لنكن قلبًا واحدًا!
الجمعة 28 شوال 1436//14 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سلمان بن يحيى المالكي
الحبُّ تضحية وعطاء، الحب ليس مجردَ غزلٍ وادعاء، الحب بين الزوجين رابطُه رابطٌ شرعي سماوي رباني، نَعَمْ حب الزوج لزوجته قُربةٌ وطاعة، وهو حب نافع تَحصل به المقاصدُ النافعة التي مِن أجلها شرع الله النكاحَ؛ لغض البصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله، فإن لم يكن الحبُّ أيها الزوجان فتحبَّبا لبعضكما، فإنَّ التَّحبّب داعيةُ الحبّ كما يُقال، وإليكما أيها الزوجان بعضًا من تلك الأسباب التي تورث المشكلات في الحياة الزوجية.
أولها: فإني قلَّبتُ نظري، وأمعنتُ ببَصَري في أحوال كثيرٍ من مُجتمعاتِنا العامَّة على حسب المستويات، فإذا بنِسَب الطلاق تفوق المِئِين والمئات؛ بل الآلاف، نعم! نسبة الطلاق في مجتمعاتنا كثيرة بشكل كبير وملفت للنظر؛ مِمَّا يستَوْجِب العناية الخاصة، والاهتمام الكبير بمعرفة أسباب الطلاق، ودوافع ذلك، والسعي الحثيث إلى علاج تلك الأسباب واستئصالها.
ثانيًا: قد يُحاول كثيرٌ من الأزواج – رجالاً كانوا أو نساءً – الهربَ من جحيم المشاكل الزَّوجيَّة، ودوَّامة الخلافات المستمرَّة بين الزوجيْن، والاضطِراب وتوتُّر الحالة النفسيَّة المترتّب على تِلك الخلافات والمشاكل، بسبب غياب ذلك الحبّ وفُتوره؛ مِمَّا يؤدِّي إلى الفتور والملل في الحياة الزَّوجيَّة، إلى أن يَكونَ أحدُ الأزواج فريسةً للمخدّرات والمُسكرات عياذًا بالله، وكم سمعنا واللهِ من زوجةٍ تشكو من زوجها؛ لوقوعه في براثن السُّكر والعهر وأحضان المخدرات، فهذا واقع كثير من بيوت المسلمين هاربين من عذاب المشاكل والمعاناة، متناسين واقعَهم الأليم، فيصبحون بعد ذلك فريسة الإدمان والحرمان، ثم لا تَسَلْ بعد ذلك عن ضياع الأولاد، وانتِشار الجرائم الأخلاقيَّة؛ كالزّنا واللواط والسلب والنهب والسَّرقات، باحثين بِزَعْمِهِم عن السَّعادة الموهومة، والمتعة المزعومة، وهم في الواقع كالمستجير من الرمضاء بالنار!
ثالثًا: من المعلوم؛ بل المعقول أنَّ الخلافات الزَّوجيَّة والمشاكل العائليَّة تؤثّر تأثيرًا سلبيًّا على نفسية الزوجين معًا، وبالتالي يقل إنتاجُهما في هذه الحياة، ويضعف تضاؤُل قدرتِهما على البَذْلِ والعطاء، لما فيه مصلحة دينهما ونفسيهما ومُجتمعها وأمتهما؛ بل ينعكس ذلك على الحياة الزوجية كلها، بل وعلى البيت والأولاد، أضف إلى ذلك أن تلك المشاكلَ والخلافات لها تأثيرٌ كبير وسلبي على الأبناء من بنين وبنات، فكم سبَّبت لهم عقدًا نفسيَّة، ورسَّخت في أذهانهم أفكارًا مغلوطة، ومفاهيمَ معكوسةً تجاه والديهم وأقاربهم ومجتمعهم، مما أثَّر حقيقة على مستقبلهم، وطريقة تفكيرهم في حياتهم، وأسلوب تعاملهم مع الآخرين، فكم من ولدٍ – ذكرًا كان أو أنثى – حُرِم المودة والحنان والشفقة والإحسان، في طفولته وفي رعيان شبابه، فأصبحنا بين عشيَّة وضحاها نرى جيلاً من شبابنا وفتياتنا يخرجون للمجتمعات ويتطلعون للعالم وهم لا يعرفون حقوقَهم الزوجية تجاه بعضهم البعض، ولا حتى التعامل السوي في حياتهم العائلية؛ مما أدى إلى الوقوع في مثل هذه المشاكل والخلافات.
رابعًا: ونحن في عالم أصبح البعيدُ فيه قريبًا، والغريب حبيبًا، في زمن وعالم يسَّر الله لأبناء هذا العصر ما يسَّره من اكتشافاتٍ واختراعات في وسائلِ الاتصالات والتقنية من أنواعِ الهواتف وشبكات المعلومات، وقنواتِ البث وغيرها من وسائل الاتّصال والإعلام، من مَسموعها ومقروئِها ومُشاهَدِها، مما أدَّى إلى انتشار الغزو الإعلامي العجيب السريع والامتداد الهائل للفضائيات، حتَّى أصبحنا نعيش في عالم ضجَّت فضائياته بالحب والغرام، والعشق والهيام، التي امتلأتْ بِها الروايات العاطفية والمسلسلات والمسرحيات والأفلام، فأخذتْ تغزونا من كل جهة؛ فتفتَّحت الأبصار، وتفتَّقت الآذان، واليوم نشكو إلى الله من أناس أفسدوا الحبَّ بالتعري والمسلسلات والأفلام والغناء والمجون؛ مِمَّا أدَّى بكثيرٍ من الأزواج والزَّوجات إلى مُقارنة واقعِهِما المرير بتلك الصور العاطفية الرقيقة المرهفة، وهنا يتردَّد في نفسيَّة كلّ زوج تجاه زوجته، وكل زوجة تجاه زوجها بأنْ يسأل أحدهما الآخر: لماذا زوجي لا يعاملني كتلك المعاملة الرقيقة؟ ولماذا لا تعاملني زوجَتِي كتلك المعاملة المهذَّبة؟ والتي شُوهدت عَبْرَ وسائل الإعلام؛ إما في قصة حب وغرام، أو في مسلسل كذب وافتراء؛ مما سبَّب بعد ذلك من إلقاء الاتهامات المتبادلة بين الزوجين، فكلٌّ يحمِّل الآخرَ مسؤولية الوضع المُزْرِي والمتردِّي، الذي وصلت إليه حياتهما الأسرية، فالزوجة ترى نفسها مظلومةً مهضومة الحقوق، والزوج يرى تلك الرؤية، والله المستعان.
خامسًا: الجفاف العاطفي بين كثير من الأزواج، وعدم التعبير عن مشاعر الحب والمودَّة تجاه كل منهما، هذا إنْ وُجد هذا الحب وهذه المشاعر، إلا أنها تبقى مكتومةً، يَثقُل على اللسان إخراجُها وبثُّها، ويندُر التكلُّم بها والتعبير عنها، فالقليل منا مَن يسمع شيئًا من العواطف والمحبَّة بين أبَوَيْه؛ بل ورُبَّما انتقل هذا فينا نَحن الأزواج وفي أولادنا، أضِفْ إلى ذلك بعضَ العادات والتقاليد وطبيعةَ المعيشة والبيئة التي لها الأثَرُ الكبير، وبالأخصّ جنس الرجال، حيثُ القُوَّة والرّجولة وشدَّة الطّباع، وربَّما الجلافة والفظاظة عند البعض، فقد نَسِيَ واللهِ هؤلاء الأزواجُ أنَّ الله جعل هذا الحبَّ في النفوس لأهداف سامية، وغايات عظيمة، وجعل لهذا الحب آدابًا شرعية؛ ليعيشَ الزَّوج والزَّوجة بعد ذلك في جنة الدنيا والسعادة الحقيقة، والحب الصادق المبنيّ على العفَّة والاحتشام، بعيدًا عن الفحش وبذاءة اللسان.
الألوكة