مسلمو فرنسا يدفنون أحقادهم مع جثث موتاهم

الخميس 16 شوال 1437/ 21 يوليو/ تموز 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

نيس

أكثر من ثلث ضحايا مجزرة نيس في فرنسا، كانوا من المسلمين، دهستهم شاحنة عمياء، يقودها جنون الحقد والتطرف، وهذا العدد من الضحايا، ليس مجرد رقم في حصيلة الجريمة، بل يطرح على الفرنسيين من المسلمين وغير المسلمين، أكثر من سؤال، لكن هذه الأسئلة لا تحمل إلاّ إجابة واحدة، هي مفهوم المواطنة كقيمة عليا للعيش المشترك.

المشاهد المؤثرة للمسلمين الفرنسيين من أهالي ضحايا مجزرة مدينة نيس، وهم يودّعون ويؤبنون ضحايا ذلك العمل الإجرامي، كفيلة بالرد على أصوات اليمين المتطرف، هذه التي صدحت بالشعارات العنصرية، ووضعت جميع المسلمين في سلّة واحدة، متناسية أنّ نسبة عدد ضحايا المجزرة من المسلمين، تفوق الثلث، وهو رقم يؤكد على أنّ المسلمين هم أكثر ضحايا الإرهاب تضررا، ذلك فإنهم أصبحوا هدفا متعدّد الأبعاد والمستويات، وهو الأمر الذي عبّر عنه أحد الشبّان المغاربة بقوله لإحدى وكالات الأنباء “ مرة تكون مشكلتنا مع التمييز العنصري ومرة مع التمييز الديني”.

المسلمون هم أول من يكتوي بنار جرائم التطرف في بلدان المنشأ، ثم بلدان المهجر والإقامة، وهم أول من يفجع في أولادهم من الفئات الشبابية التي يتم استقطابها وتجنيدها عبر غسل الأدمغة واستغلال بؤس ظروفها، وكذلك فإنّ المسلمين هم أول من يشار إليهم بأصابع الاتهام مع كل جريمة إرهابية في الغرب الأوروبي والأميركي، وتطالهم نظرات الريبة في المطارات والشوارع وأماكن العمل، بالإضافة إلى أضرار أخرى لا تحصى ولا تعد، وتطال أوضاعهم المهنية والاجتماعية، وكل ما ينشأ عنها من تداعيات نفسية، وصفها أحد المهاجرين بـ”المدمّرة”.

اقرأ أيضا  بريطانيا: ما ارتكبه الأسد في الغوطة الشرقية جريمة ضد الإنسانية

الإعلام الفرنسي والأوروبي، وخصوصا النزيه منه، وقف على الكثير من الصور والمشاهد المؤثرة لعائلات مسلمة فقدت أقرباءها وأبناءها في مجزرة نيس، ووصفت الكثير من الصحف والتقارير الإخبارية مشاهد تأبين وتوديع الضحايا بأنها كانت غاية في الوجع الإنساني، مثل حالة التونسي طاهر الماجري أثناء الصلاة على راحتي ابنه وزوجته اللذين قتلا دهسا تحت عجلات الشاحنة العمياء، والمدججة بالحقد والتطرف، وكيف وقف نفس حامل الجنسية حزينا يودع النعشين في مسجد شرق مدينة نيس، وكيف ظل طاهر يبحث طيلة يومين عن ابنه قبل أن يجده في عداد القتلى مع زوجته.

وقال أئمة مساجد في نيس استنادا إلى معلومات جمعت من مصادر مختلفة، إن نحو ثلاثين مسلما،غالبيتهم من الفرنسيين التونسيين، قتلوا دهسا بعد أن انقض التونسي محمد لحويج بوهلال بشاحنته على الحشد الذي كان متجمعا للاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، أي بقيم الحرية والمساواة والإخاء.

ونقلت وكالات الأنباء كيف تجمع نحو خمسين رجلا وثلاثين امراة للصلاة أمام توابيت، كان أحدها للشاب بلال لباوي البالغ التاسعة والعشرين من العمر، والذي يعود أصله إلى مدينة القصرين في تونس، والذي كان يستعد للخطوبة والزواج.

وقال نائب رئيس المجلس الإقليمي للديانة الإسلامية بوبكر بكري خلال الصلاة “سواء كان الضحايا من المسلمين أو المسيحيين، او الملحدين، فالألم أصاب البشرية جمعاء”. وأضاف أمام حشد المصلين المتحلقين حول النعوش “هذه هي نتيجة الوحشية والتطرف والإجرام”.

إمام المسجد الفرنسي عثمان عيساوي دعا بقوله “ليلهم الله القوة والصبر للعائلات في بلادنا التي نحبها ونفديها بأرواحنا”، ولكن، هل تستمع قوى اليمين الفرنسي والأوروبي عموما، إلى هذا الكلام؟ وهل توليه اهتماما أو تحيطه بشيء من الجدية والتصديق، مثل اوغوست فيرولا، ممثل البلدية الذي قال مخاطبا الجمع “إن طائفتكم المسلمة دفعت الثمن الأكبر لهذا الاعتداء، ولنبق جميعا موحّدين”.

اقرأ أيضا  أردوغان: طلاب الثورة المصرية المفصولون سيكملون دراستهم بالجامعات التركية مجانًا

المسلمون من ذوي الأصول المغاربية هم غالبية ضحايا هذا الاعتداء الإجرامي، وتحدثت الصحافة الفرنسية عن نماذج من هؤلاء بلغة مؤثرة وإشارات ذات دلالات درامية معبرة، كالمغربية فاطمة شريحي البالغة الثانية والستين من العمر، وهي أم لثمانية أبناء، وكانت قد وصلت إلى مدينة نيس وهي في العشرين من العمر لتنضم إلى زوجها عامل البناء.

كل هذه التوصيفات التي أتت عليها التقارير الإخبارية، ، لم تمنع متظاهرين ومحتشدين من الذين غذّتهم قوى اليمين وشحنتهم الخطابات العنصرية، من التجمهر وإطلاق الهتافات المعادية للمغاربيين، والمسلمين عموما، وكان أغلبهم من المشاركين في الوقوف دقيقة صمت تكريما لأرواح ضحايا المجزرة، وهو أمر يمكن تقديره، أو تجاوزه من قبل المسلمين في حدود مشاعر الغضب والاستياء والتنديد، لكنّ المسألة العنصرية مرشحة للتضخّم الذي قد ينذر بانفجار اجتماعي تحركه قوى اليمين ضد المسلمين، والذين دفع الخوف بعضهم إلى إعادة السؤال حول الحجاب وممارسة بعض الشعائر الدينية.

الأئمة الفرنسيون من المسلمين، أكدوا أنه من غير الوارد الاستسلام للخوف أو العمل على إخفاء الانتماء إلى الديانة الإسلامية مثل الامتناع عن ارتداء الحجاب، وهذا أمر يتعارض مع مبادئ القوانين الفرنسية التي تضمن حرية العقيدة والانتماء، هذه المبادئ التي عمل الإرهاب على اغتيالها في عيد فرنسا الوطني، وهو أمر له دلالة واضحة، من شأنها أن تبرأ المسلمين من تهمة الإرهاب، وتشجع على ممارسة عقائدهم تحت سقف الاحترام والقانون.

 تنامي مشاعر الإسلاموفوبيا بعد جريمة نيس، أمر لا يمكن التعامي عليه أو إنكاره، ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لكنّ بإمكان المسلمين في فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية أن يتصدّوا لمثل هذه الأحقاد والنزعات بأمرين: التأكيد على نبذ العنف والتطرف من خلال التزام سلوك المواطنة بكل ما تعنيه من واجبات والتزامات من جهة، والتصدّي للخطاب اليميني والعنصري عبر التكثيف من العمل الجمعياتي، والانخراط في الشأن العام، والذي يثبت الحضور ويحقق الاندماج بدل التقوقع، من جهة أخرى.

اقرأ أيضا  لندن.. دعوات حقوقية للكشف عن انتهاكات بحق "مرسي" بالسجون

 هذا الأمر عبّر عنه فرنسي مسلم، وهو بوبكر بكري، يعمل كمدرّس وإمام مسجد في حي اريان بقوله “على المسلمين أن ينددوا بالتطرف، لقد تركنا الساحة خالية للمتطرفين، ولفترة طويلة، ولا بد لنا من إحداث تغيير، وعلى المسلمين الفرنسيين المشاركة في الانتخابات”.

 ضرورة تذكير قوى اليمين العنصري في فرنسا بعد الجريمة الإرهابية، بأنّ العشرات من المسلمين، كانوا يقودون سيارات الإسعاف، ويعملون على إنقاذ أرواح الضحايا في المستشفيات ليلة الحادثة، كما أنّ مشهد تجمّع نساء مغاربيات حول طبق أكلة شعبية مغاربية داخل المسجد الفرنسي بعد الصلاة على أرواح ضحايا المجزرة من المسلمين، وطلبهن ممن من غير المسلمين مشاركتهن الطعام، لهو من أبلغ رسائل التسامح، ومد جسور الوحدة والتعايش.

المصدر: السوسنة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.