتابات والتوجُّهات يرى أن كثيرًا من كتابات بعض المثقَّفين ودعواتهم ونقاشاتهم تستحسِن هذا المسلَك، وتريدُ أن تجعله هو الأنموذج والغايةَ المنشودة والأملَ المبتغَى، مع الأسف وبكلِّ صراحة؛ فإنَّ همَّ الاقتصاد ومتطلَّبات العمل هي مصدر كلِّ الواجبات والمسؤوليات في أفراد المجتمع كلِّه، رجاله ونسائه، أيًّا كانوا وكيفما كانوا!!.
إنَّ غلبة عامل المال وطغيانَه يقضي – شاء العقلاء أو لم يشاؤوا – يقضي على الأسرة، ويدمِّر مقوِّماتها، ويهُزُّ المجتمع المستقرَّ؛ لأنَّ السويَّ لا يكون سويًّا إلا بلُحْمَة الأسرة، ولا وجودَ للأسرة في الحقيقة إلا بالتَّضامن والوِئام، الذي يَشِيع في أفرادها من خلال وضوح المسؤولية لكلٍّ من الزوج والزوجة والأب والأم ورعاية الوالدَيْن لأولادهما.
بهذه الفلسفة وبهذا التوجُّه تمَّ إقصاء المرأة عن رعاية أولادها؛ بل إنَّه عرَّض أنوثتَها للدَّمار وكرامتَها للامتهان وحياءها للذوبان.
يا قومنا:
انظروا إلى الأمر بجِدِّيَّة ومصداقيَّة وتجرُّد؛ المرأة في الوقت الحاضر أُخرِجت إلى العمل ودفِعَت إليه دفعًا، إنهم أخرجوها حينما جعلوا ذلك هو السَّبيل الوحيدَ للحصول على لقمة العَيْش وتحصيل الرزق، فهي تبحَثُ عن العمل؛ بل تقبَل أيَّ عمل، وتستغلُّ أيَّ فرصة وإن لم تتَّفق مع طبيعتها، ما دام أنها تتعلَّق بضرورةِ مَعاشِها، ولا مناصَ لها أن ترضَى بأيِّ عَمل، فالخياراتُ محدودةٌ، وحكم المجتمَع صارم؛ بل إنّه ما مِن عملٍ قاس مجهِد يمارسه الرِّجال – بل الطبقة الكادِحةُ من الرِّجال – إلاَّ وتجد نساءً كثيراتٍ يمارسنَه ويزاحمن فيه.
أيُّها الإخوة في الله:
إنَّ النظرَ بعَيْن البصيرة والحِكمة والمصداقيَّة والنصح في بعض المجتمعات التي اقتحمتِ الباب على مصراعيه، واستسلمت لهذه الفلسفة – يراها في سباقٍ محمومٍ ونظرةٍ ماديَّةٍ صِرْفَة، ويرى نساءً يمارِسنَ أعمالا أذابَت أنوثتَهنَّ، وأحالَتهنَّ إلى كُتَل متحرِّكة من قسوةِ العمل وقسوة المجتمع، في أعمالٍ قاسية وأوقاتٍ أشدّ قسوة، في اللَّيل والنهار؛ بل في الهزيع المتأخِّر من اللَّيل، في الأنفاق والمناجِم والمؤسَّسات والمشافِي، وعلى نواصي الطرقات وأرصِفَة الشوارع، في أعمالٍ يشمئزُّ منها العقلاء والأسوياءُ والرُّحَماء والمخلِصون والنَّاصحون، ناهيكم بالفُضَلاء المؤمنين.
أيُّها المسلمون:
هذه بعضُ مَآلات هذه الصُّورَةِ، وإذا كان ذلك كذلك أو بعضَ ذلك؛ فكم هو جميلٌ أن يُرشَّدَ الطَّرحُ الإعلاميُّ حول هذه الحقوق والمشكلات، يجب الفَصْلُ بين القناعات الشخصيَّة لبعض الكتَّاب والكاتبات، وبعض القناعات الفكريَّة وبين ما هو حقٌّ وشرعٌ.
إنّنا نتحدَّث عن فكرٍ مسلم وإعلامٍ مسلم وثقافةٍ مسلمة متديِّنة، تسعى لتنظيف مجتمعات المسلمين من إسقاطاتِ مجتمَعاتٍ ماديَّة، وهذا لا يكونُ ولن يكونَ إلاَّ بالاعتزاز الحقِّ بكمال دينها عقيدةً وأحكامًا، عِلمًا وعملاً ومنهجًا.
من الحقِّ والعدل والإنصاف: المطالبةُ بتوفير الفَهْم الواعي والناضج، دينٌ وفِقهٌ ووعيٌ لا يخشَى الوافد، ولا يخاف الجديد، ولكنَّه قادرٌ على توفير المناعة ضدَّ الابتذالات، كما هو قادرٌ على الاستفادة منَ الإيجابيَّات والخيرات.
إعلامٌ مستنيرٌ راشِدٌ، يعزِّز دورَ المرأة الإيجابيّ، ويؤكِّد حقَّها ودورَها في البناء والتنمية الشاملة في المجتمع كلِّه، وحقَّها في التَّعليم والعمل والوظيفة الملائمة.
إعلامٌ مستنيرٌ راشِدٌ، يرفُض ويستنكِر ويقاوم جميع أشكال استغلال المرأة في أيِّ ميدانٍ لا يقيم للقِيَم والفضائل وزنًا؛ ممَّا يُفضي إلى تحقير شخصية المرأة وامتهان كرامتها والمتاجرة بجسَدِها وعِرْضها، وكأنها بِضاعةٌ من سائرِ البضائع التي تسَوِّقها وسائل الإعلام.
حذارِ ثم حذارِ أن تُقذَفَ المرأة في بحار الضَّيَاع والهوان والحِرمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 35-36].
نَفَعني الله وإيَّاكم بالقرآن العظيم وبهَدْي محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأقول قولي هَذا، وأستَغفر الله لي ولَكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذَنب وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكَفى، لم يزل بِنعوت الكمال والجلال متَّصِفا، أحمده سبحانَه وأشكره أهل الحمد والشُّكر والوَفَا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له مُقِرًّا بها إيمانًا وتصديقًا ومعتَرِفا، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله أزكى الأمَّة فضلاً وأعلاها شرفا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلهِ وأصحابه الأطهار الحُنَفا، والتَّابعين ومَنْ تَبِعهم بإحسانٍ وسارَ على نهجهم واقتفى.
أمَّا بعد:
فإن مطالبة صاحب الحقِّ بحقِّه – رجلاً كان أو امرَأة – أمرٌ مشروعٌ ومطلبٌ صحيحٌ، وإجابَتُه حقٌّ، وإعانتُه حقٌّ كذَلك، ولكن يجب أن يكون بمعاييرَ صحيحةٍ وضوابطَ دقيقةٍ، تعطِي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وتوصل الحقَّ إلى مستحقِّه في عدل ووسطيَّةٍ، فيتحقَّق التوازُنُ في المجتمع والأسرة.
إنَّ مما يثير الرِّيبَةَ والتخوُّف: ما يظهر من دعواتٍ في بعض وسائل إعلام المسلمين وكتاباتِ بعضِ كُتَّابهم وكاتباتهم، من دعواتٍ إلى الزجِّ بالمرأة المسلمة في كلِّ ميدانٍ من غير احتياطٍ ولا تحفُّظ؛ بل بما يُوحي أنَّه انجِرافٌ وتجاوبٌ مع ما يطالِب به منحَرِفون، ممَّن لا يقيم للشَّرع وزنًا ولا للحِشمة والعفَّة مقامًا ولا مكانًا.
ينبغي لأهل الإسلام دُوَلاً وأُمَمًا وأُسَرًا أن تتَّخِذ من التَّدابير الضابِطة ما يرفَع الرِّيبَةَ ويبعث على الطمأنينة، ويتيح فُرَصَ العمل الآمِن، ويحفظ التَّوازنَ الأسريَّ داخل البيت وخارجه وداخل المجتمع المسلِم كلِّه.
وبعدُ أيُّها المسلمون:
فمع ما يظهر من بعض صُورٍ قاتمة وألوانٍ ذات غبَش؛ فإنَّ الجهدَ الذي يبذُلُه علماء الشَّرع وأهل العلم والفقه والفتوى وأصحابُ الفكر السَّوِيِّ – جهودٌ مباركة، تمكَّنت من توجيه المجتمع، وبيان المنهَج الوَسَط المعتدِل، وهم – بإذن الله – خَلَفٌ عدولٌ، يحملون مشاعِلَ الهدى، ينفون تحريفَ الغَالِين وانتحالَ المُبطِلِين وتأويلَ الجاهلين، نجَحوا في كَبْح كثيرٍ من التوجُّهات غير الوَسطيَّة غُلوًّا وجفاءً.
فليسيروا – على بركة الله – في منهجهم العَدْل الخِيار، ويبذلوا مزيدًا من الجدِّ والجهد في ردِّ الرأي العامِّ إلى مصادر الشَّرع وأصوله من الكتاب والسنَّة، والاستنباط الرَّشيد السَّديد، ولينفوا عن المسير الترخُّصَ المذموم والتحلُّلَ الممقوت، وغلوَّ الغالين وتضييقَ المضيقين، يميلون مع الحقِّ، ويتحرَّون الوَسَط، ويُراعون مصالِح العباد رجالاً ونساءً، ومجتمعًا وأفرادًا؛ وقايةً من الفساد، وتأمِينَ مصادِر العيش الكريم.
وإنَّ ضبطَ ذلك كله يكون بالنَّظر في المستجدَّات وعرضها على ثوابتِ الشَّرع، وضبط العادات والتَّقاليدِ والأعراف ورَبطها برِباط الشَّرع، وتحديد مكانها وحِكَمها؛ فالجديدُ ليس مرفوضًا بإطلاقٍ، والتَّقاليد محكومَةٌ وليسَت حاكِمَة.
ألا فاتَّقوا الله – رحمكم الله – ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم محمَّدٍ المصطفى، ورسولكم الخليل المجتبَى؛ فقد أمَرَكم بذلك ربُّكم جلَّ وعلا؛ فقال عزَّ قائلاً عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمَّد الأمين، وآله الطيِّبين الطَّاهرين، وأزواجه أمَّهات المؤمنين، وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء الأربعة الرَّاشدين؛ أبي بكر وعمَرَ وعثمان وعليٍّ، وعن الصَّحابة أجمعين، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم بعفوكَ وجُودِكَ وإحسانِكَ يا أكرمَ الأكرمين.
اللَّهمَّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّركَ والمشركين، واحمِ حَوْزةَ الدِّين، وانصر عبادَكَ المؤمنين …
-الالوكة-