هربوا من خط النار في سوريا إلى خط الغاز في لبنان .. ويرفضون البحث عن ملجأ جديد
الجمعة 4 شعبان1436//22 مايو/أيار 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
دمشق
وكأنه كُتب على اللاجئين السوريين أن يعيشوا مأساة اللجوء بكل أشكالها. فبعدما هرب سوريون من الحرب المستعرة في بلداتهم وقراهم إلى الداخل اللبناني، تضطرهم أحيانا الظروف المحيطة في أماكن لجوئهم إلى النزوح من جديد.
فمن قرية إلى أخرى، بل ومن خيمة إلى خيمة، ينزح سوريون داخل بلد اللجوء غير الآمن أصلا.
وتبدو معاناة اللاجئين السوريين في “مخيم البترول” عند الحدود اللبنانية – السورية في عكار، هي المثال الأصدق على ذلك.
فقبل حوالي أربع سنوات هرب سوريون إلى “مخيم البترول” من مناطقهم التي نحرتها خناجر الحرب في سوريا، وتحديداً من منطقة الرقة شرقي سوريا، مسقط رأس معظمهم، والتي يسيطر عليها حاليا تنظيم “داعش” المتطرف.
هؤلاء دخلوا الحدود اللبنانية، ونصبوا خيم اللجوء قرب خط الغاز والبترول بين لبنان وسوريا، والقريب من الحدود بين البلدين.
إلا أنه ومنذ شهر تقريبا، تلقى هؤلاء اللاجئون خبرا بضرورة إخلاء المكان حفاظاً على سلامتهم.
وفق أم محمد “تلقى أبناء المخيم خبرا مفاده أن منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوضية السامية) أصدرت قرارا بضرورة إخلاء منطقة خط الغاز. ورُد السبب إلى أن وجودنا هنا خطر على حياتنا، ويجب أن نغادر”.
بلهجة مكلومة، تضيف الأم السورية، في حديث مع الأناضول، أنه “إذا قرر أحد الاقتراب من المخيم سنحرق أنفسنا. الدولة (اللبنانية) لا تهتم لأمرنا في أي حال، فلو خرجنا من هنا سيتركوننا على الطرقات دون مأوى، ونحن لدينا أطفال وفتيات نخاف عليهم، أما الشباب فرحلوا منذ بدء الحرب (السورية في مارس/ آذار 2011)، وخسرنا معظمهم”.
ويستضيف لبنان، إحدى دول جوار سوريا، أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري مسجلين رسميا لدى الأمم المتحدة.
ويضم “مخيم البترول” نحو 40 خيمة، تقطنها حوالي 54 عائلة، ويمتد على 15 نقطة عـقارية بطول 19 كيلومترا من النهر الكبير الجنوبي، الذي يشكل الحدود الطبيعية مع سوريا (شمال) إلى نهر البارد القريب من مدينة طرابلس شمالي لبنان.
وأقيم مخيم اللاجئين السوريين داخل حرم مسار خط الغاز، دون أن تتنبه المنظمات الدولية والإغاثية لخطورة الأمر. ولا يأبه معظم اللاجئين للموت بقدر ما ترعبهم المذلة.
وبحسب عبد العزيز، وهو لاجئ ستيني فقد حفيده الوحيد في القتال بسويا، فإن “منظمة الأمم المتحدة أمهلتنا شهراً فقط لمغادرة المكان، إلا أنها لم تحدد لنا مكاناً آخر نذهب إليه. التفتيش عن ملجأ جديد أمر في غاية الصعوبة.. نفضل الموت على أن نمضي ما تبقى لنا من حياة نتوسل الناس لاستقبالنا. إضافة إلى أن وضعنا هنا سيء جداً، وسنسعى بكل ما في وسعنا لالغاء القرار الجائر بحقنا”.
وتوضح أم إبراهيم أن “أبناء المخيم لا يملكون ثمن الخبز الذي يجب أن يأكلوه.. كل همنا هو أن نؤمن لقمة العيش الكريم لأولادنا.. الآن ضاعفوا من معاناتنا مع إبلاغنا بضرورة المغادرة. لا نريد شيئا من الدولة اللبنانية ولا منظمات المجتمع الدولي، سوى إبقائنا في هذا المكان”.
وتردف الأم لخمسة أطفال، يعاني أحدهم من مرض الكهرباء الزائدة في الرأس، أن “خط أنابيب الغاز والبترول متوقف منذ نحو 30 سنة، كيف يمكن له أن ينفجر أو يتسرب إلى مخيمنا؟ إنهم يسخرون منا؟ ألا يكفيهم ما يحصل لنا؟ يجب علينا أن نبقى دائما مهددين بالرحيل عن الأماكن التي نقطن فيها. رحلنا عن سوريا، والآن يجب أن نرحل عن المخيم إلى مكان ومصير مجهولين”.
ولا تنفك النسوة تتطالبن الدولة اللبنانية بإبقائهن وأطفالهن في المخيم، فبالنسبة لهن الترحال فيه صعوبة ومشقة وذل، ولا يرغبن في تكراره.
بينما يرى أبو عماد، أحد لاجئي “مخيم البرترول”، أن “قرار منظمة الأمم المتحدة بشأن المغادرة، جاء خوفاً من احتمال أن تحدث الحرب في سوريا أي ثقب في خط أنابيب الغاز، ما يؤدي إلى تنشقنا إياه أو احتراقه، الأمر الذي سيوقع كارثة حقيقية. إلا أن البحث عن مكان آخر بالنسبة إلينا معناه التشرد والنزوح مرة جديدة. ببساطة قد لا نقاوم قرار السلطة إن أرادوا إخراجنا بالقوة، لكننا سنعمد إلى إحراق أنفسنا قبل إخلاء المخيم”.
لكن محافظ عكار، عماد لبكي، يقول للأناضول، إن “ما يشاع عن سعي البلديات لإخراج النازحين من المكان غير صحيح.. مدير عام البترول في طرابلس أبلغنا منذ حوالي الثلاثة أشهر بوجود تعديات على خط البترول في عكار، جزء منها سببه بعض القرى المحيطة بالمكان، والبعض الآخر نتيجة مخيم النازحين السوريين القائم في المنطقة”.
ويتابع لبكي: “وعليه، بادرنا إلى عقد اجتماعات لحل الأزمة؛ نظرا لأن الهم الأول والأخير لنا هو المحافظة على السلامة العامة. وعلى الأثر، اجتمع رؤساء البلديات مع ممثلين عن شركة البترول ومندوبين عن منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتم البحث في كيفية إخراج النازحين إلى أماكن أكثر أمانا. وبالفعل بعض البلديات استجابت ونقلت السوريين الى أماكن داخل القرى، والبعض الآخر لم يستجبلعدم وجود أماكن مناسبة، وبقي المخيم على حاله”.
ويختم المحافظ بأن “الحديث عن رغبتنا في طرد النازحين من المكان غير دقيق.. الخطر الكامن في تلك المنطقة هو نتيجة تجمع كميات كبيرة من الغاز والبترول في الأنابيب، بضغط وحرارة كبيرتين، ما يعرض حياة الناس للخطر في حال انفجارها”.
وتطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 44 عاما من حكم عائلة الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي يتم فيها تداول السلطة، غير أن نظام بشار الأسد اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى دوامة من معارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم، وسقط خلالها أكثر من 220 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح نحو 10 ملايين سوري من ديارهم داخل البلاد وخارجها، بحسب إحصائيات أممية ، وفق الأناضول.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.