نشأة أصول الفقه

الثلاثاء 18 صفر 1437//1 ديسمبر /كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية
أصول الفقه له أصل من الكتاب والسنَّة، وله أصل من كلام الصحابة – رضي الله عنهم – لكن لم يُصنَّف فيه بهذه الطريقة المنظمة المفردة، إلا على يد الإمام الجليل الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الرسالة”، ثم تطوَّر التصنيف في أصول الفقه، بأن دخل عليه المنهج الحديثي على يد الإمامَين الجليلَين: الخطيب البغدادي، وابن عبدالبر، ثم برز جانب الإصلاح وتقويم العِوَج الطارئ على علم الأصول، وذلك على يد الإمامَين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله.

وعند النظر إلى مؤلَّفات أصول الفقه الخاصة تبرز لنا أربعة مؤلفات، امتاز كل واحد منها بميزات عديدة، وهذه المؤلفات هي:
كتاب “الرسالة”؛ للشافعي، وكتاب “الفقيه والمتفقه”؛ للخطيب البغدادي، وكتاب “روضة الناظر”؛ لابن قدامة، وكتاب “شرح الكوكب المنير”؛ لابن النجار الفتوحي.

1- كتاب الرسالة:
عاش الشافعي في وقت ظهَر فيه مَدرستان في الفقه:
المدرسة الأولى: مدرسة الحديث والرواية، وكانت بالمدينة، وشيخُها الإمام مالك بن أنس، لكون المدينة موطنَ الصحابة ومكان الوحي.

المدرسة الثانية: مدرسة الرأي، وكانت بالعراق، وشيوخُها أصحاب أبي حنيفة؛ وذلك لعدم توافُر أسباب الرواية لدَيهم، لكثرة الفتن.

اقرأ أيضا  رمضان ... فرصتك للسعادة في الدنيا والآخرة

فاستطاع الشافعي الجمع بين المدرستَين والفوز بمحاسنهما؛ حيث تلقى العلم على الإمام مالك، وكذا على محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، يُضاف إلى ذلك جمعُه فقه أهل الشام ومصر؛ حيث أخذ عن فُقهائهما.

قال الإمام أحمد بن حنبَل: “كان الفقه قُفلاً على أهله حتى فتَحه الله بالشافعي”[1].

2- كتاب الفقيه والمتفقه:
صنَّف الخطيب البغدادي هذا الكتاب نصيحةً لطائفتين؛ لأهل الحديث، ولأهل الرأي؛ حيث ظهر في عصرِه ذمُّ الرأي، والنهي عنه، والتحذير منه مُطلَقًا، فلم يُميِّزوا بين محمود الرأي ومَذمومه، أما أهلُ الرأي فجل ما يَحتجُّون به من الأخبار واهٍ ضعيفٌ عند علماء الحديث.

لذا قال الخطيب البغدادي: “فقد ذكرتُ السبب الموجِب لتنافي هذَين الفريقَين، وتباعُد ما بين هاتين الطائفتَين، ورسمتُ في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصَّة ولغيره عامَّة ما أقوله نصيحةً مني له، وغيرةً عليه”[2].

3- كتاب روضة الناظِر وجنَّة المناظِر:
قال بعض العُلماء: إن كتاب “الروضة”، مختصر “المُستَصفى”؛ للغزالي، وهذه عُدت مَزيَّة للكِتاب؛ لأن الغزالي متأخِّر في الزمان، فاستطاع أن يجمع جُلَّ الفوائد الأصولية التي سبقته، كما أنه من آخر كتب الغزالي الأصولية، وابن قدامة لم يقلد الغزالي في آرائه وفي سائر منهجه، بل ظهرت لمساته، وبرزت شخصيته المستقلة، مثلاً اعتنى بآراء الإمام أحمد بن حنبل، وضم إلى الروضة أقوال الحنابلة وأثبتها، كذا من خلال ترجيحاته واختياراته التي اعتمد فيها على الحجة والدليل.

اقرأ أيضا  فضل العمل الصالح وثمراته في العاجلة والآجلة

4- كتاب شرح الكوكب المُنير:
الشيخ تقي الدين بن النجار الفتوحي (ت: 927 هجريًّا)، صاحب الكتاب، وهو شرح لمُختصَر (التحرير) له أيضًا، الذي اختصَره من كتاب (التحرير) للمرداوي الحنبلي (ت: 885 هجريًّا).

يمتاز هذا الكتاب بأن حجمه متوسِّط، وأن الفتوحي أثبت فيه أقوال العلماء، وأرجع الأقوال إلى مصدرها بعبارة سلسة وأسلوب سهل واضح[3].

قال ابن عُثَيمين:
(وأول من جمَعه كفنٍّ مُستقلٍّ الإمام الشافعي محمد بن إدريس – رحمه الله – ثم تابعَه العلماء في ذلك، فألَّفوا فيه التآليف المتنوعة، ما بين منثور ومنظوم، ومختصر ومبسوط، حتى صارَ فنًّا مُستقلاًّ له كيانه ومميزاته، ومن أحسن ما ألِّف فيه، بل من أجمعِ ما ألِّف فيه: “مختصر التحرير”؛ للفتوحي، وهذا المختصر كتاب صغير؛ لكنه في الحقيقة خُلاصة ما قاله الأصوليُّون في أصول الفقه، وهو مُختصَر، ويُمكِن للإنسان أن يحفظه عن ظهر قلب، إلا أنه يَحتاج إلى عالم يبين معناه للطالب، وكذلك شرحه: “الكوكب المنير في شرح التحرير”، فهذا من أجمع ما رأيتُ على اختصاره، وهو يُمكِن أن يكون نِصف “زاد المستقنع”.

أما أحسن ما يكون فيه من العبارات والسلاسة فهو: “المُسْتَصْفَى”؛ للغزالي، وهو في مجلدين كبيرين، لكنه في الحقيقة يرتاح الإنسان لقراءته؛ لأنه سهل الأسلوب، وجيِّد في عرض الآراء ومناقشتها، وهو من أحسن ما قرأت من جهة التبيين والتوضيح.

اقرأ أيضا  اعدلوا هو أقرب للتقوى

و”الروضة”، مأخوذ من “المُسْتَصْفَى”، في الواقع، على أن مصنِّف الروضة، الموفَّق – رحمه الله – صار أحيانًا يَحذف بعض الكلمات التي توجب الإشكال والتعقيد في العبارة، وإلا لو رجعت وقارنتَ بين الروضة والمستصفى للغزالي لوجدت أن الكلام هو نفس الكلام، لكن الموفَّق – رحمه الله – يتصرَّف فيه بعض التصرُّف أحيانًا.

و”مختصر التحرير”؛ للفتوحي من الحنابلة، و”التحرير”؛ للمرداوي علي بن سليمان صاحب كتاب “الإنصاف”، وهو أكبر، والورقات على اسمه ورقات”[4].

________________________________________
[1] انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1: 61).
[2] الفقيه والمتفقه (2: 77 – 87).
[3] مستفاد هذا المبحث من كتاب معالم الفقه (24 – 62)؛ للجيزاني – حفظه الله – باختصار وتصرف.
[4] شرح الأصول من علم الأصول؛ للعثيمين (23).
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.