من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الاعتصام بحبل الله ولزوم الجماعة والنصح لولاة الأمر )
الأربعاء 5 ربيع الأول 1437//16 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
من أسباب محبة الله تعالى عبدا
(الاعتصام بحبل الله ولزوم الجماعة والنصح لولاة الأمر)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثًا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا… “[1]، وزاد أحمد ومالك “وأن تنصحوا – عند مالك: تناصحوا – لولاة الأمر – عند مالك: من ولاّه الله أمركم -“[2].
- “يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا”، قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيُه أو ثوابُه وعقابُه أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم[3].
- “وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا” الاعتصام بحبل الله هو التمسُّك بعهده؛ وهو اتباعُ كتابِه العزيز وحدوده والتأدُّب بأدبه، والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورِهم، ويوصلون به المتفرق، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور.
- “ولا تفرقوا” – بحذف إحدى التاءين – أي لا تتفرقوا، وهو أمرٌ بلزومجماعة المسلمين وتألّف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام[4].
وقال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى -:
وأما قوله “تناصحوا من ولاه الله أمركم” ففيه إيجاب النصيحة على العامة لولاة الأمر وهم الأئمة والخلفاء، وكذلك سائر الأمراء، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: “الدين النصيحة.. الدين النصيحة.. الدين النصيحة ثلاثا” قيل لمن يا رسول الله؟ قال: “لله – عز وجل – ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”[5].
وقال المناوي:
- “إن الله يرضى لكم ثلاثًا” من الخصال “ويكره لكم ثلاثًا” يعني يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث؛ إذ الرضى بالشيء يستلزم الأمر، والأمر بالشيء يستلزم الرضى به، فيكون كنايةً، وكذا الكلام في الكراهة، وأتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم رمزٌ إلى أن فائدة كلٍّ من الأمرين عائدةٌ لعباده.
فالأولى ما أشار إليها بقوله “فيرضى لكم” الفاء فيه تفسيرية، “أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا” في عبادته، فهذه واحدة خلافًا لقول النووي “ثنتان”.
والثانية “أن تعتصموا بحبل الله جميعًا”؛ أي القرآن.. يرشدك إلى ذلك خبر “القرآن حبل الله المتين”[6]، والحديث يفسر بعضُه بعضا؛ فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك، ولا عطر بعد عروس، والاعتصام به التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها، “ولا تفرقوا” بحذف إحدى التاءين وهذا نفي عطف على “تعتصموا” أي لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب، أو هو نهيٌ عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر؛ يعني اعتصموا ولا تفرقوا، وكذا اللام في قوله “ولا تشركوا”.
والثالثة “أن تناصحوا من ولاه الله أمركم”؛ أي من جعله واليَ أمركم وهم الإمام ونوَّابه، والمراد بمناصحتهم ترك مخالفتِهم والدعاءِ عليهم، والدعاءُ لهم، ومعاونتُهم على الحق، والتلطّف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق، ولم يؤكّد هنا بقوله ولا تخالفوا إشعارا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية[7].
خلاصة هذا السبب:
أنه مما يحبِّب الله في العبد ما نادى به السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى اليوم، الذين فقهوا الدين وألزموا أنفسَهم وذويهم به، من الأمور الدينية والدنيوية، هذه الثلاث الكبار:
1- الاعتصام بحبل الله جميعًا وعدم التفرق في الدين، وأكبر شاهد عليه حديث الافتراق الصحيح الذي يرده البعض في هذا الزمان المتأخر؛ لكن ولله الحمد أصبح مع ذلك جزءًا من الثقافة العامة الإسلامية من طول ما تردّد.
2- لزوم الجماعة وعدم التفرّق، كما قال الله تعالى فيهما في سورة آل عمران: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].
3- النصحُ لولاة الأمر، وعدم الخروج عليهم، كما في حديث تميمٍ الداري – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الدين النصيحة” ثلاثًا، قال: قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”[8].
[1] أخرجه مسلم في الأقضية (ح1715) من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه.
[2] [صحيح] أخرجه أحمد في “المسند” (2/327 ح8501)، وهو في “الموطأ” (2/990 ح1863) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] هذا تأويلٌ لتلك الصفات؛ (الرضا والسخط والكراهة)، وليس معناها كما قلنا سابقا.
[4] من تعليق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على “صحيح مسلم” (ج3 ص1340)، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
[5] أخرجه مسلم في الإيمان (ح55) من حديث تميم بن أوس الداري – رضى الله عنه -، وانظر: “التمهيد” لابن عبد البر (ج21 ص284).
[6] [ضعيف] هو جزء من حديث أخرجه الترمذي (ح2906) من طريق: ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي بن أبي طالب مرفوعًا بلفظ: “فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل.. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾.. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. خذها إليك يا أعور”. قال أبو عيسى: “هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال”.
[7] انظر: “فيض القدير” (ج2 ص301).
[8] [صحيح] تقدم تخريجه قريبا.
الالوكة