ما الدين وما العلم؟
الأحد 25 ربيع الأول1438 الموافق25 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أ. د. عبدالحليم عويس
ما الدين وما العلم؟
تَنطلق تعريفات الدين والعلم من التصوُّر السابق لرسالة كلٍّ منهما في الحياة، وطبيعة هذه الرسالة وحجمها، وبالتالي فلنا أن نتوقَّع تعريفات لهما بمقدار هذه التصوُّرات.
ويرى “شلير ماخر” أن الدين مجرَّد شعور بالاعتماد على المُطلَق، ويرى “هافلوك أليس” أنه أيضًا مجرَّد إحساس مباشر بالاتحاد مع العالم؛ أي: ذوبان الفردية في الكونية، بينما يرى “موراي”: أنه طريقنا للاتصال بقوى العالم العظمى، أما “شبنجلر”، فيصفه بأنه “الميتافيزيقا التي نعيشها ونُجرِّبها؛ أي: ما لا يُمكن أن نفكِّر فيه كيقين، والأعلى من الطبيعة كواقع، والحياة كوجود، في عالم ليس واقعًا؛ ولكنه صادق”[1].
وهو تعريف أكثر امتدادًا – كما نرى – ولكنه لا يصل إلى التعريف الإسلاميِّ الذي يرى في الدين: انقيادًا لله وَفق قوانينه الكونية، بالأسلوب الذي يشرعه هو، سواء على مستوى العبادات الفردية، أو المعاملات الجماعية.
أما العلم، فهو في رأي بعضهم مجرَّد العِلم الوضعي على التجربة، وهذا تعريف مطاط يتغيَّر بتغيُّر الاهتمامات؛ ففي القرن التاسع عشر كان الاهتمام مُركَّزًا على العلوم الجيولوجية، أما في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فكان الاهتمام مُركَّزًا على علم الفلك[2]، وفي القرن العشرين أصبح العلم في مخيلة البعض وكأنه مجرَّد “التكنولوجيا” الحديثة وغزو الفضاء.
لكن هذه التعريفات لا تُمثِّل وجهه نظر أكثر العلماء الذين يُحدِّدون للعلم دائرة أكثر شمولاً، فيَروَن أن سلسلة من تصورات ذهنية “المعاني المُجرَّدة” ومشروعات تصورية “افتراضات” مترابطة متواصلة هي نتاج حدثَين: الملاحظة والتجريب؛ بحيث تَلِد الفِكرةُ فكرةً، وتؤدِّي التجربةُ إلى تجربة بصورة مُتطوِّرة ومُستمرَّة[3].
والحق أن العلم منهج للتفكير في منطقة قابلة للبحث “الطبيعة” بوسائط معيَّنة؛ بُغيَة استخلاص “القوانين الكونيَّة” وما يتبعها من جزيئات تفسِّر هذا الكون وتُسخِّره للإرادة الإنسانية، إنه ليس تفكيرًا لفئة خاصة، بل نوع مِن التفكير المنظَّم الواعي بأوليات الأشياء، والمتَّسم بالنزاهة والشمولية والدقَّة، والرغبة الجادَّة في الوصول إلى الحقيقة المجرَّدة عن طريق العقل الذي يُمثِّل ملَكة تركيب عُليا قادرة على تجاوُز الجزئي إلى الكلي، وطرح الأفكار المضادَّة، وصياغة القوانين العامة.
إننا نُشير هنا إلى أننا نتجاوز التعريفات الرافضة والمشكلة في وظيفة العِلم، ونرى أن هذه التعريفات مجرَّد نظرات شخصية مُتشائمة، ولسْنا هنا بصدد الوقوف عند مثل هذه النظرات الضيِّقة.
[1] انظر: ول ديورانت: مباهج الفلسفة، 1982، طبع القاهرة.
[2] انظر: برونوفسكي: العلم والبداهة(ص: 64).
[3] انظر بتصرف: جيمس كونانت: مواقف حاسمة في تاريخ العلم (ص: 4)، طبع دار المعارف.
الألوكة
Comments: 0