مهند مهندس انتفاضة القدس
د. محمد رمضان الأغا
الأحد 27 ذو الحجة 1436//11 أكتوبر/تشرين 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
ووري جثمان مهند ثرى الأرض المباركة، لكن روحه سبقت إلى الفراديس العلا ليكون من السابقين السابقين، يصب جام غضبه على شياطين الإنس ومن والاهم، وهو هناك حيث اللامكان واللازمان والعشق الأبدي والخلود الدائم.
الشهيد مهند حلبي (19 عامًا) لم يشهد وعيه انتفاضة الأقصى، ولم يتعلم في محاضنها الميدانية، مهند تشكل وعيه على مفاوضات فاشلة، وتنسيق أمنى، واعتقالات للمقاومين، وشخصيات (VIP) التي تجتاز الحواجز والطوابير من الشعب تذل بطريقة ممنهجة، وفشل ذريع في بناء الأهداف فضلًا عن تحقيقها، وشرائحية مجتمعية واضحة المعالم.
مهند يذكر كحلم قتل عرفات، ويذكر كحلم أيضًا فوز عباس وفوز حماس في انتخابات 2005م و2006م، لكنه أدرك بوعي حصارًا لغزة عنيفًا أسوأ إفرازات وصور الاحتلال الكريهة إلى النفس الحرة، وقتلًا بطيئًا ممنهجًا للأطفال والنساء والشيوخ والمرضى.
مهند أدرك حربًا على غزة كان شهداء ضربتها أو دقيقتها الأولى مئات من الشباب في سنه يوم استشهاده، مهند شهد حربًا ثانية وثالثة على غزة بصمود تجاوز الخمسين يومًا، أسطورة صمود ومقاومة أمام آلة الغطرسة بكل مكوناتها المحلية والإقليمية والدولية.
مهند كان وعيه يتشكل على نار هادئة يوقدها الاحتلال بكل مكوناته السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، مهند درس مناهج كانت إفرازًا طبيعيًّا لأوسلو التي ولدت قبل أن يولد بسنتين أو ثلاث، مهند ظنه دايتون سيكون عقلًا لينًا طريًّا قابلًا للتشكل حسب قالب أوسلو، ودايتون، والتنسيق الأمني، و(بيت إيل)، وغزة التي سيغرقها البحر والفقر والحصار المجنون.
مهند يلتحق بكلية الحقوق في القدس، مهند في نفسه يلتحق بكلية الحق لا الحقوق المسلوبة المنهوبة، مهند يقرر أن كلية الحق هي بيته وعلمه وحياته ومصيره، علموه في السنة الأولى أن الحق حقوق؛ فلم يقتنع بعلم العلماء والمربين والمعلمين والقادة هنا وهناك وهو يرى الأقصى جريحًا أسيرًا، تركه أهله الذين تجاوز تعدادهم المليار ونصف المليار، أو زد على ذلك قليلًا.
قرر مهند أن يلتحق بكلية الحق لا الحقوق وهو يدرك أن الحق واحد لا تعداد له، قرر مهند أن يدرس في كلية الحق وظنه العاديون والعاجيون أنه واقع ضمن عمليات هندسة العقول الجديدة أو هندسة العقل الفلسطيني الجديد، مهند لم يقتنع بترهات الألفية الثانية وإغراءاتها وعولمتها وعمليات الغسل المرعبة لأدمغة مئات الملايين من البشر، في أكبر عملية غسل أدمغة تشهدها البشرية منذ فجرها على هذه الأرض.
مهند معتاد كل صباح أن يتمشى في أزقة القدس وشوارعها وحاراتها مع أصدقائه إلى الجامعة وعند العودة منها، لكنه اليوم يفقد صاحبًا وصديقًا وحبيبًا وزميلًا، يتمشى وحده حزينًا وقوة حزنه لا تعادلها إلا قوة إرادته، مهند كعادته يرابط في الأقصى خلسة وهو الممنوع من دخوله او الصلاة فيه فقط لأن عمره أقل من خمسين، يا جبنكم!، ويا عهركم!، هل سينتظر المهند ثلاثين عامًا حتى تسمحوا له بالصلاة في الأقصى، عهر السياسة وعهر الحضارة الكاذبة يفعلان أكثر من ذلك.
مهند يمشي وحيدًا إلى عزاء صديقه، يقف خاشعًا باكيًا قويًّا رائعًا بين يدي الشهيد والشهادة، مهند يذوب في عناق والد صديقه، يقبله وهو يشعر أنه يقبل روح صديقه، مهند يوشوش ذاته، لا يبوح لأحد بوشوشاته، يبوح بها فقط لتراب القدس وشوارعها وحاراتها، للأقصى حبيبه المحروم منه، يتمشى ويتمشى ويتمشى ليس ليضيع الوقت ولا ليقرر، بل ليخطط خطته التي يعلم فيها معلميه وأساتذته وقادته بأطيافهم كافة أن يمشوا خلفه في الطريق نفسه؛ فالقائد الحق ليس من سار في طريق مرسوم بل من رسم طريقًا يجعل الآلاف بل مئات الآلاف من الناس يمشون فيه خلفه.
مهند لم يتردد واستل مسدسًا من يد ضابط في جيش الاحتلال ليدافع به عن القدس والأقصى، ويقول للناس جميعًا: “أنا اليوم ألتحق بكلية الحق لا الحقوق”، فمن سيلتحق بك _يا مهند_ في كليتك الجديدة؟، لهفي عليك أيها البطل تقود أبطالًا، ألف سلام عليك في عليين وعلى من معك هناك، يرقبون جامعة الحق في القدس وقد ترعرع البنيان فيها عملاقًا.
المصدر : فلسطين أون لاين