من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل ( الشهادة )
الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
علي محمد مقبول الأهدل
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
الشهادة
جعل الإسلام الشهادة التي تثبت الحقوق شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين، وذلك في قوله تعالى في آية المداينة: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282].
ومن الواضح أن هذا التفاوت لا علاقة له بالإنسانية ولا بالكرامة ولا بالأهلية، فما دامت المرأة إنساناً كالرجل، كريمة كالرجل، ذات أهلية كاملة لتحمل الالتزامات المالية كالرجل، لم يكن اشتراط اثنتين مع رجل واحد إلا لأمر خارج عن كرامة المرأة واعتبارها واحترامها، وإذا لاحظنا أن الإسلام -مع إباحته للمرأة التصرفات المالية- يعتبر رسالتها الاجتماعية هي التوفر على شئون الأسرة، وهذا ما يقتضيها لزوم بيتها في غالب الأوقات -وخاصة أوقات البيع والشراء- أدركنا أن شهادة المرأة في حق يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس لا يقع إلا نادراً، وما كان كذلك فليس من شأنها أن تحرص على تذكره حين مشاهدته، فإنها تمر به عابرة لا تلقي له بالاً، فإذا جاءت تشهد به كان أمام القاضي احتمال نسيانها أو خطأها ووهمها، فإذا شهدت امرأة أخرى بمثل ما تشهد به زال احتمال النسيان والخطأ، والحقوق لابد من التثبت فيها، وعلى القاضي أن يبذل غاية جهده لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هذا هو كل ما في الأمر، وقد جاء النص عليه صراحة في الآية ذاتها حيث قال تعالى في تعليل اشتراط المرأتين بدلاً من الرجل الواحد: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282] أي: خشية أن تنسى أو تخطئ إحداهما فتذكر الأخرى بالحق كما وقع.
ولهذا المعنى نفسه ذهب كثير من الفقهاء إلى أن شهادة النساء لا تقبل في الجنايات، وليس ذلك إلا لما ذكر من أن المرأة تكون غالباً قائمة بشئون بيتها، ولا يتيسر لها أن تحضر مجالس الخصومات التي تنتهي بجرائم القتل وما أشبهها، وإذا حضرتها فقل أن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة القتل بعينها، وتظل رابطة الجأش؛ بل الغالب أنها إذا لم تستطع الفرار تلك الساعة كان منها أن تغمض عينيها وتولول وتصرخ، وقد يغمى عليها، فكيف يمكن بعد ذلك أن تتمكن من أداء الشهادة، فتصف الجريمة والمجرمين وأداة الجريمة، وكيفية وقوعها؟ ومن المسلم به أن الحدود تدرأ بالشبهات، وشهادتها في القتل وأشباهه تحيط بها الشبهة: شبهة عدم إمكان تثبتها من وصف الجريمة لحالتها النفسية عند وقوعها.
وما يؤكد هذا الاحتياط أن الشريعة قبلت شهادتها وحدها فيما لا يطلع عليه غيرها، أو ما تطلع عليه دون الرجال غالباً، وقد قرر الفقهاء أن شهادتها وحدها تقبل في إثبات الولادة، وفي الثيبوبة والبكارة، وفي العيوب الجنسية لدى المرأة، وهذا حين كان لا يتولى توليد النساء وتطبيبهن والاطلاع على عيوبهن الجنسية إلا النساء في العصور الماضية.
فليست المسألة إذاً مسألة إكرام وإهانة، أو أهلية وعدمها، وإنما هي مسألة تثبت في الأحكام واحتياط في القضاء بها، وهذا ما يحرص عليه كل تشريع عادل.
وبهذا نعلم أنه لا معنى للشغب والتشنيع على الإسلام في هذه القضية، واتخاذها سلاحاً للادعاء بأنه انتقص المرأة، وعاملها دون الرجل كرامة ومكانة، وقد تقدم فيما سبق أنه عامل المرأة كالرجل، وبنصوص صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض[1].
________________________________________
[1] انظر: المرأة بين الفقه والقانون: د. مصطفى السباعي (ص:31) وما بعدها.
الألوكة