من أركان العقيدة .. الإيمان بالكتب التي أنزلها الله
الأحد،3شعبان 1435الموافق1 حزيران/يونيو2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
علي محمد مقبول الأهدل
الإيمان بالكتب التي أنزلها الله
الركن الثالث من أركان الإيمان هو الإيمان بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، فكما أن الله قد أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل كتبه من قبل على سائر الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده؛ وهذه الكتب فيها هداية ورحمة للمرسل إليهم..
وسأتناول في الإيمان بالكتب النقاط الآتية؛ وذلك في سبعة مباحث على الوجه الآتي:
المبحث الأول: تعريف الكتب.
المبحث الثاني: الإيمان بهذه الكتب إجمالاً.
المبحث الثالث: الإيمان بما سمي لنا على وجه الخصوص.
المبحث الرابع: الإيمان بأن القرآن ناسخ لجميع هذه الكتب.
المبحث الخامس: تحريف الكتب السابقة؛ وأمثلة على هذا التحريف.
المبحث السادس: القرآن مزاياه – تعاليمه – القرآن هو الكتاب الذي تصح نسبته إلى الله – القرآن كلام الله – مكانة القرآن في نفس المؤمن.
المبحث السابع: ثمرات الإيمان بالكتب.
تعريف الكتب:
الكتب لغة: جمع كتاب بمعنى مكتوب. والكتب صحف ضم بعضها إلى بعض.
والكتاب مصدر سمي به المكتوب، وهو في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيها[1].
أما تعريفها شرعاً فهي: الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق، وهداية لهم، ليخرج بها من يشاء من الظلمات إلى النور[2].
وقيل: هي كلام الله أوحى بها إلى رسله – عليهم الصلاة والسلام – عن طريق جبريل – عليه السلام -؛ وذلك ليبلغوه للناس ليكون حجة لله على خلقه[3].
الإيمان بهذه الكتب إجمالاً:
لقد أوجب الله تعالى الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها على رسله، ما ذكرها لنا في القرآن الكريم وما لم يذكرها لنا؛ وذلك على السواء، نؤمن بها أنها كلام، تكلم بها حقيقة كما شاء، وعلى الوجه الذي أراد.
والإيمان بهذه الكتب ركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بها قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وحديث جبريل المشهور حين سأله عن الإيمان، قال: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”[4]، ثم إن الله حكم في كتابه بالكفر على من لا يؤمن بهذه الكتب أو آمن ببعضها وكفر ببعض؛ إذ ليس هناك فرق بين هذه الكتب، فكلها منزلة من عند الله تعالى ويجب الإيمان بها على السواء وبدون تفريق إيماناً جازماً صحيحاً لا شك فيه ولا ريب، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150-151].
وخلاصة القول[5]: إن مفهوم هذه الآيات وأمثالها… هو الإيمان بالكتب السماوية كلها أمر واجب لا يتم إيمان المرء إلا به.
وذلك أمر بدهي بالنسبة للمؤمن، فما دام يؤمن بالله ويصدق ما نزل من عنده من الوحي، وما دام الله يخبره في كتابه الكريم أنه قد أنزل كتباً سابقة على الأنبياء والرسل؛ فالواجب أن يؤمن بهذه الكتب المنزلة، ويعتقد يقيناً أنها منزلة من عند الله.
ولو شك في هذه الحقيقة أو كذب بها فهل يكون مؤمناً على الإطلاق؟!
وكيف يكون مؤمناً بالله حقاً وهو يكذب خبراً آتياً إليه من عند الله.
كذلك لو قال: إنه يؤمن ببعض الكتب أنها منزلة من عند الله حقاً، ويشك أو يكذب أن غيرها من الكتب منزل من عند الله، فهل يكون مؤمناً بالله ولو زعم ذلك؟
إن من بين دعائم الإيمان التصديق، فكيف يوجد الإيمان إذا كذب الإنسان حرفاً واحداً مما أخبره الله به؟
وما قيمة دعواه أنه مؤمن بالله، أو مؤمن ببعض الكتب التي أنزلها الله؟! إنها دعوى مردودة على صاحبها؛ لأن الدليل العملي يكذبها…
ثم إن الكتب السماوية كلها تحتوي على حقيقة واحدة هي الأمر بعبادة الله وحده..
الإيمان بما سمي لنا من هذه الكتب على وجه الخصوص:
يجب أن نؤمن بهذه الكتب السماوية؛ ومن الإيمان أن نؤمن بما سمي لنا منها على وجه الخصوص: كالتوراة والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، قال تعالى:﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران:2-4]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18-19]. أما ما لم نعلم اسمه من هذه الكتب فنؤمن به إجمالاً.
الإيمان بأن القرآن ناسخ لجميع هذه الكتب:
شاء الله تعالى أن ينسخ الكتبَ السابقة كلها، وينزل كتابه الأخير ليبقى في الأرض إلى قيام الساعة وهو القرآن.
وكان كل رسول من السابقين يرسل إلى قومه خاصة، بينما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية كافة، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].
وكذلك كانت الكتب السابقة تنزل لأقوام معينين بينما أنزل القرآن للناس كافة: ﴿ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [القلم: 52].
لذلك اقتصت مشيئة الله أن ينسخ هذا الكتاب الكامل ما سبقه من الكتب جميعاً ويهيمن عليها: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].
ولم يعد يقبل من أحد أن يستمسك بما سبق من الكتب ويرفض القرآن: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 68]، قال ابن كثير: قل يا محمد ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [المائدة: 68] أي: من الدين ﴿ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾[المائدة: 68] أي: حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء، وتعملوا بما فيها ومما فيها الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته، ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ يعني: القرآن العظيم[6].
ثم إن إقامة التوراة والإنجيل بالنسبة لأهل الكتاب المخاطبين بهذه الآية معناها: الإقرار بوحدانية الله؛ ذلك أن التوراة والإنجيل المنزلين من عند الله يقرران هذه الوحدانية تقريراً جازماً، ولكن أهل الكتاب حرفوهما. فالمطلوب منهم هو إقامتها مرة أخرى؛ أي الرجوع إلى أصل التوحيد. ثم إن التوراة والإنجيل قد ذكرا محمداً صلى الله عليه وسلم وأمرا باتباعه عند ظهوره؛ فإقامتهما معناها: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل عليه من وحي.. أي الإسلام: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
وعن أبي هريرة ا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”[7] [8].
تحريف الكتب السابقة، وأمثلة على هذا التحريف:
لم يتعهد الله سبحانه بحفظ أي من الكتب السابقة سوى القرآن الكريم؛ بل أخبر في آخر كتبه وهو القرآن عن التحريف الذي وقع على تلك الكتب، فعن التحريف والتغيير الذي أدخله اليهود عن التوراة قال سبحانه: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75]، وقال تعالى أيضاً: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾[النساء: 46]، وقال: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].
وتقصد هذه الآيات ما أشارت إليه عدد من الأحاديث النبوية ومنها:
عن البراء بن عازب قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً[9] مجلوداً، فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال: “هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده حد الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41]، يقولون: ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]”[10].
فهذا مثال واضح على التحريف المتعمد من اليهود..
أما إنجيل النصارى فهو – أيضاً – لم يسلم من التحريف والتبديل، قال تعالى:﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].
ويعترف النصارى بأن الإنجيل كتاب نزل من عند الله على عيسى – عليه السلام – إلا أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بهذا الإنجيل كاملاً أو ناقصاً ولا حتى بصورة منه، والأناجيل الموجودة الآن ليست هي النص المطابق للإنجيل الذي نزل على عيسى – عليه السلام -؛ لأن الإنجيل الصحيح كان قد فقد الكثير منه – إن لم يكن كله – قبل كتابة الأناجيل الموجودة حالياً، وذلك لما لحق بالنصارى في ذلك الوقت -وكانوا قلة- من قتل وتحريق وتعذيب وتشريد، مما كان له أثر في ضياع الإنجيل المنزل على عيسى – عليه السلام – وقد أدى قلة عددهم وخوفهم من العذاب واستتارهم بدينهم ومن ثم تقلص الدعوة وعدم ذيوعها وشيوعها بين بني إسرائيل.
وقد أثبت المحققون من العلماء أن الكتاب المقدس (الجامع للعهدين القديم والجديد) ليس لأي سفر من أسفارهما سند متصل، يصحح نسبة ذلك السفر إلى من نسب إليه من الأنبياء أو الرسل أو غيرهم[11].
________________________________________
[1] لسان العرب، فصل (كتب)، والعقيدة الصافية، سيد عبدالغني، (ص:81).
[2] المدخل إلى الثقافة الإسلامية، مجموعة مؤلفين، (ص:127).
[3] العقيدة الصافية للفرقة الناجية، سيد سعيد عبدالغني، (ص:81).
[4] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (1) تعريف الإسلام والإيمان، (1/37) حديث رقم (1).
[5] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:193).
[6] مختصر تفسير ابن كثير – عمدة التفسير – اختصار وتحقيق: أحمد شاكر (1(711).
[7] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب (70) وجوب الإيمان… (1/134) حديث رقم (240).
[8] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:202).
[9] أي مسود الوجه من الحممة، الفحمة.
[10] الحديث أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب (26) ليعرفونه..) (4/186)، ومسلم في كتاب الحدود باب (6) رجم اليهود..، (3/1327) حديث رقم (1700).
[11] انظر: أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، د. حمد العمار، (ص:437)، (ص:467).
المصدر:الألوكة