نبأ القرآن
الجمعة،25ربيع الأول1436الموافق16يناير/كانون الثاني2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
الإعجاز العلمي، التفسير العلمي، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، مصطلحات ثلاثة تتردد على ألسنة وفي كتابات الذين يتناولون موضوع العلم في القرآن الكريم، ومن معايشتي لقضية إعجاز القرآن – سواء بالكتابة أو الحديث، وبعد قراءتي للكثير مما كتِب في هذا الموضوع – تبيَّن لي بجلاء لا لبْس فيه أن تلك المصطلحات الثلاثة وجه واحد لحقيقة أكيدة، وتلك الحقيقة هي نبأ القرآن.
ومِن ثَمَّ؛ فإن الإعجاز العلمي يمكن تعريفه بمنتهى البساطة، على أنه: سبق القرآن بالإخبار عن حقيقة أثبتها في الماضي أو يثبتها العلم في الحاضر أو المستقبل، مع ثبوت عدم إدراكها بالوسائل البشرية عقب نزول الآية القرآنية ذات الصلة، وهنا ينتهي التعريف ويأتي الإيضاح.
فمن التعريف يتضح أن العلم الكوني القرآني يحتوي تطوُّر العلم خلال الزمن كله، ويثبت صلاحية القرآن للعقل البشري على مر العصور والأزمان، ويتأكد أيضًا أن القرآن مهيمن على العلم، ومِن ثَمَّ فهو يقود ولا يقاد، وبناءً عليه، فإن على العلم – العلم الكوني – أن يثبت نفسه في القرآن، وأنعم بتلك الشهادة للعلم، كما لا ينبغي أن نجرَّ العلم جرًّا؛ ليمسك بتلالبيب الآية القرآنية، وقديمًا قال العلماء: إن وافق العلم ظاهر الآية القرآنية أخذنا به، وأن خالفه رَددناه، وصحيح العلم لا يتعارض مع صريح النقل، ولذا فإن حقائق العلم المتفق عليها لا يمكن إطلاقًا إلا أن تتفق مع النص القرآني، ومن الخطأ الجسيم أن تتعارض حقائق العلم الكوني مع حقائق القرآن ذات الصلة.
ويتأتى التعارض فقط من طريق الخطأ، والخطأ الذي أعنيه إنما يتمثل في أمرين اثنين؛ إما من قصور في فَهم النص القرآني المبرأ من الاختلاف، أو من عدم إدراك الحقيقة القرآنية.
لنأخذ على ذلك مثلاً مفهومَ الذرة في القرآن والعلم الحديث: فحينما لم يكن معروفًا للأقدمين لفظ الذرة الحقيقي، فقد اعتبروها الهباءة أو الدودة الحمراء الصغيرة جدًّا، ولم يَفطَنوا إلى أن القرآن قد ذكر أن الذرة موجودة في السموات والأرض، ومِن ثَمَّ فإن تفسيرهم للذرة بالدودة الحمراء الدقيقة يعد خطأً لسبب يسير، وهو أنه إلى الآن لم يثبت وجود حياة خارج نطاق الأرض، والدودة الصغيرة كائن حي، ومن بعد الأقدمين جاء اللاحقون يفسرون الذرة على أنها الجوهر الذي لا ينقسم، ومِن ثَمَّ فهي أصغر وحدة في الوجود، وحديثًا اكتشفت الذرة ومكوناتها، وثبت وجود ما هو أصغر من الذرة.
هنا يتجلى الإعجاز القرآني في الإشارة إلى انقسام الذرة، ويصبح مفهوم الذرة الحديث صحيحًا عند عرضه على آيات القرآن التي وردت فيها كلمة الذرة، وبالتال لم يعد هناك تعارض بين الذرة في النص القرآني الإلهي والنص العلمي الصحيح، وهنا علِمنا نبأ القرآن عن الذرة بعد حين من نزول النص القرآني؛ حيث يذكر القرآن أن للذرة مثقالاً، وأن المثقال مثاقيل، وأنه يوجد ما هو أصغر من الذرة، يتضح ذلك من عرص جميع الآيات ذات الصلة في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40].
﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3].
﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
هنا نرى أن من الإنصاف أن يبدأ التأريخ لعصر الذرة بالنصوص القرآنية ذات الشأن.
ويتضح بجلاء أن التعريف الصحيح للإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو الترجمة الحقيقية لآية ذكرت مرة واحدة في القرآن في قوله تعالى: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص: 88]، ومن عجيب القرآن أن هذه هي خاتمة سورة (ص) التي مطلعها ذكر للقرآن؛ حيث يقول تعالى: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ص: 1، 2].
فالحمد لله الذي هدانا لفَهم نبأ القرآن بعد حين من نزوله على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والحمد لله الذي جعلنا من أُمة القرآن.
المصدر:الألوكة