هكذا تكون الأمهات
السبت 9 شوال 1436//25 يوليو/تموز 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الكاتب : عبد الكريم بكار
أيها الإخوة:
أول ما ينبغي للأم المسلمة تلقينه لطفلها التعرف على الله – تعالى – وحبه وأنه الخلاق الرزاق المعطي الكريم اللطيف الخبير الذي يستحق أعظم الحمد والشكر وأنه سبحانه المطلع على أحوال عباده البصير بنواياهم وأعمالهم مما يقتضي مراقبته والإخلاص له والخوف من عقابه وقد دلنا على ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- من خلال موعظته العظيمة حين قال لابن عباس وهوراكب خلفه على دابة يا غلام إني أعلمك كلمات ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لواجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف))، وقد كانت أم سليم بنت ملحان – رضي الله عنها- وهي أم أنس بن مالك خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كانت أم سليم تلقن أنسا ابنها الشهادتين وتشير إليه بقولها لا إله إلا الله قل أشهد أن محمدا رسول الله وكان مالك زوجها يقول لا تفسدي علي ابني فتقول لا أفسده لا أفسده، الأم الفاضلة تربط أطفالها بالله – تعالى – من خلال السؤال تارة ومن خلال التعليم والتلقين تارة أخرى كأن تقول له من الذي وهبك هذا الشعر الجميل ومن الذي رزقنا هذا الطعام الذي نأكله ومن الذي يضيء لنا في النهار حتى نبصر طريقنا فإذا أخطأ في الإجابة شرحت له وعلمته، بإمكان الأم إذا طلب ولدها شراء شيء أن تقول له اطلبه من الله حتى يرزق أباك فيحضره لك وبإمكان الأم إذا لاحظت كذبا على ابنها أن تقول له ألا تشعر أن الله مطلع عليك ويعرف أنك تكذب وهكذا تتم تنمية الوازع الداخلي وتربية الحاسة الخلقية وتقويم أحاسيس المراقبة لله – تعالى – والشعور بمعيته ونحن في أيامنا هذه أحوج ما نكون إلى ترسيخ هذه المعاني حيث تصطبغ الحياة أكثر فأكثر بصبغة مادية قاتمة وحيث أضحى لكثير من الناس سلوكان وموقفان خيرهما الذين يظهر للعيان وحيث انتشر الغش في المعاملات وأكل الحقوق والتحايل على النظم السارية من مراقبة الله – تعالى – وحبه وحتى تعزز الأم المعاني التي ذكرناها وتزرعها في نفس الطفل فإن عليها أن تكثر في حالة التعليم والتوجيه والنهي والزجر من الألفاظ والمصطلحات المرتبطة بالشريعة مثل أن تقول للصغير هذا واجب وهذا مما يحبه الله – تعالى – وهذا مما يرضي الله وأن تقول هذا حرام وهذا يجوز وهذا لا يجوز وهذا مما يغضب الله إلى آخره وكثير من الأمهات تستخدم عوضا عن هذه الألفاظ ألفاظا تعزز الاهتمام بآراء الناس ولا تساعد على تنمية الوازع الداخلي فمنهن من يقلن هذا عيب وماذا سيقول عنا الناس إذا عرفوا ذلك وهذا يجعل انطباعات الناس عنك سيئة إلى آخره والأم التي تفعل ذلك توحي إلى طفلها من طرف خفي بأنه لا بأس إذا فعل ما تنهاه عنه بشرط أن لا يراه الناس وبذلك تؤسس لدى ابنها النفاق الاجتماعي، الأمر الثاني: الذي على الأم أن تنشأ أطفالها عليه هوالثبات على المبدأ، الذات المعنوية هي عبارة عن جملة من المعتقدات والمسلمات والرؤى والمثل والمبادئ والرموز وعلى مقدار وضوحها في ذهن صاحبها وعلى مقدار انسجامه معها يكون تماسك شخصيته وتكون منطقية مواقفه وسلوكياته، الثبات على المبدأ هومطلب شرعي قبل كل شيء، فالحق حق إلى قيام الساعة والباطل باطل إلى قيام الساعة وإحقاق الحق وإزهاق الباطل من مهمات المسلم الرئيسة في هذه الحياة وبسبب الرغبات الجامحة في تحقيق المطالب وبسبب الخضوع لضغوطات ظروف العيش في زماننا الصعب يتنازل كثير من الناس عن مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم حيث يتحول كثير منها إلى شعارات فارغة من أجل مضمون ولذا فإن الذي يبغي التمسك بمبادئه في الوقت الذي يحقق فيه مصالحه إلى الحد الأقصى إنما يحاول الجمع بين نقيضين ولا بد من التخلي عن أحدهما في لحظة ما والمسلم الحق يمتلك القدرة على التضحية بشيء من مصالحه في سبيل الاستمساك بما يؤمن به ولهذا فإن الأم المسلمة مطالبة بأن تعلي من شأن الثبات على المبدأ في نفوس أبنائها وتنمي لديهم القدرة على التخلي عن بعض المكاسب في سبيل البقاء على الطريق الصحيح وعليها أن تراقب عن كثب التطلعات غير المشروعة التي تنشأ في نفوسهم والتي تأتي غالبا من النماذج السيئة التي يراها الأطفال في بيئتهم الاجتماعية والذي ينظر في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم- يجد أنها عبارة عن سلسلة من المواقف العظيمة التي يضحي فيها بالمصالح من أجل المبادئ وكلنا يعلم موقفه من عروض قريش عليه وقد عرضوا عليه الجاه والمال في سبيل التخلي عن دعوته ورسالته وكلنا يعلم رفضه الاستسلام وضغوط قريش حيث قال لهم ما أنا بأقدر على أن أدع ما بعثت به من أن يشتعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار أي إن عجزي عن ترك دعوتي أكبر من عجز أحدكم عن مطاولة الشمس واقتباس شعلة منها، قال أبو طالب وهو الذي مات مشركا كما تعرفون قال أبو طالب شاهدا على صدق النبي – صلى الله عليه وسلم-: ((ما كذب ابن أخي، ما كذب ابن أخي))
نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا.
-المختار الإسلامي-