من أسرار القرآن الكريم

الثلاثاء4 جمادى الثانية1436//24 مارس/آذار 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]
إنها لذكرى ولكنها ليست من قبيل ذكريات الملوك والعظماء، أو القادة والزعماء؛ وإنما من ذكرى الدنيا في أشرف بقاعها، وذكرى العالم في خلاصته وصفوته وأفضل قرونه بشهادة الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، بل هي ذكرى العظمة والجلال، والجمال والكمال، وما شئت من معاني السمو والرفعة، وحسبك أنها عظمة القرآن في هدايته، وجلالة الدين في كمال شرعته، إنه يومٌ أغر محجل، مجمع أعياد ومحفل شعوب وقبائل، وعنوان وحدة وائتلاف، من بعد تفرق واختلاف، وتمثيل مائة ألف أو يزيدون وكلهم حجوا حجة الوداع – لمن على وجه البسيطة، يمثلونهم في الهداية العامة، ونشر الدين القويم، وحب الخير للناس أجمعين.

وهل كان الناس حينئذٍ إلا أولئك الصفوة الأخيار، الذين اصطفاهم الله لإعلاء كلمته، وإتمام دعوته.

الله أكبر ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ بإكمال أركانه، وتشييد بنيانه، وإتمام شرائعه ومناهجه، وحكمه وأحكامه.

اقرأ أيضا  تفسير: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر)

﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ فكفيتكم أمر عدوكم حتى دخلتم مكة آمنين ظاهرين، وهدمت منار الشرك فلم يحج معكم مشرك ولم يطف بالبيت عريان، وأظهرت دينكم على الدين كله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ولتكونوا كما قال ربكم: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، ثم لتكونوا خلفاء الله في أرضه ما دمتم بحبل الله معتصمين، وبعروة دينه مستمسكين، ولن يغير الله ما بكم حتى تغيروا ما بأنفسكم ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40].

﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾؛ لأنه الصراط المستقيم إذا عُمّيت المسالك، والحصن الحصين إذا عمّت المهالك، ولأنه الدين العام الخالد إلى يوم يبعثون ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

اقرأ أيضا  أسباب نزول سورة الملك

أما بعد، فلعلك أدركت ما في جواب عمر رضي الله عنه من سداد وتوفيق، لما قالت له اليهود[1]: إنكم تقرؤون آية، لو أنزلت فينا، لاتخذناها عيدًا! فقال: إني لأعلم حين أنزلت، وأين أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت؛ أنزلت يوم عرفة، وإنا والله بعرفة في يوم جمعة يعني ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ الآية، وفي رواية: نزلت يوم جمعة يوم عرفة، وكلاهما – بحمد الله – لنا عيد، ثم لعلك أدركت – فيما أدركت من أسرار القرآن – كيف كانت مناسبات التنزيل، وكيف تتفاضل الليالي والأيام، وكيف تغتنم الفرص المباركات لنشر الدعوة وإعلاء كلمة الله، إلى غير ذلك من الأسرار التي نحاول أن ننبهك على طرف منها في أمثال هذه الكلمات الموجزات، ولعلك ترى أن المسلمين جد مقصرين في إحياء هذه الذكرى؛ ذكرى الحياة والنور، والعظمة والجلال ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].

اقرأ أيضا  أسباب النزول - سورة الحجرات

مجلة نور الإسلام العدد الثالث والعشرون – السنة الرابعة
غرة ذي الحجة سنة 1360هـ، 20 من ديسمبر سنة 1941م.

________________________________________
[1] وفي رواية أن رجلًا من اليهود قال له… إلخ، والتوفيق بين الروايتين أن القائل واحد بحضرة جمع منهم، ولأنهم وافقوه؛ نسب القول إليهم جميعًا، والحديث في الصحيحين وغيرهما.
المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.