من شروط الحجاب : ألا يكون لباس شهرة وألا يشبه لباس الكافرات

الإثنين 6 محرم 1437//19 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
علي محمد مقبول الأهدل
من شروط الحجاب الشرعي
ألا يكون لباس شهرة وألا يشبه لباس الكافرات
ألاَّ يشبه لباس الكافرات:
لا يحل للمسلم أو المسلمة أن يتشبه بالكافرين في أقوالهم وأفعالهم، ولا في أعيادهم وملابسهم، ولا في أي شأن من شؤونهم التي يتميزون بها عن غيرهم.

وقد نهى الإسلام عن هذا التشبه أشد النهي، ليتميز المسلمون بشخصيتهم المتفردة عمن سواهم في كافة شؤونهم وأحوالهم؛ لأن موافقتهم للكافرين في أقوالهم وأفعالهم وأعيادهم وملابسهم تدفعهم إلى التشبه بهم فيما يُفسد عقيدتهم فتذوب شخصيتهم ويصبحون تبعاً لأعدائهم[1] وهنا تكمن الخطورة.

ولذلك نجد أنه ظهر في هذا الوقت ما يسمى بـ(الموديلات) التي هي من لباس الكافرات، والتي تتغير كل يوم من سيء إلى أسوأ، وكيف ترضى امرأة شرفها الله بالإسلام ورفع قدرها؛ أن تكون تابعة لمن يملي عليها صفة لباسها؛ بل صفة تجملها عموماً ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؟!

وإن كثيراً من صفات لباس المرأة اليوم، لا يتفق مع الضوابط التي حددها الإسلام في باب اللباس؛ وليس أن يمنع التجديد صفة اللباس والخياطة والتفصيل ما دامت متفقة مع تعاليم الإسلام في صفة اللباس، لكننا الآن نرى كل يوم صفة جديدة للخياطة والتفصيل!!

فمن أين جاءت؟ وما مدى تحقيق شروط اللباس فيها؟ وما دور المسلمة في ذلك؟ أهو التعقل ومعرفة حكم الإسلام، أو هو إجادة التقليد وحب التبعية والإعجاب بما عليه الآخرون من خير أو شر؟!

لقد انتشرت في المكتبات (مجلات الأزياء) التي تُعنى بصفة لباس المرأة، وتنويع التفصيل، وتسابق النساء إلى اقتنائها؛ بل إن مما يؤسف لها أن بعضهن له اشتراك سنوي أو شهري في هذه المجالات، التي هي من وضع مصممي الأزياء الذين خدعوا نساءنا باسم الموضة، وسخروا منهن لترويج بضاعتهم مع إفساد الأخلاق، والقضاء على العفة والنزاهة[2].

ولانتشار هذه المجلات محاذير عديدة منها:
1- إن هذه الأزياء والموديلات تتنافى غالباً مع قواعد الإسلام في لباس المرأة؛ لأنها صممت في بلاد الكفر والإباحية التي لا ترى بأساً في العري، أو وصف حجم البدن، أو ظهور ما يسبب الفتنة، ونحو ذلك مما تشتمل عليه.

2- إن المرأة تتطلع إلى كل زي جديد، فيقضي ذلك – بالتدريج – نبذ أحكام ديننا والتأثر بأزياء لا تمت إلى الإسلام بصلة، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، وهذا الواقع.

3- إن التهافت على شراء هذه المجلات واقتناءها يوحي بأن عندنا نقصاً في موضوع لباس المرأة، نريد تكميله من غيرنا، ولا ريب أن تشبه أمة بأمة في غير ما أُذِن فيه ينافي الدين، وهو دليل الضعف والانحطاط والإحساس بالهزيمة وفقدان الثقة[3].

اقرأ أيضا  حفظ سر المتعلم والنصح له بطريقة حسنة

وخلاصة القول:
أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم في اللباس وغيره من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، ولما يترتب على التشبه بالكفار من آثار سيئة على عقيدة المسلمين وسلوكياتهم، وتشبه المرأة المسلمة بالكافرات في اللباس دليل على ضعف وانهزامية، وعقدة نقص، مما جعل المرأة المسلمة تزيل هذا النقص بالتشبه بالكافرات في اللبس والأوضاع والمناهج؛ وهذا يورث مع الأيام الميل إلى حب الكافرات والإعجاب بهن وتقليدهن في كل شيء والعياذ بالله.

ألا يكون الحجاب لباس شهرة:
فلا يجوز لامرأة مسلمة أن تختار من ألوان الثياب ما ترضي به رغبة الدعاية، ولا يتعلق بضرورة اللباس، أو حسنه وجماله في حدود المباح، وإنما لأجل أن ترفع إليها الأبصار، أو تفتن تلك النظرات الجائعة! وقد ورد عن عبدالله بن عمر ي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً)[4].

وثوب الشهرة هو الذي إذا لبسه الإنسان اشتهر به بين الناس.

قال الشوكاني[5]:
(والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة، وليس هذا الحديث مختصا ًبنفيس الثياب؛ بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوباً يخالف ملبوس الناس من الفقراء، يراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه).

وعلى هذا فيكون اللباس لباس شهرة ولو كانت المرأة في مجمع نسائي، والواقع أن هناك ألبسة على بعض النساء لا يبعد أن تكون من لباس الشهرة[6].

ومن ذلك ما تفعله بعض النساء اليوم من ارتياد المتاجر الشهيرة، ذات (الماركات العالمية) والأسعار المرتفعة لشراء حاجاتهن، ثم ارتداء تلك الملابس بقصد أن يرفع النساء إليهن أبصارهن؛ أو ليُعرفن بالزهو والخيلاء على غيرهن، هو من الحرام الذي يورث من تفعله الذل والمهانة، مع ما يصاحبه في الآخرة من عذاب النيران جزاءً وفاقاً على زهوهن، وكسر قلوب من يجالسهن، وجرح مشاعرهن وخواطرهن، وقد يؤدي ذلك إلى وقوع الشقاق بين هؤلاء وأزواجهن، لعدم استطاعتهم تلبية رغباتهن[7].

وخلاصة القول:
لقد ذكر العلماء أنه يكره للإنسان مخالفة زي بلده وأن ذلك داخل في لباس الشهرة؛ بل قال بعضهم: يحرم ذلك، فينبغي للمرأة المسلمة أن تلبس لباس بلدها إذا كان موافقاً للشرع لئلا يشار إليها بالأصابع؛ ولأن لباس غير أهل بلدتها ربما يزري بصاحبته وينقص مروءتها.

ومما سبق من شروط الحجاب الشرعي يتبين لنا: أن الإسلام قد قام بتنظيم زينة المرأة وضبطها، فالزينة حلال للمرأة تلبية لفطرتها، فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، وأن تبدو جميلة. والزينة تختلف من عصر إلى عصر، ولكن أساسها في الفطرة واحد، هو الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله وتجليته للرجال.

اقرأ أيضا  الاختلاط وآثاره الاجتماعية

والإسلام لا يقاوم هذه الرغبة الفطرية، ولكنه ينظمها ويضبطها، ويجعلها تتبلور في الاتجاه إلى رجل واحد -هو شريك الحياة- يطلع منها إلى ما لا يطلع أحد سواه، ويشترك معه في الاطلاع على بعضها المحارم.

والمرأة المسلمة – اليوم – تتلقى أمر الله في الزينة، وهي طائعة مؤمنة لا تتلكأ في الطاعة، بل تطيع فوراً؛ لأنها تعرف أن الإسلام رفع ذوق المسلمة وطهر إحساسها بالجمال؛ فلم يعد الطابع الحيواني للجمال هو المستحب -كما نراه اليوم ونشاهده- بل الطابع الإنساني المهذب هو الأصل وهو الجمال الحقيقي.

وجمال الكشف الجسدي هو جمال غير مهذب يهفو إليه الإنسان الشهواني مهما كان هذا الجمال فيه من التناسق والاكتمال؛ لكن جمال الحشمة هو الجمال النظيف الذي يرفع الذوق الجمالي ويجعله لائقاً بالإنسان.

إن كثيراً من الرجال – اليوم – تثير شهواتهم رؤية حذاء المرأة أو ثوبها، أو حُليِّها، أكثر مما تثيرها رؤية جسد المرأة ذاته.

كما أن كثيرين يثيرهم طيف يخطر في خيالهم، أكثر مما يثيرهم شخص المرأة بين أيديهم – وهي حالات معروفة عند علماء الأمراض النفسية اليوم – وسماع صوت الحلي أو الحركة، أو شم شذى العطر من بعيد قد يثير حواس رجال كثيرين ويهيج أعصابهم، ويفتنهم فتنة جارفة لا يمكن لها رداً، والواقع العملي المشاهد يشهد بذلك.

ولذلك نجد أن القرآن الكريم يسد هذه الطرق كلها ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31] والذي قال ذلك هو سبحانه وتعالى، الذي خلق المرأة وخلق الرجل، وهو الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير[8].

بقيت مسألة قد يثيرها البعض وهي: هل الحجاب عائق عن تقدم المرأة؟!
كثيراً ما يطرح محترفو الإساءة إلى الإسلام، والذين يضيقون به ذرعاً، لارتباطات شخصية أو لأسباب نفسية أمثال العبارات الآتية:
الإسلام كبل المرأة بأثقال الحجاب..! الإسلام فرض على المرأة التخلف عندما ألزمها بالحجاب.. تقدم المرأة وتحررها رهن بتحررها من قيود الحجاب…إلخ.

فإذا بدأنا وحررنا أنفسنا قبل كل شيء من التقيد بالأسبقيات والانقياد لها أياً كانت هذه الأسبقيات فإن الجواب الموضوعي المتحرر من الأسبقيات هو أنه لا تبدو أي علاقة بين الحجاب الذي شرعه الله وبين التخلف، كما أنه لا توجد أي علاقة بينه وبين التقدم.

فلم يكن يوماً ما شكل الثوب الذي ترتديه المرأة، أو نظامه، طولاً وقصراً، أو عرضاً واتساعاً، ذا أثر في توجهها العقلي أو نشاطها الإنساني، ومنذ أقدم العصور إلى اليوم كانت البلاد والمجتمعات الإنسانية ذات تقاليد متنوعة ومختلفة جداً في (هندسة) الثياب وأشكالها، بالنسبة لكل من الرجال والنساء معاً، فما سمعنا وما سمع أحد، أن تنوع الثياب هذا لعب دوراً في تفاوت تلك الأمم والجماعات في خطوط التقدم العلمي والحضاري.

اقرأ أيضا  من الشمائل والصفات المحمدية .. نصرة المستضعفين

إن الثياب التي يرتديها الهنود – رجالاً ونساء – ذات طابع فريد من نوعه. والثياب التقليدية العريقة التي ترتديها نساء اليابان، كانت ولا تزال ذات طابع فريد مختلف، كما أن الثياب التي تستريح إليها الأوروبيات والأمريكيات هي الأخرى ذات طابع مختلف. ولم يشعر أي من هذه الأمم بأن هذا التنوع الكبير في (موديلات) الثياب، ينبغي أن ينتج عنه تنوع مماثل في درجة التقدم. والحضارات التي سادت يوماً ما كالحضارة الساسانية، والبيزنطية، والإسلامية، وغيرها، لم تقف عن شيء اسمه مشكلة الثياب ولم تناقش فيها؛ بل لم تشعر بها.

فمن أين جاءت، ومتى ولدت هذه الحقيقة التي لا علم للعالم كله ولا لتاريخه بها؟
وبناءً على هذا المنطق فإننا نجد في أطراف الخليج فتيات ونساء جاهلات يسابقن فتيات الحي (اللاثيني) وأندية (الشانزليزيه) في باريس في المظهر والزينة والتحرر، فهل انعتقن بهذه الرقية السحرية من الجهالة والتخلف، وسجلت أسماؤهن في ديوان العالمات المتقدمات؟

وفي عمق بلادنا العربية كاليمن ومصر والشام، نساء متحجبات، بلغن الذروة في اختصاصات علمية متنوعة، وساهمن إلى أقصى الحد في الأنشطة والخدمات الاجتماعية المتنوعة، فهل أهدرت حشمتهن التي استجبن فيها لحكم الله تعالى كل ما شهد لهن به مجتمعاتهن من الامتياز العلمي والسبق الحضاري، والنشاط الاجتماعي، فتحولن في لحظة سحرية عجيبة إلى جاهلات رجعيات متخلفات؟!

________________________________________
[1] حجاب المسلمة: د. محمد فؤاد البرازي (ص:329).
[2] عبد الله الفوزان: زينة المرأة المسلمة، (ص:48) وما بعدها.
[3] راجع: زينة المرأة المسلمة، (ص:49).
[4] أخرجه أبو داود في كتاب اللباس (باب:5) في لبس الشهرة، (ج:4/314)، وابن ماجه في كتاب اللباس (باب:24) من لبس شهرة من الثياب، (ج:2/1192)، وقد حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، حديث رقم (3607)، (ج2/284)
[5] نيل الأوطار، (ج2/126)
[6] زينة المرأة المسلمة: عبد الله الفوزان، (ص:58-59).
[7] حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين: د. محمد البرازي (ص:307)
[8] راجع: دستور الأسرة في ظلال القرآن، سيد قطب (ص:189).
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.