هل حقاً ترامب هو أخطر مرشحي الرئاسة الأمريكية؟

دونالد ترامب أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية - newsweek.com -
دونالد ترامب أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية – newsweek.com –

د. صالح النعامي

الأحد، 16 ربيع الأول 1437 الموافق 27 ديسمبر / كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

على الرغم من التحفظ الخجول الذي صدر عن قادة الكيان الصهيوني إزاء مواقف المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فقد حرص رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على التواصل معه مبكراً؛ حيث تأخذ تل أبيب بعين الاعتبار أن ترامب يمكن أن يكون الرئيس الأمريكي المقبل.

وذكرت صحيفة “معاريف” أن نتنياهو أرسل صديقه الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أدلسون – الذي يعدُّ أهمًّ ممولي حملات مرشحي الرئاسة الجمهوريين – للقاء ترامب والتوصل معه إلى تفاهمات مسبقة.

لكنَّ ما يصدر عن نتنياهو في الخفاء تعلنه النخب الصهيونية التي تجاهر باحتفائها بترامب وعنصريته ضد المسلمين.

فقد أعلن الشاعر والمفكر الصهيوني بني تسيفر يجاهر تأييده لمواقف ترامب العنصرية تجاه المسلمين؛ حيث اعتبر أن ترامب يمثل نمطاً قيادياً أفضل من النمط القيادي الذي يعكسه الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما “لأنه يخلو من الوهم الذي يحاول أوباما ترويجه من خلال تصوير كل الناس على أنهم رائعون”.

وهاجم تسيفر “نفاق” أوساط الحكم وبعض النخب اليهودية التي انتقدت خِطاب ترامب، مشيراً إلى أن الكيان الصهيوني منذ تأسيسه يطبق نظرية ترامب.

وتساءل: “أليست المعاملة التمييزية التي يتعرض لها المسلمون والعرب عند وصولهم مطار بن غوريون تدلل على أننا سبقنا بالأفعال ترامب”، معتبراً أن ترامب أفضل بكثير من كل زعماء أوروبا الذين يخشون المسلمين.

ويهاجم تسيفر الإسلامَ ويعتبره “نازية القرن الحادي والعشرين”، مشدداً على أن ترامب يمثل النمط القيادي الوحيد القادر على هزيمة هذا الدين.

من ناحية أخرى قال الكاتب الصهيوني اليميني أرئيل سيغال إنه على الرغم من الطابع “الفظ” لخطاب ترامب إلا أنه يعبر عما يعتقده الجميع في الغرب.

اقرأ أيضا  تحذيرات فلسطينية لترامب من تدمير حل الدولتين وتفجير المنطقة

وفي مقال نشرته صحيفة “ميكور ريشون” رفض سيغال اعتبار خطاب ترامب تأجيجاً للإسلاموفوبيا، مشدداً على أن هذا المصطلح غير صحي “لأن الخوف من الإسلام المتطرف يستند إلى أسس ومبررات متينة”.

واعتبر سيغال أن سلوك وممارسات الحركات الجهادية تدلل على أن تحذيرات ترامب في محلها، وأن هناك حاجةً لاتخاذ إجراءات لتأمين الغرب في مواجهة هذا التهديد، معتبراً أن خطاب ترامب يمثل الرد المباشر لسلوك وسياسات أوباما، الذي أفضت فترة حكمه إلى المسِّ بقيادة الولايات المتحدة للعالم.

 أما الكاتب اليميني شمعون زين فيرى أن الوقائع تؤكد صوابية خطاب ترامب، مشدداً على أن سماح أوروبا للمسلمين بدخول أراضيها هو السبب الرئيس وراء تدهور مستويات الشعور بالأمن الشخصي داخل القارة العجوز.

وفي مقال نشره زين في مدونته، قال إنه على الرغم من أن ترامب “لم يتحل بالحكمة في طريقة إيصاله رسائله إلا أنه محق في كل قاله على اعتبار أن قِطاعاتٍ واسعةً من الجمهور الأمريكي في مناطق كثيرة في الغرب تؤيده”.

واستند زين إلى خطاب ترامب ليدعو قادة الكيان الصهيوني إلى عدم التردد في التشديد على ضرورة القيام بكل الخطوات التي تضمن بقاء وديمومة الطابع اليهودي للدولة حتى لو كان الأمر على حساب المضامين الديموقراطية لنظام الحكم.

لكن لو استثنينا الخطاب الفج ضد المسلمين، لوجدنا أن جميع المرشحين الباقين أكثر خطورة من ترامب في كل ما يتعلق بالانحياز للكيان الصهيوني.

ففي بحث أعده الأكاديمي اليهودي الأمريكي بيتر باينروت وعُرضَت نتائجه في “مؤتمر إسرائيل للسلام” الذي نظم في تل أبيب مطلع نوفمبر الماضي، يوضح أن مواقف المرشحين الجمهوريين من القضية الفلسطينية تتراوح بين المنادين بإبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الأبد والداعين إلى طردهم، في حين أن هناك من ينفي وجودهم أصلاً كشعب.

اقرأ أيضا  الأوقاف بغزة تدعو لزيارة القدس من خلال بوابتها الشرعية

 وحسب باينروت، فإن حل القضية الفلسطينية – بناءً على منطق أكثر المرشحين الجمهوريين “اعتدالاً” جوب بوش وماركو ربيو – يجب أن ينتظر حتى يتمكن الفلسطينيون من اختيار مرشحين قادرين على الوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم أثناء المفاوضات مع الصهاينة.

أما المرشح بين كارسون فيطالب بكل بساطة بطرد الفلسطينيين خارج بلادهم لكي يتسنى للكيان الصهيوني أن يعيش بهدوء وأمان.

وينقل باينروت عن كارسون قولَه خلال زيارته للكيان الصهيوني العام الماضي: “إنني غير متأكد من أن فكرة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منطقية تماماً؛ فيمكن لمصر أن توفر مكاناً لاستقبال الفلسطينيين على أرضيها”.

 ويتفق المرشح مايك هاكابي مع كارسون؛ حيث إنه أوصى عام 2008م بأن يتم تدشين الدولة الفلسطينية على أرض “مقتطعةٍ من مصر أو سوريا أو الأردن”.

إن كان للمرء أن يتفهم خلفية المواقف التي عبر عنها المرشحون الجمهوريون المتأثرون بمواقف المحافظين الجدد من الصراع، فأن المفاجأة تكمن في المواقف التي عبرت عنها هيلاري كلنتون، الأوفر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي.

ففي كتابها “خيارات صعبة” الذي صدر عام 2014م ضمَّنت كلنتون تصورَها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ حيث ارتأت أن أكثر ما يمكن للكيان الصهيوني أن يوافق عليه هو منح “حكم ذاتي” للفلسطينيين مقابل حصول الصهاينة على الأمن.

وفي موضع آخر من الكتاب، تتبنى كلنتون حُجة اليمين الصهيوني الرافض لمسألة الانسحابات من الأراضي المحتلة خشية أن تسفرَ التحولاتُ في العالم العربي عن تطورات سلبية، تجعل المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال قواعدَ انطلاق للعمل ضد الصهاينة.

اقرأ أيضا  غزة.. عملية برية إسرائيلية بالشجاعية وقتلى بمناطق مختلفة في غزة (محصلة)

وتدَّعي كلنتون أنه من الصعب تسويق فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة في الوقت الذي تتهدد بعض الأنظمة المعتدلة المخاطر؛ حيث تشكك في قدرة نظام الحكم في الأردن على الصمود في مواجهة التحولات المتلاحقة.

وتطالب كلنتون بإضفاء شرعية على التوسع الصهيوني داخل الضفة الغربية من خلال تأييدها لتدشين جدار الفصل العنصري، الذي ضمن عملياً ضمَّ مساحاتٍ واسعةً من الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1967م للكيان الصهيوني.

ولم تتردد كلنتون في تأييد قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية في حال أعلنت عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد.

وفي مقال نشرته في نوفمبر الماضي في صحيفة “هآرتس” خرجت كلنتون عن طورها في محاولة استرضاء الرأي العام الصهيوني ومِن خلفه المنظمات اليهودية الأمريكية، من خلال تفصيل الإجراءات والقرارات التي ستتخذها لصالح الصهاينة في حال فازت بالرئاسة، ناهيك عن تعهُّدها بعقد لقاء مع نتنياهو بعد شهر على توليها المنصب.

يتبين مما سبق أن ترامب قد يكون أقل مرشحي الرئاسة الأمريكية ضرراً، لأنه في حال تشبث بمواقفه من المسلمين فسيتحول إلى عبء على الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، في حين أن بقية المرشحين سيحظون بشرعية دولية في الوقت الذي يفاقمون من درجة انحياز الولايات المتحدة للكيان الصهيوني.

المصدر : موقع مجلة “البيان”