مقارنات بين رسول الله وإخوانه الأنبياء

الأربعاء،25صفر1436الموافق17ديسمبر/كانون الأول2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
السيد سليمان الندوي
تأمَّلوا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم؛ تجدوا فيها كلَّ ما كانت به حياته المثالية كاملة:
أليس الرسول المكيِّ الذي خرج من بلده مهاجرا إلى يثرب يشبه الرسول الإسرائيلي الذي خرج من مصريريد مدين؟
أليس الذي انزوى في غار حراء يعبد ربَّه، كالذي قصدجبل سيناء ليناجي ربَّه؟
إن هذا يشبه ذلك مع فارق بينهما، وهو أن عيني محمدٍ صلى الله عليه وسلم كانتا مفتوحتين وعيني موسى عليه السلام كانتا مغمضتين، وإنَّ رسول الإسلام كان ينظر في داخله، ورسول بني إسرائيل كان ينظر إلى خارجه.
إنَّ عيسى عليه السلام في ذهابه إلى جبل الزيتون ليلقي عظته، يشابه محمدًا صلى الله عليه وسلم وقد ارتقى جبل الصفا لينادي معاشر قريش. والذي قاتل مشركي بلاد العرب في بدر، وحنين، ويوم الأحزاب، وتبوك، يشبه موسىالذي قاتل المؤابيين، والعموريين، والآموريين.
وإنَّ الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم دعا على سبعة رجال من أعيان مكة فهلكوا، وموسى دعا على فرعون ومن التف حوله حين رأوا بأعينهم آية بينة من الله مرة بعد أخرى، لكنهم لجُّوا في عتوٍّ ونفورٍ؛ ولم يؤمنوا به، فهلكوا مغرقين في البحر الأحمر، فتشابهت سنة الرسول محمد وسنة الرسول موسى عليهما الصلاة والسلام.
إنَّ محمدًا نبيَّ الله دعا بالخير لمن أراد قتله من المشركين يوم أحد، وإنَّ عيسى عليه السلام لم يدع على أحد وما زال يبغي الخير لأعدائه، أليس هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشابه من هذه الناحية هدي عيسى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وإنَّ محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تراه في فناء المسجد يقضي بين الناس بالحقِّ ويحكم بالعدل، أو في ساحات الحرب يقاتل الكفار والمشركين، فكأنك ترى موسى رسول الله وهو يجاهد أعداءه، ويقاتل الذين يعبدون الأوثان.
وحين ترى محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبد ربَّه، ويتضرَّع إليه في خلوة عن الناس، إمَّا في حجرة منفردة، أو في مغارة الجبل، وقد أرخى الليل سدوله، فكأنك ترى عيسى صلى الله عليه وسلم وقد خلا بنفسه يوحِّد الله، ويناجيه بالعبودية له.
ولو رأيت نبي الإسلام وهو يذكر الله دائما، ويحمده، ويسبِّحه في البكور والآصال وفي كل حال فإذا بدأ بالأكل بدأه باسم الله، وإذا فرغ منه حمد الله، وإذا جلس مع أحد كان التذكير بالله من عمله في ذلك المجلس، وإذا نام نام وهو يذكر ربه، ويستعرض آلاءه عليه، فكأنك برؤية نبي الإسلام قد رأيت النبيِّ صاحب الزبور داود عليه السلام في ترتيله محامد الله ونعمه.
وكأنك ترى سليمان عليه السلام في جنوده وعليه جلال الملك وأبهة السلطان، حينما ترى محمدًا صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وقد فتح مكة، ودخلها تحت رايات المجاهدين بأيديهم السيوف مصلتة لإقامة الحق، والعوالي السمر مشرعة لتقويض دعائم الباطل.
أما إذا رأيته صلى الله عليه وسلم وهو محصور مع ذويه في شعب أبي طالب، وقد منع دخول الطعام والشراب إليه من الخارج، فكأنك ترى يوسف الصديق عليه السلام وهو في سجن مصر يعاني شدائد الظالمين، ويكابدها.
إنَّ موسى عليه السلام قد جاء بالأحكام، وداود عليه السلام امتاز بدعاء الله، والتغني بمناجاته، وعيسى عليه السلامبعث ليعلم الناس مكارم الأخلاق، والزهد في الدنيا، وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء بكل ذلك بالأحكام، ودعاء الله، والتوجيه إلى مكارم الأخلاق، والحضّ على الزهد في الدنيا وزينتها، وكل هذا تجده في القرآن الحكيم لفظا ومعنى، وفي السيرة المحمدية قدوة وعملا.
جامعية السيرة المحمدية
سادتي!
وأحبُّ أن ألفت أنظاركم إلى ناحية أخرى من نواحي السيرة المحمدية تدلُّ على جامعيتها:
إنَّ في الدنيا نوعين من المدارس: نوع يختص بفرع واحد من فروع المعرفة، كالطب، أو الهندسة، أو التجارة، أو الصناعة، أو الفنون الحربية، أو الزراعة، أو الحقوق، أو اللغة والآداب. ونوع يجمع هذه المعاهد العلمية كلها، فمن قصده استطاع أن ينتسب إلى أيِّ فرع شاء من فروع المعارف الإنسانية.
وهذا النوع الثاني هو الذي تهرع إليه طوائف الطلبة من جميع البلاد، فيجد فيه كل منهم ما تميل نفسه إلى التخصص فيه من العلوم، وبهذا سميت مجموعة هذه المعاهد باسم (الجامعة)، ومنها يتخرج قضاة المحاكم، والأطباء، والمهندسون، وقادة الجند، والناهضون بعلوم الزراعة، أو الصناعة، أو التجارة، والمتخصصون بالآداب وعلومها، والثقافة العليا وفنونها.
ومن البيِّن الواضح للمتأملين أنَّ المجتمع الإنساني لا يتمُّ كماله، ولا تسعد حياته بضرب واحد من العلوم، ولا بصنف خاص من أهل الحرف والصناعات، بل يحتاج إلى مجموع ذلك كله.
مقارنة بين تلاميذ المدارس النبوية
وإذا استقصينا ما يعرفه التاريخ من سير الأنبياء، ولا حظنا ما خلفوه من ثمرات أشجارهم، عملا بقول المسيح: “من ثمارهم تعرفونهم”، فإننا نجد لهؤلاء المعلمين الربانيين، والأنبياء والمرسلين تلاميذ ومهتدين، فالواحد منهم يكون له عشرة تلاميذ، وآخر منهم يكون له عشرون تلميذا، ونرى لبعضهم ستين، أو سبعين، ومئة أو مئتين، وألفا أو ألفين، ونادرا ما يكون لأحد الأنبياء من التلاميذ والأصحاب ما يبلغ خمسة عشر ألفا. أما المدرسة الأخيرة من مدارس النبوة، وهي مدرسة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان تلاميذها يعدون بمئات الألوف.
وإذا أردت أن تعلم من هم تلاميذ المدارس النبوية الأخرى؟ ومن أين جاؤوا إليها؟ وفي أي البلاد ولدوا؟ وما مبلغهم من العلم؟ ثم كيف كانت أخلاقهم؟ وكم أخذوا من أخلاق نبيهم وشمائله؟ وكم كان تأثير تعليم نبيهم فيهم؟ وما هي سيرتهم وهداهم؟ وكم صلحت أعمالهم بإصلاح رسولهم لهم؟
فإنك لن تجد لأسئلتك هذه أجوبة عليها إلا فيما يتعلق بآخر مدارس النبوة، فإنك تجد لها جوابا على كل سؤال من هذه الأسئلة كلها بالتفصيل، وتستطيع أن تقيد في دفترك أسماء تلاميذ هذه المدرسة، وأماكن ميلادهم، ووصف ما تعلموه منها، ومبلغ تأثرهم بأخلاق نبيهم، ومعرفتهم بأحواله وشؤونه كلّ ذلك تجده مسجلا، مدونا، مضبوطا بوضوح وجلاء.
محلية الدعوات النبوية السابقة
وهلم بنا نعرِّج على جهة أخرى:
إنَّ جميع أصحاب الملل والنحل يدَّعون أنَّ أبوابهم مفتحة للجميع. فتعالوا نر من منهم كانت دعوته عامة لجميع الناس، وأبوابه مفتحة لمختلف الأمم والطوائف البشرية بلا استثناء. ومن منهم كانت حلقته في عهده مقصورة على رجال من أمة واحدة، وعلى طائفة خاصة من تلك الأمّة.
إنَّ جميع أنبياء بني إسرائيل لم تتجاوز دعوتهم بلاد العراق، أو بلاد الشام، أو بلاد مصر، أي إنَّهم لم يخرجوا من الأرض التي كانوا يسكنونها، ولم يوجهوا دعوتهم إلا لأمتهم من بني إسرائيل. ولذلك لا ترى في مدارس عيسى عليه السلام رجلا غير إسرائيلي، لأنه إنما كان ينشد الغنم الضالة من بني إسرائيل (متى 7: 24)، وإنما اقتصر على بني إسرائيل لئلا يلقي رغيف الصبيان إلى كلاب (الإنجيل). وأصحاب الأديان في الهند لم يكن يخطر ببالهم أن يخرجوا من أرض الأمة الآرية المقدسة (باك أريه ورت).
نعم لقد نشر ملوك البوذية دينهم في خارج الهند، وبلَّغوا دعوة بوذا إلى الأمم الآخرى، لكن ذلك جاء بعد زمن الدعوة من أتباعها المتأخرين عنها، كما فعل الذين نشروا المسيحية فيما بعد خارج دائرة إسرائيل. أما أصحاب الدعوة الأولون فقد خلت صحائف حياتهم من تعميم الدّعوة حتى تشمل جميع بني آدم.
مدرسة محمد رسول الله جامعة للطوائف وعامة للأمم
والآن تعالوا نشاهد مدرسة الرسول العربي الأمي:
أيُّ طالب هذا؟
هذا أبو بكر، هذا عمر، ذاك عثمان، وذلك علي، وهذان طلحة، والزبير.
ومن هؤلاء؟
هؤلاء تلاميذ من قريش البطاح بطاح مكة، وذانك من غير قريش، إنهما أبو ذر وأنيسمن تهامة من قبيلة غفار، وهذان أبو هريرة وطفيل، جاآ من اليمن من إحدى قبائلها، وتُسمَّى دوس، ومن هذان؟ هذا أبو موسى، وذاك معاذ بن جبل، قدما من اليمن من قبيلة أخرى، وهذا ضماد بن ثعلبة [1] من قبيلة الأزد القحطانية، وهذا خباب بن الأرت أخو تميم.
ومن أي قبيلة هؤلاء القوم؟
منقذ بن حبان [2]، ومنذر بن عائذ [3] من قبيلة عبد القيس استجابا لهذه الدعوة، ووفدا إليها من البحرين على الخليج الفارسي. وفيهم عبيد وجيفر [4] من سادة عمان. وفيهم فروة [5] من معان في بلاد الشام.
ومن هؤلاء الغرباء؟
هذا بلال من بلاد الحبشة، وهذا الأبيض يدعى صهيبا الرومي، وهذا اسمه سلمان الفارسي من إيران، وهذا أخو الديلم يدعى فيروز الديلمي [6]، وهذا سيخب ومركبود [7] من الأمة الفارسية.
فها أنتم ترون نماذج لمن تتلمذ على نبي الإنسانية النبي الأمي العربي خاتم المرسلين، لقد كانت حلقة هدايته مفتوحة لكل الأمم من شتى طوائف البشر.
إرسال الرسل والرسائل إلى جميع الملوك والأمم
إنَّ صلح الحديبية الذي اتفق عليه المسلمون والمشركون في سنة 6هـ كان من شرائطه أن يكف كل من الفريقين عن القتال، وذلك ما يدعو إليه الإسلام؛ لأنه دين السلام والوئام، وللمسلمين أن يبلغوا دينهم أينما أرادوا.
وماذا فعل رسول الإسلام بعد هذه الهدنة العظيمة الخطر الكبيرة الأثر؟ إنَّه صلى الله عليه وسلم أرسل في نفس تلك السنة كتبا إلى ملوك البلاد المجاورة، دعاهم فيها إلى الإسلام، وبلغهم رسالة الله تعالى التي بعث بها إلى الأمم.
فبعث صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى هرقل قيصر الروم، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى خسرو برويز ملك الفرس، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عزيز مصر، وعمرو بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث الغساني سيد قومه في الشام، وسليط بن عمرو إلى رؤساء اليمامة.
أرسلهم صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك والأقيال بكتب يدعوهم فيها إلى الإسلام، ويبلغهم أنَّه أُرسل إلى جميع الناس بالهداية العامة الشاملة.
________________________________________
[1] هو ضماد بن ثعلبة الأزدي، كان صديقا للنبي صلّى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكان رجلا يتطبب، ويرقي، ويطلب العلم، وكان من السابقين إلى الإسلام.
[2] هو منقذ بن عمر بن حبان الأنصاري الخزرجي، صحابي، كان يخدع في البيع، وكان لا يدع التجارة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “إذا ابتعت شيئا فقل: لا خلابة” عاش مئة وثلاثين سنة.
[3] هو المنذر بن عائذ بن المنذر بن الحارث، وهو الذي قال له النبي صلّى الله عليه وسلم: “إنَّ فيك خلقين يحبهما الله ورسوله: “الحلم والأناة”، قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “يا أشج”، فهو أول يوم سمي فيه الأشج.
[4] هو جيفر بن الجلندى الأزدي، كان رئيس أهل عمان هو وأخوه عبيد بن الجلندى، أسلما على يد عمرو بن العاص، ولم يريا النبي صلى الله عليه وسلم، كان إسلامهما بعد غزوة خيبر.
[5] هو فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي، كان واليا يقتصر على الشام، أسلم فدعاه قيصر إليه وترك الإسلام، فأنكر فروة ذلك، فحبسه قيصر، ثم أمر بقتله، وقد ضحى بالثروة والحكومة والعزة والجاه والنفس ولم يرض بترك الإسلام، قتل سنة 12 هـ.
[6] هو فيروز الديلمي، صحابي يماني، فارسي الأصل، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث، وعاد إلى اليمن وأعان على قتل الأسود العنسي، توفي بصنعاء سنة 53 هـ.
[7] مركبود: من أبناء الفرس بصنعاء، أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكره بعض النقلة من كبود، وأظنه صحفه بعض النقلة. ابن الأثير: أسد الغابة (4839)، الناشر: دار الفكر – بيروت، عام النشر: 1409هـ – 1989م، 4/ 368.
المصدر: islamstory

اقرأ أيضا  الدعوة بالقدوة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.