منهج القرآن في الحض على الإنفاق
الثلاثاء،27ربيع الثاني1436//17 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أ. د. أمان محمد قحيف
مفكر إسلامي
المال في الإسلام مال الله، والإنسان مستخلف فيه. بالتالي، فهو ليس ملكا خالصا لصاحبه أو من يحتفظ به؛ ولأنه مستخلف فيه فهو محاسب عليه: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟.. ولقد أوجب الله – تبارك وتعالى – على المسلمين إنفاق جزء من أموالهم في سبيله سبحانه وتعالى، ونهاهم عن البخل به. وأوجه الإنفاق كثيرة ومتعددة، فكل ما يعمر الكون هو في سبيل الله عزوجل، وكل ما يقضي الحاجات الضرورية للمحتاجين من بني البشر هو في سبيل الله عزوجل، وكل ما يخدم الإنسان، الفرد والمجتمع، هو في سبيل الله تعالى ما دام لا يدعم معصية ولا يكرس لانحلال أخلاقي.
ولقد كشف القرآن الكريم النقاب عن أن النفس الإنسانية بطبيعتها تحب اقتناء الأموال وحيازة الثروات ولا تستطيب التفريط فيها إلى حد كبير، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14). فالقرآن الكريم يشير هنا إلى أن النفس لا تقنع بالقليل من المال، بل تحب القناطير المقنطرة منه، كناية عن حرص الإنسان على امتلاك أكبر قدر ممكن من المال والاستحواذ على أكبر قدر متاح من الثروة.. وقال تعالى في موضع آخر معبرا عن هذا المعنى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } (الفجر:20).
ولأن المال عزيز على النفس الإنسانية إلى هذه الدرجة فقد اتبع القرآن الكريم عدة سبل لإقناع الناس بالإنفاق من أموالهم في مشاريع الخير والإصلاح والتنمية وقضاء حاجات الفقراء.. من هذه السبل ما يلي:
أولا – أكد القرآن الكريم أن حيازة المال الكثير لا تعني القرب أو التقرب إلى الله تعالى بأي حال من الأحوال، فالله تعالى لا يفضل الغني على الفقير لمجرد كونهما كذلك، بل إن الغني المنفق يتقرب إلى الله تعالى بإنفاقه كما يتقرب إليه الفقير الصابر على فقره بصبره.. والناس لا يتفاضلون عند ربهم بكثرة المال أو قلته، إنما أفضلهم عند الله أتقاهم.. { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13).
من هنا كانت الأعمال الصالحة القائمة على الإنفاق هي من السبل المؤدية إلى القرب من الله تعالى، قال عزوجل في هذا المعنى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ:37).. فالمال والولد لا يغنيان بأي حال من الأحوال عن العمل الصالح الذي هو سبيل القرب من الله عزوجل؛ لأنه يكسب المرء الوصول إلى كسب رضا الله تعالى عنه.
وقال تبارك وتعالى في موضع آخر: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم:39).. من ثم فإن إخراج الزكاة وتكثير الصدقات وإخراجها خالصة لوجه الله تعالى تؤدي بالإنسان إلى الخير الذي لا خير بعده، ألا وهو القرب من الله تعالى.
وتحبون المال
ثانيا – ذكر القرآن الكريم في وضوح وجلاء أن النفس الإنسانية تسعد بحيازتها للمال واقتنائها للثروة. وأوضح أن المال مع الولد يمثلان زينة الحياة الدنيا. وكشف النقاب في الوقت نفسه عن أن الأعمال الصالحة أفضل وأبقى من كل هذا وذاك، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (الكهف:46).
ومن أحب في الإسلام أن يكون من ذوي الثراء المادي فلا تثريب عليه، شريطة أن يكون واعيا بأن الأبقى والأصلح عند الله تعالى هو فعل الصالحات بهذا المال وتسخيره لأعمال الخير ووجوه الإعمار في الكون.
ثالثا – أشار القرآن الكريم إلى أن المال الذي يحوزه الإنسان ويحافظ عليه يكاد أن يكون فتنة له شأنه في ذلك شأن كثرة الولد سواء بسواء. وقد يعد حملا على الإنسان إذا لم يتعامل معه وبه وفق المنهج الإسلامي السليم؛ لأنه سيتحول وقتذاك إلى فتنة لصاحبه.. قال ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (الأنفال:28).. وورد في المعنى نفسه قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن:15).
ولا يجب أن يفهم من هذا الكلام أن الإسلام يقف من المال وكثرة الولد موقفا سلبيا في كل الحالات، إنه يحذر فقط من أن يكون دأب الإنسان وديدنه في هذه الحياة الدنيا هما الحرص على جمع المال وحيازته من دون إنفاقه في سبيل الله، أو أن يكون هدفه الحرص على إنجاب الذكور للتباهي بهم أمام الناس أو التقوّي بهم على خلق الله من دون تعليمهم الدين والالتزام الأخلاقي وتسخيرهم لخدمة دينهم ومجتمعهم.
رابعا – حذر القرآن الكريم من عدم إنفاق المال في سبيل الله، وأبان أنه يلقي بالمرء في التهلكة، حيث أكد القرآن الكريم أن من لا ينفق ماله في سبيل الله ويحرص على اكتنازه يعرض نفسه بذلك لغضب الله من دون أن يشعر، قال الله عزوجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (البقرة:195). ويفهم من هذه الآية أن من أراد أن يحفظ نفسه وماله وولده من التهلكة فعليه بإنفاق المال في سبيل الله تبارك وتعالى، ولا خوف عليه من ذلك البتة، إذ الإنفاق أداة النجاة، والإمساك طريق التهلكة التي ليس بعدها خير. ولما كان الله تبارك وتعالى قد قال عقب ذلك مباشرة: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195)، فإنه يفهم من ذلك أن الإنفاق في سبيل الله يسلك الإنسان في عداد المحسنين. والمحسنون هم من أهل محبة الله تبارك وتعالى ومن صفوة عباده المكرمين.
والحق أن القرآن الكريم حذر في أكثر من موضع من عدم الإنفاق في سبيل الله. وأكد أن في ذلك ضررا كبيرا على من يحرص على جمع المال من دون إخراج حق الفقراء والمحتاجين فيه. وأشار إلى أن إمساك المال وعدم إنفاقه يجلب التعاسة، بينما الإنفاق يجلب لصاحبه السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، قال الله عزوجل في هذا المعنى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:5-10).
الصحابة – رضي الله عنهم – والإنفاق
خامسا – شدد القرآن الكريم على أن المال لن يغني عن صاحبه شيئا إذا تعرض لغضب الله تبارك وتعالى في الدنيا أو في الآخرة، فالمال المكنوز لا يأخذ بيد صاحبه حين تعرضه للتعذيب بالنار أو بأي شيء آخر؛ لأنه سيكون حجة على صاحبه، قال تعالى {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } (الليل:11). والمال أيا ما كان حجمه، وأيا ما كانت كميته، ليس بكاف صاحبه – الذي اكتنزه وامتنع عن إنفاقه في الخيرات – من عذاب جهنم، قال تبارك اسمه وتعالى قدره في السياق نفسه: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } (المسد:2).
فتلك عظة وموعظة – وما أحوجنا لأن نتعظ بكل عظات القرآن الكريم ومواعظه – لكل من يحرص على جمع أمواله واكتنازها ويتردد في إنفاقها في وجوه الخير.
إن المال الذي يكسبه المرء في حياته لا يغني عنه من الله شيئا إذا لم يخرج منه حق الفقراء والمساكين والمحتاجين، وما كان رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” يحب كنز المال، وأدرك صحابته – رضوان الله عليهم – هذا المعنى فأنفقوا ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل؛ لأنهم تعلموا من رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” أن الصدقة وسيلة فاعلة وناجزة في إطفاء غضب الرب. لذلك، حرصوا على التصدق ومراعاة الفقراء طوال الوقت، ولهم في هذا المجال تاريخ مشرف وأياد بيضاء.. وما تاريخ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عوف.. وغيرهم علينا ببعيد.
الاستقواء بالثروة
سادسا – حذر القرآن الكريم من الاستقواء بالمال، فقد يصد المال صاحبه – عند الاستقواء به – عن اتباع الخير، ويدفعه باتجاه التكبر والتجبر في الأرض، وينسيه حق الفقراء فيه. ولقد وردت في القرآن الكريم آيات بينات تشير إلى هذه المعاني وتوضح تلك الصور؛ إذ ظهر إبان عصر الرسالة وفي حياة النبي ” صلى الله عليه وسلم” أناس تلاعب المال بعقولهم، وأذهبت الممتلكات رشدهم، وجعلتهم يقفون ضد الإسلام الحنيف، متكئين في ذلك على ثرواتهم التي كانت تمنحهم وقتذاك مكانة اجتماعية وترفعهم في أعين الفقراء والمحتاجين من الناس.. ولقد قال الله تعالى في حق هذا الصنف من الناس – ومنهم أمية بن خلف وغيره ممن اغتروا بأموالهم وثرواتهم التي جمعوها وتفرغوا لتنميتها وأعرضوا عن اتباع الحق وسماع دعوات الخير – قال عز من قائل في حقهم: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3)} (الهمزة:1-3).. ونزلت آيات بينات في المعنى نفسه بحق الوليد بن المغيرة، الذي سيطرت عليه الدنيا، واستحوذ عليه الجشع وحب المال، قال الله تعالى في هذه الآيات: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)} (المدثر:11–17). فالله عزوجل يذكّر بهذه الآيات أصحاب الأموال الكثيرة والثروات الطائلة أنه تعالى هو الذي أمدهم بتلكم الأموال، وهو عزوجل الذي وهبهم البنين من الأولاد، فحق عليهم أن يؤمنوا به ويشكروه وإلا تعرضوا لما لا تحمد عقباه.
وجاء في سورة القلم ما يؤكد رفض القرآن الكريم لسلوكيات هؤلاء وأفعالهم، حيث أعاب الله تعالى أقوالهم وأفعالهم التي تمثلت في الكذب في اليمين، والمشي بالنميمة، ومنع الخير عن الناس، والاعتداء عليهم وعلى أعراضهم، وتكذيب آيات الذكر الحكيم، والتطاول على كلمات الله ووصفها بأنها أساطير الأولين، قال تعالى:
{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)} (القلم:10–15).
ولقد توعد ربنا هؤلاء وأمثالهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، كل هذا لينبههم إلى أن من سبل رضوان الله أن يؤمن العبد بربه وينفق في سبيله.
وإمعانا في توضيح خطورة إمساك المال وعدم إنفاقه في سبيل الله، أشار القرآن الكريم إلى أن بعض المترفين الأوائل أطغتهم أموالهم، وغرتهم ثرواتهم، وظنوا أن المال سيمنعهم العذاب والعقاب، محذرا بذلك أثرياء قريش – وأثرياء كل العصور – من التصرف وفقا للمنهج الذي اختطه هؤلاء الطغاة..
قال تعالى في هذا السياق:
{ وَقَالُوا۟ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَٰلًۭا وَأَوْلَٰدًۭا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} (سبأ:35).. كما لو كان العذاب سيطول الأقل أموالا من الناس ولن يصل إلى ذوي الكثرة والوفرة من الثروة، بحسب زعمهم وفهمهم الخاطئ للقضية الإيمانية.
سابعا – حذر القرآن الكريم أصحاب المال والثروة من إنفاقهما في غير موضعهما، حيث إن هناك من الناس من لا يلجأ إلى إنفاق ماله في الأبواب الصحيحة، والمسالك الرشيدة.. من هنا كان النص القرآني شديد الوضوح والمباشرة في تنبيه أصحاب الأموال والثروات وتحذيرهم من إنفاق ما لديهم من أموال في ما لا ينفع أو في ما يضر.. ومن يفعل ذلك سيكون ماله حسرة عليه؛ لأنه تسبب له في الطغيان والتجبر، ولأنه حارب به الخير ودعاته، ووقف ضد الرسول ” صلى الله عليه وسلم” وهو من دعاة الإيمان والأمن والسلام، معتمدا في عناده هذا على السطوة والحظوة اللتين أخذهما من حيازته لتلك الثروات.. من هنا فقد عبر القرآن الكريم عن تلك الحالة بقول الله عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} (الأنفال:36).
والذي عليه أهل العلم أن من ينفق ماله في الصد عن سبيل الله أو تعطيل أي خير تنتفع به الأمة في مشاريعها التنموية والإصلاحية هو خاسر لا محالة.
ذم البخل
ثامنا – ذم القرآن الكريم البخل والبخلاء. يتبين للمتصفح لكتاب الله تعالى أن الله عزوجل لم ينزل في كتابه آية واحدة تبيح البخل، أو تجيزه، أو تحض عليه، بل إن كل ما ورد في هذا السياق يؤكد – بما لا يدع مجالا للشك – أن الإسلام الحنيف له موقفه الواضح، وله فلسفته الخاصة في هذه المسألة، وهي فلسفة تقوم في جوهرها وأساسها على رفض البخل بكل أشكاله وألوانه، بما في ذلك البخل العاطفي، حيث أراد للأب أن يقبل أولاده ويحنو عليهم ويظهر محبته لهم.. ومن المنطلق نفسه أراد للمسلم الميسور الحال أن يؤكد دعمه لأخيه الإنسان المتعسر ماليا، وأن يقف بجانبه ويعينه على مواجهة تقلبات الحياة وصعوباتها.
من ثم فإن البخل في الإنفاق مذموم في كتاب الله عزوجل، قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران:180).
وغني عن البيان التذكير بأن كتب الصحاح ممتلئة بأحاديث النبي ” صلى الله عليه وسلم” التي تذم البخل وتحض على الإنفاق من دون خوف من فقر أو حاجة؛ لأن المال لا ينقص من الصدقة على الإطلاق، بل إن الصدقة هي حصنه الذي يحفظه ويقيه من الضياع أو النفاد.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى أن حالة البخل التي تعتري النفس الإنسانية مصدرها الشيطان الرجيم، فهو الذي يوسوس للمرء بأن الإنفاق قد يؤدي به إلى الفقر أو العوز، قال ربنا تبارك وتعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} (البقرة:268). والمعنى الذي عليه جمهور المفسرين هنا: أن الشيطان يخوفكم بالفقر، ويأمركم بالبخل، ويزرع في نفوسكم الخوف من الإنفاق، واهما بعضكم بأن الإنفاق سبيل الفقر والاحتياج، ويزين لهم ضرورة الحرص على المال، ويظهر الإنفاق في نظرهم كأنه تبديد للثروة وتضييع للأموال.
ولقد نبه الله تعالى أهل البخل، ومن يدعون الناس إليه، ومن يكتمون نعمة الله تعالى عليهم، إلى أن في ذلك مهلكة لهم ومجلبة لعذابهم، وربما يخرجهم بخلهم هذا من طائفة المؤمنين بنعمة الله عليهم، ويسلكهم في عداد الذين كفروا بنعمة الله عزوجل.. قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا } (النساء:37).
وكشف القرآن الكريم النقاب عن أن مما يغضب الله تعالى أن يمتنع أحدهم عن الإنفاق في سبيل الله بعد أن كان قد عاهد الله أن ينفق في أبواب الخير ووجوهه إذا بسط الله ت عالى له رزقه، جاء في هذا المعنى قول ربنا:
{ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدوهُ وَبِما كانوا يَكذِبونَ} (التوبة:76-77).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
– الوعي الإسلامي