مشاورات الكويت… والحرث في البحر
أحمد الصباحي
الثلاثاء 10 شعبان 1437/ 17 مايو/آيار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
أربعة أسابيع مرت على مشاورات الكويت المتعلقة بالأزمة اليمنية ولم يتم التوصل إلى أي حلول تنهي الصراع بين الحكومة الشرعية من جهة والانقلابيين الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح من جهة أخرى، والوصول إلى رؤية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
ما بُني على باطل فهو باطل؛ فالأمم المتحدة ومِن ورائها القوى العظمى تحاول بكل ثقلها أن تضغط على الحكومة اليمنية الشرعية ومِن خلفها دول التحالف العربي من أجل الإبقاء على الحوثيين كقوة سياسية وعسكرية في البلاد.
والشيء اللافت هو حرص المبعوث الأممي على مواصلة مشوار المباحثات دون أي سقف زمني، وهو الأمر الذي يسمح لقادة الانقلاب اللعب بالأوراق والاستفادة من الوقت لإعادة التموضع عسكرياً على الأرض، فضلاً عن التحرك دولياً لتضليل الرأي العام الدولي حول ما يجري في اليمن، والاستفادة من الخبرات الإيرانية في المشاورات.
حتى الآن لم يعمل المبعوث الأممي والضغوطات الكويتية على وفد الانقلابيين كي يقدم أي شيء يُذكَر في جلسات التفاوض: مرة يعتذرون، وأخرى يرفضون الدخول في المباحثات لأسباب واهية، وأحياناً يوافقون على بعض البنود ثم يتنكرون في اليوم الثاني، وفي أوقات كثيرة ينتظرون الموافقة من قادة الانقلاب في صنعاء وصعدة، وعلى هذا الأسلوب مرت أربعة أسابيع دون تقدم ملموس.
الأمر الوحيد الذي تم الموافقة عليه قبل أيام هو اتفاق الطرفين على إطلاق المعتقلين من الناشطين السياسيين والصحفيين وكذلك العسكريين بنسبة 50% كمرحلة أولى خلال 20 يوماً لكن حتى الآن مرت أكثر من نصف المدة دون أن يتم إطلاق أي من أولئك المعتقلين، فضلاً عن أن مسيرة الاعتقالات التعسفية مستمرة في كلِّ المناطق التي تسطير عليها قوى الانقلاب.
وصدق أحدهم حين قال: إن الحوثيين سيوافقون على إطلاق 50% من المعتقلين خلال عشرين يوماً، وفي الفترة نفسها سيعتقلون ضعف الأشخاص الذين يطلقون سراحهم.
إن ما يجري على الأرض لا يتوافق مع ما يجري في جلسات مشاورات الكويت، فطرف الحوثي يعزز وجوده العسكري ويعيد ترتيب قواته مستغلاً الهدنةَ العسكرية وتوقُّفَ الطيران، والتزام الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بالهدنة، فضلاً عن مواصلته حصار تعز وقصفَها يومياً بعشرات القذائف والصواريخ، ومحاولته في أكثر من مرة التقدم بعدد من الجبهات كجبهة نهم وميدي وباب المندب وكرش والضالع على حدود المحافظات الجنوبية.
بل إن الحوثي يحاول أن يُوجِد شرعية لانقلابه على السلطة وطلب بشكل صريح أن يكون جزءاً من العملية السياسية القادمة وأن يحصل على حصته الكاملة من السُلطة وبشكل أدق أن تكون الرئاسة من نصيبه، وبالتأكيد فإن أنهار الدماء التي قدمها الحوثيون لم تكن سوى وسيلة للوصول إلى السلطة وقد وصلوها بقوة السلاح ولن يتركوها بالمباحثات بل بقوة السلاح.
أمام وفد الحكومة الشرعية في مباحثات الكويت مسؤوليةٌ تاريخية في فضح الانقلاب الحوثي الصالحي، وكشفِ عواره، وتقديمِ رؤية واضحة للمجتمع الدولي إزاء ما يجري على الأرض من نهب للمخزون الاقتصادي للبنك المركزي اليمني لصالح المجهود الحربي، وعملية التصفية للعناصر الوطنية، وإحلال الميليشيات في الوظائف العامة الحكومية وعسكرة القضاء والتغيير والعبث بسجل الأحوال المدنية، وتغيير المناهج التعليمية وعسكرة طلاب المدارس.
أوضاع المواطنين في الداخل اليمني لا تسرُّ أحداً، الريال اليمني يواصل انهياراته وجماعة الحوثي وصالح لا يأبهون لهذه الفاجعة الاقتصادية التي تحدث! الفشل هو سيد الموقف في كل الاتجاهات، ومع ذلك يراهنون على البقاء على جثث اليمنيين.
كلَّ يوم تنتهي جلسات المشاورات دون تقدُّم يذكَر، لكنَّ المبعوثَ الأمميَ يخرج بتصريحٍ يومي يؤكد فيه أن هناك نتائج إيجابيةً سيتم البناء عليها في الأيام القادمة، وهكذا دواليك، والاعتقالات مستمرة، وحملات التجنيد على قدم وساق، وسياسة فرض الأمر الواقع على أشدها دون أن يستنكر هذا المبعوث المبجل.
تحدثت كثيراً مع أعضاء في الوفد الحكومي والوفد الإعلامي المرافق له في الكويت، عن جدوى هذه المباحثات وأكدوا جميعاً أنها لن تجدي نفعاً وأن الحوثيين لن يسلموا مثقال ذرة عبر المفاوضات، وأن فرضية الحسم العسكري هي الأكثر مطلباً في هذا الظرف، وعلى التحالف العربي أن لا يعطي للانقلابيين الفسحة لاستعادة الأنفاس.
يبدو واضحاً أن الفشل هو سيد الموقف في هذه المباحثات، ويبدو أن طائرات الـ f-16 والمدرعات العسكرية ستعاود عملها بعد هدنة هشة اخترقها الحوثيون وصالح مئات المرات في كل الجبهات بلا استثناء، وما لم تعمل دول التحالف على كسر جموح الحوثي وسلب سلاح الدولة من تحت أيديهم فإن هذا السلاح سيوجَّه يوماً مَّا ضد العمق الخليجي حتى ولو وُقِّعت مئات الاتفاقيات؛ فالشعب اليمني خبر هذه الجماعة ونَكْثها بالعهود والمواثيق، والعاقل من اتعظ بغيره.
المصدر : موقع مجلة “البيان”