واتقوا الله ويعلمكم الله
السبت 18 محرم 1437//31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أم غسان أماني محمد
واتقوا الله ويعلمكم الله
حوار أم غسان أماني محمد مع الأستاذة رنود محمد
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
هل من تقوى دون علم؟
أيهما الأول؟
العِلم المحقِّق للتقوى كي لا تكون عبادة ضلال؟
أم العكس؟
لا تقوى دون علمٍ؛ إذ كيف نتَّقي ما لا نَعلمه، ونتحاشى ما لا نعرفه؟!
هذا هو العِلم قبل التَّقوى، والذي قد يعمل بمقتضاه أو لا يعمل.
ماذا عن ترتيب الآية؟
الآية تتحدَّث عن العِلم الذي هو ثَمرة التَّقوى؛ وهو العلم، وليس مطلَق العلم.
أمَّا العِلم بعد التقوى الذي جاء في الآية أعلاها: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾، فهو ثَمرة التقوى، التي هي ثَمرة العلم ابتداء.
التقوى معناها في اللغة: أن تتَّخذ بينك وبين ما تخشى وقايةً وحائلاً يَحول بينك وبين ما تخاف، كما يتَّخذ الإنسان الثياب؛ يتَّقي بها البرد والحرَّ.
دون علمٍ لن نَعرف ما الذي تَجب الوقايةُ منه، أهذا مرادك؟!
نعم، العلم الذي هو ثَمرة التَّقوى هو العلم النَّافع، والعمَل الذي يَنصلح به العبدُ حقيقة، والذي يفرِّق به بين الحقِّ والباطل والهدى والضلال، ويفتح الله به عليه في الفهم، ويكشف الله به أمورًا ومشتبهات قد يَغفل عنها سواه، وهو علمٌ توفيقي.
رُبَّ علم لا ينفع لو لم توجد تقوى؟
قد يعلم الإنسان ولا يتَّقي، فإذا اتقى علَّمه الله ما ينفعه وينجِّيه ويثبِّته.
المراد من العلم العمَل، فإذا لَم يَقترنا، كان العلم غَير نافع لصاحبه، وإن كان نافعًا بالأصالة؛ لذلك يكون الباب في العِلم نافعًا لفلان وغير نافعٍ لفلان، بحسب الاستفادة لا بحسب العلم نفسه، وهذا حجَّة على صاحبه.
مثال؟
خذوا أيَّ باب من أبواب أعمال القلوب، فلنقل: حُسن الظنِّ بالله، يمكننا أن نَحشد عشرات الآثار في الباب، ثم عمليًّا لا عمل ولا يقين بمقتضى ما عَلِمنا.
ويدخل في العِلم الذي لا يَنفع العلومُ التي نهَت عنها الشريعةُ؛ كعلم السِّحر والنُّجوم، أقول هذا لكي لا يفوتَنا وجهٌ أو معنًى محتمل في تفسير عبارة: (علم لا ينفع).
حديث: ((مَن طلب العلمَ يباهي به العلماء، أو يماري به السُّفهاء، أو يصرف أعينَ الناس إليه)) – أصلٌ في الباب.
هنا عِلم تخلَّفَت عنه التقوى!
يمكن أن نجمِل الأمرَ في نقاط: العِلم الذي لا يَنفع هو: العِلم الذي لا يعمل بموجبه، والذي لا يُراد به وجهُ الله، (في الأول تخلَّف العمل، وفي الثاني تخلَّفت النية).
وكذلك العلوم المنهي عنها في الشَّريعة.
ومثال الذي تخلَّفَت عنه النية حديث: ((من طلب العلمَ ليباهي به العلماء)).
ومثال الذي تخلَّف عنه العمل: “حسن الظن بالله”.
ومثال المنهي عنه شرعًا: “علم السحر والنجوم”.
يوجد نوع يمكن أن نعدَّه عند التفصيل؛ وهو العلم بالأشياء التي العِلم بها لا يَنفع، والجهل بها لا يضرُّ؛ فهو العِلم مستوي الطَّرفين؛ أقول هذا لأستغرق التفصيل.
سؤال: القسم الأخير هذا ما ضرره عمومًا؟
ضرره أنَّه أخد زمنَ غيرِه.
هو ذاك؟
ولا ينبني عليه عمل.
حين يقال: ثمرة التقوى، ثمرة العلم، ما المقصود؟ مثال توضيحي تكرُّمًا؟
الثمرة: هي النَّتيجة والفائدة المرجوَّة والمقتطفَة من العلم… جدوى العلم.
آية: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19] نزلَت على سيِّد الموحِّدين بعد 13 سنة من الدعوة إلى التوحيد، فكيف يَدعو الرسولُ صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يعلمه؟! وعلامَ قامَت دعوتُه أصلاً؟ وإلامَ دعا؟!
تُفهم الآية كما تفهم آية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ﴾ [النساء: 136]، فالمقصود الزِّيادة والثَّبات والرسوخ؛ مزيد تدبُّر، مزيد تمسُّك، وإشارة قويَّة إلى خطورة أمر التوحيد.
أو فلنقل: طلب الارتقاء والتأكيد، ومراعاة نقاء التوحيد… حتى يأتيك اليقين.
لا يوجد تعارض بين: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ﴾ وبين ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾؟
لا تعارُض في الفهم أبدًا، قال الله تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ… ﴾ [العصر: 1 – 3]، هنا الترتيب الأصحُّ لمسألة العِلم قَبل القول والعمل فـ ﴿ آمَنُوا ﴾ تعني أنَّهم عَلموا أولاً، فكيف يؤمن الإنسان بما لا يَعلمه؟! ثم ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ يدخل في مسمَّى العمل القولُ والفعل.
والمعلوم يَدخل فيه العِلم بالله والعلم بشرعه.
أمَّا تبويب البخاري، فمن باب الترتيب ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾، ثمَّ ﴿اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ… ﴾؛ فـ”لا إله إلا الله” عِلم يتبعه عمَل، وهو الاستغفار للذَّنب، والاستغفار قول وعمل.
أما كونه قولاً، فقد أُثر عنه صلى الله عليه وسلم استغفاره في المجلس الواحد أكثر من 70 مرَّة في رواية.
وأمَّا كونه عملاً، ففي قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، فأناط المغفرةَ بالقول؛ يعني: الاستغفار، الذي هو طلَب المغفرة، ويكون بالدعاء ويكون بالفعل.
فمعنى قول الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282] واضح؛ وهو أنَّ تحقيق التقوى سببٌ للحصول على العلم النَّافع، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ وعدٌ من الله تعالى بأنَّ من اتَّقاه عَلَّمه؛ أي: يجعل في قلبه نورًا يفهم به ما يُلقى إليه، وقد يجعل في قلبه ابتداء فرقانًا؛ أي: فيصلاً يفصل به بين الحقِّ والباطل، ومنه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]”.
• قال ابن القيِّم: (وأما قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾، فليس من هذا الباب؛ بل هما جملتان مستقلَّتان؛ طلبيَّة، وهي الأمر بالتقوى، وخبرية وهي قوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾؛ أي: والله يعلِّمكم ما تتَّقون، وليست جوابًا للأمر بالتقوى، ولو أُريد بها الجزاء لأتى بها مَجزومة مجرَّدة عن الواو فكان يقول: واتَّقوا الله يعلِّمْكم، أو إن تتَّقوه يعلِّمْكم؛ كما قال: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾، فتدبَّرْه)؛ (مفتاح دار السعادة 1/ 172).
من باب أمانة العلم:
هذان وجهان في تَفسير الآية معتبرَان، وإن ترجح معنًى على آخر فلا يعني إقصاء المَرجوح، وقد ذهب لكليهما طائفةٌ من أهل التفسير؛ كالطبري في الأول، وبعض النحاة وأهل التفسير في الثاني.
واعتبار التفسير الثاني لا يلغي كون العلم النَّافع ثمرةً من ثمرات التقوى.
ونور الله لا يُهدى لعاصِ
التقوى تَهيئة للعلم النَّافع، كما أنَّ العلم النافع يُثمر التقوى.
والحاصل أنَّ الله يَعلم البرَّ والفاجِر، ولا ينتفع بالعلم حقيقة إلاَّ أهل التقوى؛ قال عمر بن عبدالعزيز: “إنَّما قَصَرَ بنا عن عِلم ما جهلنا، تقصيرُنا في العمل بما علِمنا، ولو عملنا ببعض ما علِمنا، لأورثنا علمًا لا تقوم به أبداننا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ… ﴾”، هذا خامس الخلفاء رضي الله عنه، وهذا فهمه.
وأظنُّ أنَّ الأقوال في تفسير الآية تشبه الأقوال في تفسير آية: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]؛ اختلفوا في معنى الجهاد وفي معنى هِداية السُّبل، ليس ذلك فحسب؛ بل حتى في ترتيب المعاني، حتى قال الحسَن بن الفضل: إنَّ في الآية تقديمًا وتأخيرًا، وإنَّ تفسيرها هو: والذين هديناهم سبلنا هم الذين جاهدوا فينا.
فكلُّ عِلم لم يورث عملاً وخشيةً لله وذلاًّ، فليس هو نافعًا صاحبه، وإن كان في أصله ممَّا يُنتفع به، والعالِم هو العارِف العامِل بعلمه، ولولا ما قام بقلبه من المعرفة والخَشية لما نفعَه علمُه فعمِل به، وهذا هو محض الصَّلاح، وبذا تتحقَّق العبوديَّة لله في قَلب العالِم الرَّبَّاني، فيعود عملُه بعلمه فتحًا عليه في مغاليق العِلم وهدًی ورسوخًا، وهكذا عودًا بعد بدء يزيده اللهُ ويَفتح عليه من مَعين فضله، وجميلِ منِّه وكرمه.
اللهمَّ اجعلنا ممَّن قسمتَ لهم من خَشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك
الألوكة