من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل ( تعدد الزوجات )

الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
علي محمد مقبول الأهدل
من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
تعدد الزوجات
هذه واحدة من أبرز المسائل التي يتعلق بها محترفو الافتئات على الإسلام مصطنعو الغيرة على المرأة وحقوقها.. وهي عندهم عنوان كبير على أن المرأة تعاني في المجتمعات الإسلامية من مشكلة اللامساواة مع الرجل، فما هو وجه الحقيقة في ذلك؟
بوسعنا أن نقول – ابتداءً – إن الأصل هو أن يحبس كل من الزوجين نفسه لرعاية الآخر وإسعاده.

ولكن الشريعة الإسلامية تضع في اعتبارها احتمال وجود ظروف وأسباب تجعل الزوج عاجزاً عن الاكتفاء بالزوجة الواحدة، وليس في الناس من يمتري ويجادل في وجود هذه الأسباب في كثير من الأحيان أياً كان نوعها، وهي تعلن عن نفسها في الغرب وتهيمن بسلطانها هناك على الرجال، أكثر مما تعلن عن نفسها هنا في المجتمعات الإسلامية[1].

إذاً: ونظراً لاحتمال وجود هذه الأسباب – والتي سيجيء ذكرها لاحقاً – فإن الزوج قد يجد نفسه أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة من الصالحات للزواج، ثم تبقى واحدة أو أكثر – حسب درجة الاختلال الواقعية – بدون زواج، تقضي حياتها – أو حياتهن – لا تعرف الرجال.

2- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج واحدة فقط زواجاً شرعياً نظيفاً، ثم يخادن أو يسافح واحدة أو أكثر من هؤلاء اللواتي ليس لهن مقابل في المجتمع من الرجال، فيعرفن الرجل خديناً أو خليلاً في الحرام والظلام!

3- أن يتزوج الرجال الصالحون – كلهم أو بعضهم – أكثر من واحدة، وأن تعرف المرأة الأخرى الرجل زوجة شريفة في وضح النور لا خدينة ولا خليلة في الحرام والظلام.

أما الاحتمال الأول: فهو ضد الفطرة، وضد الطاقة، بالقياس إلى المرأة التي لا تعرف في حياتها الرجال. ولا يدفع هذه الحقيقة ما يتشدق به المتشدقون من استغناء المرأة عن الرجل بالعمل والكسب، فالمسألة أعمق بكثير مما يظنه هؤلاء المتحذلقون الجهال عن فطرة الإنسان، وألف عمل وألف كسب لا تغني المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية سواء في ذلك مطالب الجسد والغريزة، ومطالب العقل والروح، من السكن والأنس بالزوج.. والرجل يجد الكسب والعمل؛ ولكن هذا لا يكفي، فيروح يسعى للحصول على الزوجة، والمرأة كالرجل – في هذا – فهما من نفس واحدة.

وأما الاحتمال الثاني: فهو ضد اتجاه الإسلام النظيف، وضد قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف، وضد كرامة المرأة الإنسانية. والذين لا يحفلون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، هم أنفسهم الذين يتعالمون على الله، ويتطاولون على شريعته؛ لأنهم لا يجدون من يردعهم عن هذا التطاول.

أما الاحتمال الثالث: فهو الذي يختاره الإسلام.. يختاره رخصة مقيدة لمواجهة الواقع.. يختاره متمشياً مع واقعية الإنسان وفطرته وظروف حياته[2].

أسباب تعدد الزوجات:
ومن هنا نرى أن الإسلام كان واقعياً حين شرع التعدد لما سبق ذكره وللأسباب والظروف الآتية:
أولاً: حالات الحروب التي تفني عدداً كبيراً من الشباب:
فيختل الميزان ويزيد عدد النساء على عدد الرجال، وعند ذلك يكون تعدد الزوجات ضرورة لاتقاء الفساد الخلقي والفوضى الاجتماعية التي تنشأ لا محالة عن وجود نساء بلا رجل، وقد تعمل المرأة لتعول نفسها وأهلها. نعم، ولكن حاجتها الطبيعية إلى الجنس كيف تقضيها؟ وما لم تكن هذه المرأة قديسة أو ملاكاً فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار؟

ثم حاجتها إلى الأولاد كيف تشبعها؟ والنسل شهوة بشرية لا ينجو منها أحد، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير منها عند الرجل؛ إنها كيانها الأصيل الذي لا تشعر دونه بطعم الحياة.

وأعرف نساءً كثيرات كان زوجها عقيماً وهي تحبه حباً شديداً ومع ذلك طلبت الانفصال، ورضيت أن تتزوج برجل متزوج من أجل شهوة النسل والولد.

فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات كلها بالنسبة للمرأة ذاتها -بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي لها دور في التاريخ- هل من سبيل إلى ذلك بغير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد، علانية وبتصريح من القانون، على أن تكون كل منهن أصيلة ذات حقوق متساوية في كل شيء (إلا عواطف القلب المضمرة فهذه ليس لأحد عليها سلطان) ذلك بعض هدف الإسلام في هذا التشريع، وما يقول أحد أن اشتراك امرأة في رجل مع امرأة أخرى فضلاً عن اثنتين أو ثلاث يريح نفسها ويمنحها السعادة التي تهفو إليها، ولكنها ضرورة، ولولا أنها تجد في هذا الاشتراك ضرراً أخف من بقائها عاطلة بلا رجل ما قبلت الإقدام على ما فيه من منغصات[3].

ثانياً: ما هو شبيه بحالة الحروب:
كالأعمال الخطرة والحوادث، وهذه الحوادث تخل التوازن بين الرجال والنساء؛ ومن ثَمَّ شرع التعدد.

ثالثاً: الطاقة الجنسية الحادة عند بعض الرجال:
حيث أن بعض الرجال لا يكتفي بواحدة؛ ولا يمكن له أن يصبر عليها، ونحن هنا نجد أنفسنا أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1- أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع الذي نصدره بعدم التعدد، وقوة السلطان، ونقول له: عيب يا رجل! إن هذا لا يليق، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك ولا مع كرامتها.

2- أن نطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء!

3- أن نبيح لهذا الرجل التعدد – وفق ضرورات الحال – ونتوقى طلاق الزوجة الأولى التي لا تكفيه أو تكون عائقاً أمام شهوته العارمة.

الاحتمال الأول: ضد الفطرة، وفوق الطاقة، وضد احتمال الرجل العصبي والنفسي، وثمرته القريبة – إذا نحن أكرهناه بحكم القانون وقوة السلطان – هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت، ومعاناة جحيم هذه الحياة.. وهذا ما يكرهه الإسلام؛ الذي جعل من البيت سكناً، ومن الزوجة أنساً ولباساً.

والاحتمال الثاني: ضد اتجاه الإسلام الخلقي، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية، ورفعها وتطهيرها وتزكيتها كي تصبح لائقة بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان!

اقرأ أيضا  ضوابط عمل المرأة في الإسلام

والاحتمال الثالث: هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية، ويلبي منهج الإسلام الخلقي، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية، ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما وعلى ذكرياتهما، وييسر على الإنسان الرفق واليسر والواقعية[4].

رابعاً: عجز الزوجة لعقم، أو عيب جنسي، أو مرض عضال[5]:
قد تعجز المرأة عن الوفاء باحتياجات الحياة الزوجية، وذلك بسبب عقمها فلا يتحقق التناسل وهو من المقاصد الرئيسة للزواج، أو بسبب عيبها الجنسي – كل ما يمنع الاتصال الجنسي بين الزوجين أو يحول دون كماله – وهنا يكون البلاء أشد، وقد يطرأ العجز نتيجة مرض عضال يصيب الزوجة فيشل حركتها عن القيام بما تتطلبه الحياة الزوجية من أعباء.

قد يبدو أن المثل العليا تفرض على زوج هذه المرأة أن يرعاها ويسهر على راحتها، لا يتخلى عنها بفراق أو طلاق، ولا يزيد آلامها بزواج جديد عليها من أخرى، فهو قد اختارها برضاه شريكة لحياته.. يقتسمان معاً مرارة الحياة وحلاوتها، وما كان في امرأته أو ما طرأ عليها من عجز كان أمراً خارجاً عن إرادتها لا ذنب لها فيه.

غير أن الواقع يحدثنا بأنه من غير المستساغ أن نطلب من الرجل أن يعيش مع هذه الزوجة وحدها إلى الأبد في عش زوجية تخيم عليه ظلال البؤس أو المرض، ولا يتزوج غير هذه العاجزة مهما كلف ذلك من مشقة وعناء. نعم، لا ذنب للمرأة في عجزها؛ ولكن ما ذنب الرجل معها، ولماذا نحكم عليه بالعجز مثلها؟

هكذا يحدث التعارض بين مصلحة كلٍّ من هذين الزوجين؛ فإذا حدث مثل هذا التعارض نرى معظم التشريعات – مستهدفة مصلحة الجماعة – تجيز للزوج غير العاجز طلب التفريق بينه وبين زوجه العاجز، حتى لا يجر العجز الفعلي لأحد الزوجين إلى عجز حكمي للزوج الآخر، وحتى يتحقق الكمال في العلاقات الزوجية، وقد يلجأ الرجل إلى طلاق زوجته عند عجزها، أو طلب فراقها إذا لم يكن الطلاق مباحاً، أو إلى الزواج عليها إذا كان له أن يعدد زوجاته، وتلجأ المرأة كذلك إلى طلب التفريق بينها وبين زوجها لعيبه الجنسي، أو للضرر إن أصابه مرض عضال، أو حتى لعقمه؛ تشهد على ذلك القضايا العديدة في المحاكم.

وإذا كانت المثل العليا تفرض على الزوج أن يبقى مع زوجته العاجزة مراعاة لمصلحتها، وكانت التشريعات لا تستطيع أن تحيد عن الواقع في أحكامها فتراعي مصلحة الزوج غير العاجز ومصلحة الجماعة في تكامل الأسرة؛ فإن تعدد الزوجات هنا حلاً تشريعياً لصالح المرأة، يوفق بين الرغبة في العمل بالمثل العليا وبين ما يفرضه الواقع من أحكام، ذلك أن تعدد الزوجات في هذه الحالات يحقق في وقت واحد مصلحة الزوج ومصلحة امرأة أخرى تشرق عليها شمس حياة زوجية كريمة؛ بل ومصلحة الزوجة العاجزة ومصلحة المجتمع في أن لا تفترق هذه الزوجة عن زوجها واستمرار الزوجة العاجزة في حياة زوجية -ولو كانت ذات مرارة- خير لها من أن تكون بغير زواج طريدة الطلاق، أو التطليق أو الفسخ، لعيب جنسي أو عقم أو مرض عضال؛ لأن الزواج عليها دون فراقها يبقي لها أمل الشفاء، ويحفظ لها كرامة الحياة الزوجية، وعيش هذه الزوجة العاجزة مع زوجها وهو راض النفس بعد الزواج الجديد خير لها من عيشها معه وهو ضجر ضيق الصدر.

حقاً.. إن البقاء مع الزوج العاجز رجلاً كان أو امرأة دون زواج جديد، هو بلا شك إيثار من الزوج الآخر، والإيثار – من الناحية الخلقية – مطلوب من الإنسان، ولكنه غير مفروض عليه. ولا شك أن هناك نوادر من الوفاء من جانب بعض الرجال أو من جانب بعض النساء ولكنها «نوادر» وليست الوضع الغالب في الحياة، ولذلك يتحدث الناس عنها كأعمال بطولية، والتشريع يعنيه الغالب من الحوادث دون النادر منها؛ لأنه حكم بين الناس يحسم مشكلة، وعلى غيره تقع مسئولية الوعظ والإرشاد، والتشريع الإسلامي هنا عندما يبيح تعدد الزوجات لا تغيب هذه المثل عن باله، وإنما يقدر مصلحة عامة أولى بالاعتبار من المصالح الخاصة بالأفراد؛ بل ويراعي في هذه المصلحة مصلحة المرأة العاجزة؛ لأن الزوج لو كان عاجزاً ورفضت المرأة البقاء معه لحصل الفسخ؛ ولذلك نجد أن كثيراً من خصوم التعدد يعترف بهذا الدافع، ويعتبره مسوغاً مشروعاً لتعدد الزوجات.

خامساً: الفارق العددي أو “العنوسة”:
قد تتأخر المرأة عن الزواج لأيِّ سبب كان فيتقدم بها العمر؛ والعانس هي المرأة التي تمكث في بيت أهلها ولم يتقدم لها أحد، وتختلف وجهات النظر في تحديد العمر الذي تصبح فيه المرأة عانساً؛ لأن تحديده أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان، والأعراف والمجتمعات، فالمرأة في مجتمعات سابقة إذا بلغت العشرين ولم تتزوج يمكن أن تُعدَّ عانساً، ولا تُعدُّ في زماننا عانساً، كما أنه في الزمان الواحد تختلف من مجتمع لآخر، فالعنوسة مرتبطة بالسن الذي ينصرف فيه عنها الخُطَّاب الأكْفاءُ الذين ترغبهم، ويتجهون إلى من هي أصغر منها.

وأنا أميل إلى أن بداية سن العنوسة بلوغ (25) سنة؛ بينما ذكرت «منظمة الأسكوا» استناداً إلى إحصاءات أجرتها أن عنوسة الفتاة تبدأ في سن الثامنة والعشرين ونصف[6].

فالفارق العددي للنساء الذي وصل في بعض البلدان (1: 4) يجعل التشريع الإسلامي ينظر إلى التعدد إلى أنه وسيلة مهمة جداً لإباحة التعدد؛ ومن ثم -أيضاً- مكافحة العنوسة والرحمة بهذه المرأة التي قد فاتها قطار الزواج لسبب من الأسباب.

وهذه طبيبة مشهورة حصلت على شهادة الدكتوراة في فنِّها وهي متخصصة في النساء والولادة تقول عن نفسها بعد أن فاتها قطار الزواج:
“إن النساء اللاتي يعالجن عندي في عيادتي ينظرن إلى هذه العيادة إلى أنها جنتي وهي سجني، وأن هذا الثوب الأبيض الذي ألبسه ينظرن إليه إلى أنه ثوب من حرير وهو ثوب كفني.. خذوا شهاداتي.. خذوا كل ما أملك وأسمعوني كلمة «ماما». ثم تقول بملء الحسرة: وأنا اليوم قد تجاوزت الأربعين من عمري، إنني اليوم مجرد امرأة فاقدة أي إحساس بالسعادة على الرغم من تفوقي ونجاحي العملي؛ لأني فقط لست أماً!!”.

اقرأ أيضا  المرأة على خط المواجهة!

وتقول عانس أخرى: “ليت والديَّ أجبراني على الزواج.. لقد ضرني والدي كثيراً حين ترك لنا الحرية في تأجيل الزواج لمواصلة تعليمنا، وكذلك ضرتني والدتي حين لم تحذرني من أنني قد أندم حين أكبر وأبقى دون زواج”[7].

وخلاصة القول:
إن نظام التعدد يتيح الفرصة أمام كثير من العانسات، فعيش هؤلاء العانسات بدون زواج أشد ضرراً من عيش بعضهن بنصف أو ثلث أو ربع زوج.

سادساً: حب الرجل لأخرى كسبب لتعدد الزوجات:
من المعروف أن الحب الذي قد ينشأ بين الرجل والمرأة ويدفعه إلى زواجها له أسبابه العديدة، ومن الخطأ أن نتوهم سبباً جنسياً وراء كل حب بين الرجل والمرأة يدفعهما إلى الزواج؛ ذلك أن ظروف العصر الحديث تصنع البؤرة الصالحة لنشأة الحب بين الرجل والمرأة، ولو كان أحدهما متزوجاً فالمرأة اليوم لم تعد بعيدة عن الرجل الأجنبي عنها؛ بل قد تكون أقرب إليه من زوجته في أكثر الأحوال، فهو يقضي معها في محل عملها زهاء ست ساعات متواصلة -وقد تطول أكثر- وقد لا يقضي مثل هذا الوقت مع زوجته اللهم إلا نائماً أو مشغولاً عنها، وقد يرى الرجل من زميلته في العمل ما لا يراه من زوجته، فيرى من زميلته جمالاً باهراً، وقد تربطه بها علاقة طيبة من حيث المعاملة في المكتب، وقد يسمع أحياناً منطقاً ساحراً.. ومن السهل أن يلتقي الرجل بالمرأة الأجنبية عنه في كل مكان، وللعيون نظرة، وللقلوب هوى، ولمشاعر الرجل والمرأة تفاعل قد يفوق التفاعل بين أية عناصر طبيعية أخرى.

ومن هنا نجد أن الشرع الحكيم نظر إلى المصالح المتعارضة: مصلحة الزوجة في أن لا يتزوج الزوج عليها، ومصلحة الزوج والمرأة الجديدة التي أحبها في أن يجمع بينهما عش الزوجية كما سبق للحب أن جمع بين قلبيهما، ومصلحة المجتمع في أن يحافظ على الأسرة القديمة، وفي أن يراقب العلاقة الجديدة خشية في أن تجري في السر وفي غير حلال وضد الدين.

ولو منعنا التعدد هنا وقالت المرأة: أفضل أن يزني زوجي ولا يتزوج عليَّ – كما قالته البعض منفعلة – فإننا نقع في أمرين خطيرين:
الأول: إما فتح باب الخليلات.

الثاني: أو طرق باب التخلص من الزوجة السابقة بطلاق أو بغيره، وليس ذلك في صالح المرأة ولا في صالح الرجل، ولا في صالح النظام الاجتماعي، تشهد على ذلك المآسي والمشاكل التي نسمعها ونقرأها في وسائل الإعلام.

والحق يقال: إن زواج الرجل بمن أحبها على زوجته أكرم له من انحرافه وخيانته، وتضييع وقته وجهده وماله على الحبيبة الجديدة، وأكرم كذلك لامرأته السابقة ولأولاده، وأشرف للمجتمع وأطهر للمرأة الجديدة، وهو كذلك خير من فراقه لزوجته السابقة في أكثر الأحوال مع ما يحصل للأولاد من تشرد وضياع[8].

سابعاً: كره الرجل زوجته:
قد يكره الرجل زوجته لسبب من الأسباب ولا يجد نحوها ميلاً أو رغبة، ربما لأنها سيئة الخلق، أو دميمة الخلقة، الأمر الذي يفقد الرجل رغبته الجنسية نحوها، وترى هذه المرأة أن من مصلحتها وخيرها أن تعيش مع زوجها الكاره لها لأسباب تحتم عليها ذلك، فيتزوج الرجل بامرأة أخرى تعصمه عن الوقوع في الفاحشة.

ثامناً: الرغبة في الإنجاب:
فالرجل ينجب حتى بلوغ السبعين سنة وأزيد، والمرأة تتوقف عن الإنجاب في الأربعين أو الخامسة والأربعين، والغالبية في سن الخمسين، والفارق تقريباً ثلاثين سنة، فيتزوج الرجل ليستفيد من هذا الفارق ويكثر من الأولاد ومن هذه الرغبة الفطرية لديه.

تاسعاً: وفاة زوج لامرأة قريبة للرجل:
كأن يموت زوج إحدى قريبات الرجل كابنة العم أو الخال مثلاً، ولديها أطفالويريد هذا الرجل أن يتزوج هذه القريبة ليحفظها ويحفظ أولادها، ولا يريد من الغرباء أن يرعوا أولاد قريبته؛ وربما لو لم يتزوجها لعرض المرأة أو أولادها للضياع والتشرد والعوز.

عاشراً: الجمال البسيط أو وجود عاهة بالمرأة[9]:
امرأة تولد وجمالها بسيط أو يكون بها عاهة، وهي بطبيعة الحال ليس لها دخل في خلقها، فهل يجوز لنا أن نحرمها من متعة الحياة الزوجية وإنجاب الأطفال؟

الجواب: لا يجوز لنا ذلك، والإسلام يشحذ همم المؤمنين ويشجعهم على الزواج بأمثال هذه المرأة وإدخال الفرحة والسرور إلى قلبها.

حادي عشر: غلط الرجل على المرأة:
قد يكون التعدد في بعض الأحيان تصحيحاً لغلط وقع بين الرجل وامرأة؛ والمرأة بطبيعة الحال هي كبش الفداء لهذا الخطأ فإنه يؤذيها في شرفها وكرامتها وسمعتها، وعلاج هذا الخطأ هو أن يتزوجها الرجل الذي غلط معها ولو كان متزوجاً من ذي قبل[10].

ثاني عشر: عودة المطلقة إلى عصمة زوجها السابق:
قد يفترق الزوجان بطلاق أو تطليق، ثم يرى الزوج بعد زواجه بأخرى أن يضم إلى عصمته زوجته السابقة وتبادله هذه الرغبة، بعد أن عفى الزمان على أسباب الخلاف بينهما، أو بدافع رعاية أبنائهما، أو لغير ذلك من الأسباب. وتعدد الزوجات هو الحل الأمثل لمثل هذه الحالات، فهو يبقي الزوجة الجديدة دون فراق، ويعيد المطلقة إلى زوجها السابق، ويكفل لأولاد المطلقة العودة إلى العيش الذي كان يجمع والدهم ووالدتهم معاً، وإذا لم يكن تعدد فتضيع الأسرتين…

وخلاصة القول:
إن هذه ليست كل المسوغات للأخذ بنظام تعدد الزوجات، وهناك بالتأكيد مسوغات أخرى تختلف من مجتمع إلى آخر، وتكون دافعاً للرجل المسلم على التعدد والإسلام حين أباح التعدد لم يترك الأمر لهوى الرجل؛ ولكنه ليقيد التعدد بالعدل وإلا امتنعت الرخصة المعطاة للرجل!!

وقد كان الرجل في الجاهلية يتزوج ويعدد ما شاء من النساء، فجاء الإسلام ليحدد التعدد. روى البخاري بإسناده أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة؛ فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: (اختر منهن أربعاً)[11].

وروى – أيضاً – أن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: (اختر منهن أربعاً)[12][13].

فقد جاء الإسلام إذن وتحت الرجل عشر نسوة أو أكثر أو أقل – دون حد ولا قيد – فجاء ليقول للرجال: إن هناك حداً لا يتجاوزه المسلم هو أربع، وإن هناك قيداً هو إمكان العدل وإلا فواحدة[14].

اقرأ أيضا  تركية تتبرع لحلب بـ"خاتم زواجها"

كما أن الإسلام لم يجعل نظام تعدد الزوجات فرضاً لازماً على الرجل المسلم، ولا أوجب على المرأة أو أهلها أن يقبلوا الزواج برجل له زوجة أو أكثر، وأعطت الشريعة المرأة وأهلها الحق في القبول إذا وجد أن في هذا الزواج منفعة ومصلحة لابنتهم، أو الرفض إذا كان الأمر على العكس من ذلك. وإذا قبلت المرأة الزواج برجل متزوج فهذا دليل واضح على قناعتها التامة بأن زواجها لن يلحق بها ضرراً، ولن يكون فيه إجحاف لحقها أو إهدار لكرامتها[15].

شروط التعدد:
اشترطت الشريعة الإسلامية شروطاً للتعدد هي:
الشرط الأول: العدد: فيباح تعدد الزوجات حتى أربع كحد أعلى.

الشرط الثاني: النفقة: وتشمل هذه النفقة على الطعام، والشراب، والكسوة، والمسكن والأثاث اللازم له؛ فالرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة فإنه لا يحل له شرعاً أن يتزوج بأخرى، فالقدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها واجب كما يظهر من قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3] فقوله: ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾، أي: لا تكثر عيالكم فتصبحوا غير قادرين على تأمين النفقة لهم.

الشرط الثالث: العدل: فالتعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، ومن لم يكن متأكداً من قدرته على تحقيق العدل بين زوجاته فإنه لا يجوز له أن يتزوج بأكثر من واحدة. ولو تزوج الرجل بأكثر من واحدة وهو واثق من عدم قدرته على العدل بينهن؛ فعقد الزواج صحيح وهو آثم.

فالعدل المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة، أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بني الإنسان؛ لأنه خارج عن إرادة الإنسان، وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية في هذه السورة: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ [النساء: 129] هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلاً على تحريم التعدد، والأمر ليس كذلك، وشريعة الله ليست هازلة حتى تُشرِّعَ الأمر في آية وتُحرمه في آية بهذه الصورة التي تعطي باليمين وتسلب بالشمال! فالعدل المطلوب في الآية الأولى، والذي يتعين عدم التعدد إذا أضيف ألا يتحقق هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيء منها؛ وبحيث لا تُؤْثِر واحدة دون الأخرى بشيء منها على نحو ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية يقوم به، في الوقت الذي لم يكن أحد يجهل من حوله ولا من نسائه أنه كان يحب عائشة رضي الله عنها، ويؤثرها بعاطفة قلبية خاصة لا تشاركها فيها غيرها، فالقلوب ليست ملكاً لأصحابها، إنما هي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يعرف دينه ويعرف قلبه فكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)[16] [17].

فالميل القلبي ليس على الزوج فيه سلطان؛ لكن يجب عليه أن لا ينصرف كلية عن زوجته فيذرها كالمعلقة، فلا هي ذات زوج ولا هي معلقة، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ بل على الزوج أن يعامل زوجته بالحسنى حتى يكسب مودتها، وأن الله لا يؤاخذه على بعض الميل إلا إذا أفرط في الجفاء، ومال كل الميل عن الزوجة الأولى[18]. فحينئذٍ يؤاخذ ويأثم، ويدل لذلك قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان الرجل عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط)[19].

وإذا وجد العدل خفت الغيرة بين النساء كثيراً، واطمأنت المرأة على مستقبلها مع زوجها وضرتها. وهذا معاذ بن جبل ت يُروى عنه أنه ماتت له زوجتان في يوم واحد، وبعد الانتهاء من مراسم الجنازة وعند القبر أقرع بينهما ت أيهما تدخل في قبرها أولاً. قمة العدل والمراعاة حتى بعد الممات رضي الله عنهم أجمعين.

________________________________________
[1] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني: د. محمد سعيد البوطي (ص:121).
[2] في ظلال القرآن: سيد قطب (1/580).
[3] شبهات حول الإسلام: محمد قطب (ص:135-136).
[4] انظر في ظلال القرآن: سيد قطب (1/581).
[5] انظر: تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية: عبد الناصر العطار (ص:25) وما بعدها.
[6] شريك العمر كيف تخططين بوعي للاقتران به: عبد الله المديفر (ص:44).
[7] المرجع السابق (ص:53)، وراجع للزيادة: غير متزوجات ولكن سعيدات: محمد رشيد العويِّد، وكيف تزوج عانساً، خالد الجريسي.
[8] بتصرف من كتاب: التعدد من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية: د. عبد الناصر العطار (ص:28) وما بعدها.
[9] نظرات في تعدد الزوجات: د. محمد مسفر الزهراني (ص:74).
[10] المرجع السابق (ص:75).
[11]أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/248) عن عثمان بن محمد، ورواه أحمد (2/13، 44، 83)، وابن ماجه (1/628)(1953)، الترمذي (3/435)(1128)، الحاكم (2/210)، الدارقطني(3/269) عن بن عمر.
[12] البخاري في التاريخ الكبير (2/262).
[13] راجع: في ظلال القرآن (1/578) وما بعدها.
[14] راجع: في ظلال القرآن (1/578) وما بعدها.
[15] نظرات في تعدد الزوجات: د.محمد بن مسفر الزهراني (ص:40).
[16] أبو داود (2/242) (2134)، النسائي (7/63-64)، الترمذي (3/446) (1140)، ابن ماجه (1/633) (1971)، الدارمي (2/193) (2207)، ابن حبان (10/5) (4205)، الحاكم (2/204).
[17] في ظلال القرآن (1/582).
[18] نظرات في تعدد الزوجات: محمد الزهراني (ص:41).
[19] الترمذي (3/447) (1141)، أبو داود (2/242) (2133) عن أبي هريرة.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.