واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)

الأحد 20 جمادى الأولى 1437//28 فبراير/شباط 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ سعد الشهاوي
واجبنا نحو القرآن الكريم
العناصر:
• القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة.
• منزلة القرآن الكريم وفضائله.
• منزلة أهل القرآن الكريم في الدنيا والآخرة
• تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس

• واجب المسلمين نحو القرآن الكريم:
أ- تعظيمه وقراءته وتدبر آياته
ب- الأدب مع القرآن، والتخلق بأخلاقه.
ج- العمل بأوامره ونواهيه.

القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة.
إن القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الكبرى في كل زمان فهو كلام الله جل وعلا، وهذا أعظم دليل على إعجاز القرآن، فمصدرية القرآن دليل على إعجازه فهو كلام الله الذي يصل فضله على كل الكلام كفضل الله على كل الخلق ولذلك تحدى الله به البشرية عامة وتحدى به المشركين خاصة وما زال التحدي قائماً إلى يوم القيامة فعجِز الإنسُ والجنُّ مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بمثلِه،قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88] وقوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِين ﴾ [سورة الطور، الآيتان: 33، 34] فلما عجزوا عن الإتيان بقرآن مثله خفف الله التحدي إلى عشر سور فقط فقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [سورة هود: 13] فعجزوا عن الإتيان بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ فخفف الله التحدي إلى أقل درجاته فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن الجليل فعجزوا قال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [سورة يونس: 38]. وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23] وقد سمع هذا التحدِّي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام،ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى هذا اليوم وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات؛ لأنه مائة وأربع عشرة سورة، وقد وقع التحدي بسورة واحدة، حتى لو أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات قصار، والقرآن يزيد بالاتفاق على ستة آلاف آية ومائتي آية، ومقدار سورة الكوثر من آيات أو آية طويلة على ترتيب كلماتها له حكم السورة الواحدة،ويقع بذلك التحدي والإعجاز؛ ولهذا كان القرآن يُغني عن جميع المعجزات الحسِّية والمعنوية؛ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فعجِز الإنسُ والجنُّ عن أن يأتُوا بمثلِه قال سبحانه ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

ولقد أنزله الله تعالى على قلب النبي (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) هداية للناس إلى الطريق المستقيم، ينير به الحياة، ويهديَ به الحيارى، فهو دستور المسلمين، به تحيا القلوب، وبه تَزْكُو النفوس، وبه تتهذب الأخلاق، يقول سبحانه: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة:1 – 3]، ويقول عز وجل: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، من تمسك به نجا من الفتن، إنه روح المؤمن ونور هدايته، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].

ومن جمال نوره سمعه فريق من الجن فآمنوا به وعظموه فاهتدوا به إلى الصراط المستقيم، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، كما حكي القرآن الكريم، يقول سبحانه: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[ الأحقاف: 29-32].

وإذا كان هذا حال الجن مع القرآن الكريم فإن للملائكة أيضًا حالاً معه، فعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا، قَالَ: «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ» (صحيح البخاري). هكذا يكون أثر القرآن حين يتلى.

وفى رواية عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه كان يقرأ وهو على ظهر بيته، وهو حسن الصوت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بينا اقرأ إذ غشيني شيء كالسحاب والمرأة في البيت والفرس في الدار فتخوفت أن تسقط المرأة وتنفلت الفرس فانصرفت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا أسيد فإنما هو ملك استمع القرآن.أخرجه عبد الرزاق: 4182، 2/ 486، والحاكم في المستدرك: 5259، 3/ 326، والطبراني في الكبير: حديث/ 563، 1/ 207. [صحيح].

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَاْلَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُواْ مِنْهُ، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلَكَ فَقَاْلَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرآنِ) رواه البخاريّ (4724) ومسلم (795).

• الشَّطَنُ: الْحَبْلُ الْقَوِيُّ.

إنه كلام الله (عز وجل) الذي لا تنقضي عجائبه، تكفل الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل، فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، من ابتغى الهُدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم،وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (انظر: الترمذي، برقم 2906، وكل ما جاء في هذا الأثر فمعناه صحيح حتى ولو لم يأتِ في حديث، لكن المعنى تدل عليه عموم الأدلة من الكتاب والسنة.).

جعله الله – عز وجل- رحمة وشفاء، فقال سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنِ النَّبِيِّ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قَالَ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ كُلَّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ) (مستدرك الحاكم).

منزلة القرآن الكريم وفضائله.
رفع الله منزلته فوصفه بأجل الصفات، وذكره بأعظم الأسماء؛ ليعلم الناس قدره وعظمته، فله صفات عظيمة يعجز البشر عن حصرها،ولكن منها الصفات الآتية: فوصفه الله تعالى كتاب عام للعالمين قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. ووصفه الله تعالى بقوله:﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود:1]، وقوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]، إلى غير ذلك من الصفات التي تدل على عظمته ومنزلته وقدره.

ولقد أخبرنا النبي (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) بفضائل كثيرة للقرآن الكريم تعود بالنفع على الإنسان في الدنيا والآخرة، من هذه الفضائل:الخيرية لأهله، لحديث عُثْمَان بن عفان (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنْ النَّبِيِّ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قَالَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (صحيح البخاري)..والشفاعة لصاحبه، لحديث أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ) (صحيح مسلم).والقرآن يشهد لصاحبه يوم القيامة،ويدخل السرور عليه؛لحديث بريدة عن أبيه رضى الله عنه،قال:قال رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب،فيقول:أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك)) (الشاحب: متغيِّر اللون، والجسم العارض: من سفرٍ، أو مرضٍ، أو نحوهما. [النهاية في غريب الحديث وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 239، والحاكم، وصححه. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ((حسن لغيره)).

وذكر السندي رحمه الله: أن القرآن: ((كأنه يجيء على هذه الهيئة؛ ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغيَّر لونه في الدنيا؛ لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن؛ لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة)) ( شرح السندي على سنن ابن ماجه، 4/ 238، المطبوع مع سنن ابن ماجه.).

وعنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَان رضى الله عنه قَاْلَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: ( يُؤْتَى بِالْقُرآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ – وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَاْلَ – كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِن طَيْرٍ صَوَّافِ تُحَاجَّانِ عَن صَاحِبِهِمَا) رواه مسلم.

• الْغَمَامَةُ: كُلُّ شَيءٍ أَظَلَّ الإِنْسَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ.
• فِرْقَانِ: جَمَاعَتَانِ، أَوْ فِرْقَتَانِ.

يرفع الله بالقرآن العاملين به، ويضع من أعرض عنه؛ فعن نافع بن عبد الحارث أنه لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة، فقال عمر: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى قال عمر: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا، قال عمر: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إنَّ نبيكم صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قد قال: ((إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَاْ الْكِتَابِ أقْوامَاً ويَضَعُ بِهِ آخَرِين)) ( مسلم برقم 817.).

وكان عليه الصلاة والسلام يستعرض السرية من الصحابة فيقول لأحدهم: (كم معك من القرآن؟ قال أحدهم: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان قال معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: أمعك سورة البقرة، فقال: نعم قال فاذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن فاقرؤه وأقرئوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكئ على مسك.)أخرجه الترمذي:وقال: حديث حسن، والنسائي في الصغرى] حسن [.فقرب الناس من الرسول عليه الصلاة والسلام كان بالقرآن، وحبه لهم كان لصلتهم بالقرآن، وكثرة تلاوة الصحابة للقرآن؛ كانت تقربهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونحن كذلك لو واظبنا عليها.وصح من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالشهداء في أحد فيقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقولون: هذا، فيقدمه إلى القبلة ثم من بعده، ثم يصلي عليهم).فعَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِن قَتْلَى أُحُدٍ في ثَوْبٍ وَاْحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذَاً لِلْقُرآنِ؟ فَإِذَاْ أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في الَّلحْدِ وَقَاْلَ: أَنَاْ شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ) رواه البخاريّ.

وكان النبى يزوج الشباب بحفظهم للقرآن فكأنه مهرا للعروسة إذا كان عريسها لا يملك شيئا عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال ما لي في النساء من حاجة، فقال رجل: زوجنيها، قال: أعطها ثوبا، قال: لا أجد، قال: أعطها ولو خاتما من حديد، فاعتل له، فقال: ما معك من القرآن: قال: كذا وكذا قال فقد زوجتكها بما معك من القرآن.) أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود وغيرهم.

ومن إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ((إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) (أبو داود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم، برقم 4843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 189.

والأجر العظيم لقارئه من قرأ حرفاً فله به عشر حسنات؛ لحديث عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ رضى الله عنه، قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (مَن قَرَأَ حَرْفَاً مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: ” ألــم ” حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) ” صحيح ” رواه الترمذيّ وصححه الألبانيّ. وقد عدَّ بعض العلماء أحرف القرآن الموجودة في المصحف في القراءة الموجودة، فكان عدد حروفه ((ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألفاً ومئتان وخمسون حرفاً، وحرف (311250))) ( التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد بن فرح القرطبي الأندلسي، المتوفى سنة 671، ص23.)،فانظر كم لمن قرأ هذه الأحرف من الأجر العظيم، والثواب الكثير.

الحفظ للبيوت العامرة بقراءته، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قَالَ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) (صحيح مسلم).

مَن قَرَأَ الْقُرآنَ فَقَدِ اسْتَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( مَن قَرَأَ الْقُرآنَ فَقَدِ اسْتَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوحَى إِلَيْهِ، لاَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرآنِ أَنْ يَجِدَّ مَعَ جَدٍّ، وَلاَ يَجْهَلَ مَعَ جَهْلٍ وَفي جَوْفِهِ كَلاَمُ اللهِ تَعَالَى) ” صحيح ” رواه الحاكم (2028).

• أَيْ: لاَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرآنِ أَنْ يَغْضَبَ وَيَشْتُمَ وَيَسُبَّ وَيَذُمَّ غَيْرَهُ، لأَنَّ في قَلْبِهِ كَلاَمُ اللهِ.

البيت الذي يقرأ فيه القرآن تحصل فيه الخيرات والبركات ويحفظ الله تعالى أهل هذا البيت من كل سوء عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْبَيْتَ لَيَتَّسِعُ عَلَى أَهْلِهِ وَتَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيَكْثُرُ خَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ وَتَهْجُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ وَيَقِلُّ خَيْرُهُ أَنْ لا يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ)) رواه الدارمي في فضائل القرآن ورجاله ثقات موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود.

وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: ” الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ تَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ، وَتَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَتَّسِعُ بِأَهْلِهِ وَيَكْثُرُ خَيْرُهُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لاَ يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ تَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْمَلائِكَةُ، وَيَضِيقُ بِأَهْلِهِ وَيَقِلُّ خَيْرُهُ ” (مصنف ابن أبي شيبة).

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يتراءى لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تتراءى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ (رواه البيهقي رحمه الله في ” شعب الإيمان ” و جلال الدين السيوطي في الحبائك في أخبار الملائك والحديث إسناده ضعيف.

إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تنتهي.
منزلة أهل القرآن الكريم في الدنيا والآخرة.

التالي لكتاب الله العامل به يُوفَّى أجره ويزيده الله من فضله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور﴾ [سورة فاطر، الآيتان: 29 – 30].

مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ((مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرآنَ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِيْ يَقْرَأُ الْقُرآنَ، كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الذي لا يَقْرَأُ الْقُرآنَ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ(الحنظلة: واحد الحنظل، وهو نبات معروف شديد المرارة، له فوائد طبية عديدة. [انظر: تاج العروس، مادة ((حنظل))].) لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ) رواه البخاريّ ومسلم.

اقرأ أيضا  القرآن الكريم شرف هذه الأمة

والأُتْرُجَّة: ثمرة طيِّبة المذاق، طيِّبة الريح، ويبدو أنها غالية الثمن. وثمره كالليمون الكبَار، وهو ذهبّي اللون، ذكيُّ الرائحة، حامض الماء.

وحافظ القرآن العامل به من أهل الله وخاصته؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ): “إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ” [سنن ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وفي صحيح الترغيب والترهيب]، فقارئ القرآن منتسب إلى الله – تعالى -، فما أعظمه من شرف، وبقدر ما يحفظ الإنسان من القرآن يكون الشرف والمنزلة، فأهل القرآن يرفع الله قدرهم بين العباد. (وأهل الله وخاصته؛ أي أولياؤه المختصون به).

والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة؛ لحديث أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَاْلَتْ: قَـاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( المَاهِرُ بِالْقُرآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاْقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ) روه مسلم (789). (السفرة الكرام البررة: السفرة: جمع سافر، ككاتب وكتبة، والسافر: الرسول، والسفرة: الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة، والبررة: المطيعون، من البر، والماهر: الحذق الكامل الحفظ، الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه. [شرح النووي على صحيح مسلم، وقيل: (السفرة: هم الملائكة). [النهاية 2/ 371].) فالماهر أجره أكثر،وأفضل،وأما الذي يتتعتع فيه:فهو الذي يتردَّد فيه لضعف حفظه،فله أجران:أجر بالقراءة،وأجر بتعتعته في قراءته ومشقته)) ( قال القاضي: ((يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لا تصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، ويحتمل أن يراد: أنه عامل بعملهم،وسالك مسلكهم)).[شرح النووي، 6/ 332].).

ويُحلَّى صاحب القرآن بتاج وحُلَّة الكرامة ويرضى الله عنه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَاْلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاْلَ: ( يَجِئُ الْقُرآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً) ” صحيح ” رواه الترمذيّ وقال:حسن صحيح. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

وحافظ القرآن له درجات في الجنة بقدر تلاوته ويقرأ في الجنة أيضا، لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( يُقَاْلُ لِصَاحِبِ الْقُرآنِ: اقْرَأْ، وَارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) “(سنن أبي داود ورواه الترمذيّ وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

بل وربما قرأ في قبره كما كان يقرأ في الدنيا فعَنْ أَبِى الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم خِبَاءَهُ( خيمته) عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لاَ يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.)أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقال الشيخ الألباني: ( ضعيف).

حامل القرآن يُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوَقار، ويُكسَى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما؛ لحديث أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ((يَجِيءُ القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإنَّ كلّ تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فَيُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما، فيقولان: يا ربِّ أنَّى لنا هذا؟ فيُقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن)) ( أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط وذكر طرقه الألباني، وشاهد عن بريدة بتمامة عند ابن أبي شيبة، وأخرجه الدارمي أيضاً مطولاً عن بريدة،، قال الألباني عن حديث أبي هريرة في سلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث حسن أو صحيح؛ لأن له شاهداً من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعاً بتمامة.)).

وفى رواية عَن بُرَيْدَةَ رضى الله عنه قَاْلَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ الْقُرآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِيْ؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ!! فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ في الْهَوَاْجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وإنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِن وَرَاْءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِن وَرَاْءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى المُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَاْلِدَهُ حُلَّتَيْنِ لا يُقوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَاْ؟ فَيُقَاْلُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَاصْعَدْ في دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا. فَهُوَ في صُعُودٍ مَاْدَاْمَ يَقْرَأُ هَزَّاً كَاْنَ أَوْ تَرْتِيلاً) “حسن ” رواه أحمد (23000).

عَن بُرَيْدَةَ رضى الله عنه قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( مَن قَرَأَ الْقُرآنَ، وَتَعَلَّمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجَاً مِنْ نُورٍ ضَوْؤُهُ مِثْل ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَاْلِدَيْهِ حُلَّتَانِ لا يُقوَّمُ بِهِمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا؟ فَيُقَاْلُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرآنَ) ” صحيح ” رواه الحاكم وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب2/ 169].

تأثير القرآن الكريم على القلوب والنفوس والأرواح
القرآن العظيم مُؤثِّر في القلوب والنفوس والأرواح؛ لأنه كلام العليم الخبير بما يصلح هذه القلوب والنفوس في الدنيا والآخرة، ومن هذا التأثير ما يأتي: تأثيره على علماء أهل الكتاب وغيرهم من أهل العقول، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الـْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين ﴾ [سورة المائدة، الآية: 83].

وقال تعالى (الذين أوتوا العلم من قبله يتأثَّرون به، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء، الآيات: 107- 109].

وكذلك الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرُّوا سُجَّداً وبُكِيّاُ: قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [ سورة مريم، الآية: 58].

والتأثر بالقرآن من علامات الإيمان، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

المُؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم تقشَعِرُّ جلودهم عند قراءة القرآن، قال سبحانه: ﴿ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الـْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد ﴾ [سورة الزمر، الآية: 23].

الصادقون مع الله تخشع قلوبهم لذكر الله، قال عز وجل: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الـْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون ﴾ [سورة الحديد، الآية: 16].

فعن عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن أنزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين(ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم 4192، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3 / 369.

ولقد ضرب لنا رسول الله (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) المثل الرائع في التأثر بالقرآن والتجاوب مع آياته الكريمة وجاءت الأحاديث تدل على خشوع النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وتأثُّره بقراءة القرآن الكريم ومن ذلك:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ (سورة إبراهيم، الآية: 36) الآية، وقال عيسى عز وجل: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لـَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الـْحَكِيم ﴾ (سورة المائدة، الآية: 118.) الآية. فرفع يديه وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى فقال الله عز وجل: ((يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عز وجل فسأله، فأخبره رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)) ( مسلم برقم 202.).

وعن أبي ذر رضى الله عنه،قال:قام النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بآية حتى أصبح يردِّدها،والآية: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لـَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الـْحَكِيم ﴾ (سورة المائدة، الآية: 118.) (أخرجه: النسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وأَمَرَ النبيُّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أن يُقرأ عليه القرآن فبكى لسماعه،فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، قال:قال لي رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:((اقرأ عليَّ القرآن))،قال:فقلت:يا رسول الله أأقرأ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فقال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري))، وفي لفظ للبخاري: ((فإني أحب أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي))، فَقَرَأْتُ عليه النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ﴾ (سورة النساء الآية: 41)، [قَالَ لِي: كُفَّ، – أَوْ أَمْسِكْ – فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَان»وفي لفظ للبخاري: ((فقال حسبك الآن))، فرفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل))متفق عليه: البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بالليل وأنه بكى مرات،قالت:((فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي،قال:يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟قال:((أفلا أكون عبداً شكوراً؛لقد نزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [سورة آل عمران، الآية 190] الآية كلها(ابن حبان في صحيحه، برقم 620، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان: ((إسناده صحيح على شرط مسلم))، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 86: ((وهذا إ سناد جيد)).).

وعن ثابت عن مطرف بن عبد الله الشخير عن أبيه عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وبصدره أزيز كأزيز المرجل البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص362(2049)وفى لفظ (كأزيز الرحا من البكاء).

ولو تأملنا حال الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) مع القرآن الكريم لوجدنا أنهم لم يكتفوا بالقراءة أو الاستماع فقط، بل قرأوا وتدبروا، فتعلقت به قلوبهم، وارتبطت به نفوسهم، فكانوا يطبقونه قولاً وعملاً، يأتمرون بأوامره، ويبتعدون عن نواهيه، لذلك بلغوا ما بلغوه من الفضائل والرفعة بفضل العمل بالقرآن الكريم، واستجابة لأوامره، لقد حفظ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) سورة البقرة في ثماني سنوات ليس لبطء في حفظه ولكن لأنه كان يحرص على العلم والعمل معًا، يقول أبو عبد الرحمن السلمي (رضي الله عنه): «كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا الْعَشْرَ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نَتَعَلَّمِ الْعَشْرَ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى نَتَعَلَّمَ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَأَمْرَهَا وَنَهْيَهَا» [مصنف عبد الرزاق].

كانت الآية تنزل فيقرأها النبي فتتحول في التو واللحظة إلى واقع.. وكان الصحابة الكرام (رضي الله عنهم أجمعين) يفقهون آيات القرآن الكريم ويتعايشون معها وجدناهم يسارعون إلى طاعة أوامر الله (عز وجل) واجتناب نواهيه، فقد كان الصحابة فى المدينة يشربون الخمر ولم تحرم بعد، فلما دخل صحابي عليهم، وكؤوس الخمر بينهم نزلت آيات النهي عن شرب الخمر ونادي منادٍ: ” ألا إن الخمر قد حُرِّمَت” وقرأ عليهم قول الله جل وعلا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]. فلما قرأ الآية عليهم تجاوبوا جميعًا مع القرآن والله ما أكمل صحابي جرعة الخمر في يده ما قال: نكمل هذه الجرار، وهذه الكؤوس وننتهي لا بل كان من في يده شيء من الخمر رماه، والذي كان في فمه شربة مجَّها، والذي كان عنده خمر في أوان أراقها، استجابة لأوامر القرآن الكريم، وقام أنس بن مالك فسكب آنية وجرار الخمر وسكب الصحابة الخمر في الشوارع حتى سالت في طرقات المدينة وامتلأت بها سكك المدينة وقالوا انتهينا يا ربنا، وقالوا على لسان رجل واحد: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

وكذلك حين نزل قول الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92] قام سيدنا أبو الدحداح إلى أجمل حديقة عنده وأحبها إليه وتصدق بها، ومن هنا استطاع الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) حفظ كتاب الله لأنه لم يكن بالنسبة لهم مجرد كلمات؛ بل كان منهجًا تربويًّا سلوكيًّا إيمانيًّا ظهر في تعاملاتهم فيما بينهم؛ بل ومع غيرهم.

إن شأن المؤمن أن يتفاعل كيانه كله مع كلام الله (عز وجل)، يقول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23] فكانوا إذا سمعوا القران اقشعرت جلودهم ولانت قلوبهم إلى الله رب العالمين كانوا إذا مروا بآيات فيها ذكر النار صرخوا منها خوفا كأن النار خلقت لهم وكأن الآخرة أمام أعينهم.

وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال قلت لجدتي أسماء كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن قالت تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله (البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص365رقم (2062).

وذُكِر أنه قدم أُناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق رضى الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: ((هكذا كنَّا)) ( ذكره النووي في التبيان في آداب حملة القرآن، ص69.).

وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذُكِر عنه أنه صلى بالجماعة صلاة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته، وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فيدل على تكريره منه، وفي رواية أنه بكى حتى سُمِعَ بكاؤه من وراء الصفوف(ذكره النووي في التبيان في آداب حملة القرآن، ص69.).

ويقول عبد الله بن شداد بن الهاد سمعت نشيج عمر بن الخطاب وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ من سورة يوسف يقول إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص364(2057).

وعن علقمة بن وقاص قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشاء الآخر فقرأ بسورة يوسف فلما أتى على ذكر يوسف نشج عمر حتى سمعت نشيجه وإني لفي آخر الصف) (البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص364(2058).

وعن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر أن عمر قرأ سورة مريم فسجد ثم قال هذا السجود فأين البكاء) البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص365 (2059).

قال البيهقى في شعب الإيمان وروينا في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الحسن قال كان عمر بن الخطاب يمر بالآية في ورده فتخيفه فيبكي حتى يسقط ويلزم بيته اليوم واليومين حتى يعاد ويحسبونه مريضا (البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص364 (2056).

وهذا أبيّ بن كعبرضى الله عنه عن أنس بن مالك رضى الله عنه:أن رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قال لأبيّ بن كعب: ((إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك))، قال: آلله سمَّاني لك؟ قال: ((الله سمَّاك لي))، قال فجعل أُبيّ يبكي))، وفي رواية: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [البينة: 1] قال: وسمَّاني لك؟ قال: ((نعم)) قال: فبكى) رواه مسلم.

وهذا ابن عباس عن بن أبي مليكة قال سمعت بن عباس من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن يقرأ حرفا حرفا ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص365و ص366 (2061).

وهذا رجل أعرابي جلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ (إذا زلزلت الأرض زلزالها)، والرجل يسرح في معاني الآيات حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر السورة ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8] فقال الأعرابي: يا رسول الله، أمثقال ذرة؟ قال: « نعم ». فقال الأعرابي: واسوأتاه. مرارا، ثم قام وهو يقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان» فضائل القرآن للقاسم بن سلام رقم (450).

اقرأ أيضا  لقد عطلت صلاة الجمعة في المسجد الأقصى واحد وتسعون عاماً ! فلا تيأسن فالنصر قادم !!

وهذا ثابت عن حماد قال كان ثابت يقرأ بتلك الآية ﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ﴾ [الكهف: 37] وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها) البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص366(2063).

وهذا الفضيل قال بشر بن الحكم النيسابوري كانت امرأة الفضيل تقول لا تقرؤا عند إبني بالقرآن قال بشر وكان إذا قرئ عنده القرآن غشى عليه قال بشر وكان بن الفضيل لا يقدر على قراءة القرآن فقال لأبيه يا أبة ادع الله لعلي استطيع أن أختم القرآن مرة واحدة) البيهقىي في شعب الإيمان ج2/ ص366(2064).

وهذا الأصمعي يقول أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة وبينما أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له متقلدا سيفه وبيده قوس فدنا وسلم وقال ممن الرجل فقلت من بني الأصمع فقال لي أنت الأصمعي قلت نعم قال من أين أقبلت قلت من موضع يتلى كلام الرحمن فيه قال أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون فقلت نعم يا أعرابي فقال أتل علي شيئا منه فقلت انزل من قَعُودك(القَعُودُ: صغير الإبل إلى أن يبلغ السَّادسة من عمره) فنزل وابتدأت بسورة الذاريات ذروا حتى انتهيت إلى قوله تعالى ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

قال الأعرابي يا أصمعي هذا كلام الرحمن قلت إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال لي حسبك فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه وقطعها بجلدها وقال أعني على تفرقتها فوزعناها على من أقبل وأدبر ثم كسر سيفه وقوسه وجعلها تحت الرملة وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22].

يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة أقبلت على نفسي ألومها وقلت يا أصمعي قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي ولم يعلم أن للرحمن كلاما فلما قضى الله من أمري ما أحب حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت رقيق تعال يا أصمعي تعال يا أصمعي قال فالتفت فإذا أنا بالإعرابي منهوكا مصفارا فجاء وسلم علي وأخذ بيدي وأجلسني وراء المقام فقال اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه فابتدأت ثانيا بسورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

صاح الأعرابي وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال يا أصمعي هل غير هذا للرحمن كلام قلت نعم يا أعرابي يقول الله عز وجل ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 23].

فصاح الأعرابي عندها وقال يا سبحان الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف أفلم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت نفسه (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص115و116(1337).

تأثير القرآن الكريم على المشركين تصور أن المشركين فى مكة كانوا يذهبوا خفية من وراء بعضهم البعض ليستمعوا للقرآن من النبي وهذه قِصّةُ اسْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إلَى قِرَاءَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وعلى رأسهم أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالْأَخْنَسُ بْنَ شَرِيقِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ، حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُصَلّي مِنْ اللّيْلِ فِي بَيْتِهِ فَأَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ وَكُلّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا. فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمّ انْصَرَفُوا. حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الثّانِيَةُ عَادَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوّلَ مَرّةٍ ثُمّ انْصَرَفُوا. حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الثّالِثَةُ أَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ لَا نَبْرَحُ حَتّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمّ تَفَرّقُوا فَلَمّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِك فِيمَا سَمِعْت مِنْ مُحَمّدٍ؟ فَقَالَ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عَرَفْتُ مَعْنَاهَا، قَالَ الْأَخْنَسُ وَأَنَا الّذِي حَلَفْت بِهِ (كَذَلِكَ) قَالَ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ. يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُك فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمّدٍ؟ فَقَالَ مَاذَا سَمِعْتُ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشّرَفَ أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتّى إذَا تَجَاذَيْنَا عَلَى الرّكْبِ وَكُنّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قَالُوا: مِنّا نَبِيّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ السّمَاءِ فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ وَاَللّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدّقُهُ. قَالَ فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ.

وكانوا يذهبون الى بيت الصديق يستمعون لتلاوته أيضا فعن أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، طرفي النهار: بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاءا، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين صحيح البخاري وعند البيهقي في شعب الإيمان لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن) البيهقي في شعب الإيمان ج2/ ص364(2055).

بل فى السنة الخامسة من البعثة النبوية المطهرة انطلق النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى بيت الله الحرام ليصلى لله جل وعلا على مرأى ومسمع من صناديد الشرك والكفر، فكانوا يكرهون ذلك حتى قال اللعين أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهرنا بمعنى أيسجد محمد لربه على مرأى ومسمع منا فى الكعبة. واللات والعزى إن أتى محمد ليصلى لأطأن عنقه أي: لأضعن رجلي أو حذائي ووقف يصلى لله تعالى فلما سجد انطلق اللعين أبو جهل وهو يهيأ له أنه سيطأ عنق النبي وهو ساجد، فلما اقترب من رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عاد إلى الخلف يجرى وهو يدفع بيديه وكأنه يرد عن وجهه شيئا فلما اقترب من المشركين قالوا: ماذا يا أبا الحكم؟! لماذا رجعت لماذا جريت بهذه الصورة المزرية؟ فقال أبو جهل: إن بينى وبين محمد خندقا من نار وإنى أرى أجنحة. فلما أنتهى النبي من صلاته قال قولته الجميلة:” والذي نفس محمد بيده لودنا – أي: لو اقترب منى – لاختطفته الملائكة عضوا عضوا”.

الشاهد دخل النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ليصلى لله جل جلاله والمشركون ينظرون إليه بتغيظ شديد ورفع الحبيب صوته بالتلاوة فقرأ سورة النجم كاملة، وأرجو أن تتصور حلاوة وجلال القرآن وهو يخرج من فم الحبيب صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فالرسول صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هو الذي يتلو فليست التلاوة الآن لبشر عادى يتلو صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ والمشركون يسمعون القرآن من فم رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وقرأ النبي السورة كاملة وقرأ في آخر السورة آيات جليلة تخشع لها الحجارة وتخشع لها الجبال والقلوب: ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ* أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم: 57 – 61]. أي: ترقصون وتطلبون وتزمرون ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم: 62]. وخر النبي لله ساجدا لربه.

اسمع. فلم يتمالك أحد من المشركين نفسه فخر ساجداً لله هل تتصورون هذا أيها الأفاضل. نعم الحديث رواه الإمام البخاري فى كتاب سجود التلاوة رواه مختصراً من حديث ابن عباس رضي الله عنه: سجد صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بالنجم. أي: بسورة النجم. وسجد معه المشركون والمسلمون والجن والأنس (رواه البخاري في التفسير (4862).).

نعم الجن: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ [الجن: 1] الجن هم الذي يتحدثون عن القرآن ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2]

سجد النبي وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وهذا هو السر الذي جعل المهاجرون الأوائل الذين هاجروا من بطش المشركين فرارا من مكة إلى الحبشة، هذا هو السر الذي جعلهم يرجعون من الحبشة بعد هجرتهم الأولى لما بلغهم الخبر بأن المشركين سجدوا خلف رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ظنوا أنهم آمنوا بالله جل وعلا فعادوا إلى مكة ولكنهم عندما رفعوا رؤوسهم جميعا أنكروا ما فعلوه وما صنعوه ولكنه القرآن الذي صدع عناد الكفر في رؤوسهم، فسجدوا جميعا لله من جلال القرآن وروعته وعظمته.

وهذا الوليد بن المغيرة والد فارس الإسلام وسيف الله المسلول والد خالد بن الوليد كان متعنتاً متكبراً منكرا فلما ذهب إلى النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ليعرض عليهم الملك والجاه والسلطان حتى يرجع إلى دين آبائه وأجداده، وقد قرأ عليه النبي آيات جليلة من القرآن الكريم قال الوليد كلماته الخالدة في حق القرآن – والحق ما شهدت به الأعداء – قال الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه.

هذا هو الصحيح هذه هي الكلمات الصحيحة وإنه ليعلو ولا يعلى عليه.. هذه شهادة كافر عنيد للقرآن فلما انطلق بهذه الكلمات للمشركين قالوا: إذا صدق والله الوليد إذا لتصبأن قريش كلها وعاد حتى لا تضيع زعامته في القوم ففكر وقدر الأمر من جميع جوانبه ثم عاد ليعلن شهادته الظالمة في حق النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كما قال ربنا جل وعلا في شأن الوليد: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا *وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴾ [سورة المدثر: 11، 28]. انظر إلى شهادته ف حق القرآن قال الله تعالى لنبيه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

وهذا عتبة بن ربيعة لما ظهر صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بدعوته بين الناس. جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل.وكان مما بذلته أن تشاور كبارها في التعامل مع دعوته صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وتسارع الناس للإيمان به.فقالوا: أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا. وشتت أمرنا. وعاب ديننا. فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه.فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة.فقالوا: أنت يا أبا الوليد.وكان عتبة سيداً حليماً. فقال: يا معشر قريش. أترون أن أقوم إلى هذا فأكلمه. فأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل منها بعضها.قالوا: نعم يا أبا الوليد. فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. دخل عليه. فإذا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جالس بكل سكينة. فلما وقف عتبة بين يديه. قال: يا محمد! أنت خير أم عبد الله؟! فسكت رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. تأدباً مع أبيه عبد الله.فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. تأدباً مع جده عبد المطلب.فقال عتبة: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ. وإن كنت تزعم أنك خير منهم. فتكلم حتى نسمع قولك. وقبل أن يجيب النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بكلمة. ثار عتبة وقال:
إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك!!. فرقت جماعتنا. وشتت أمرنا. وعبت ديننا. وفضحتنا في العرب. حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً. وأن في قريش كاهناً. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى. أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى. كان عتبة متغيراً غضباناً. والنبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ساكت يستمع بكل أدب.وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عن الدعوة. فقال:أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال. جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً.

وان كنت إنما بك حب الرئاسة. عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت.وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء. فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً.!!وان كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن تراه. لا تستطيع رده عن نفسك. طلبنا لك الطب. وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه. فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه.ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيء مع رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ويعرض عليه عروضاً ويغريه. والنبي عليه الصلاة والسلام ينصت إليه بكل هدوء.

وانتهت العروض. ملك. مال. نساء. علاج من جنون!!سكت عتبة. وهدأ. ينتظر الجواب.فرفع النبي عليه الصلاة والسلام بصره إليه وقال بكل هدوء: أفرغت يا أبا الوليد؟لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق الأمين. بل قال باختصار: نعم.فقال صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: فاسمع مني.قال: أفعل. فقال صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت: 1 – 4]. ومضى النبي عليه الصلاة والسلام. يتلوا الآيات وعتبة يستمع.وفجأة جلس عتبة على الأرض. ثم اهتز جسمه. فألقى يديه خلف ظهره. واتكأ عليهما.وهو يستمع. ويستمع. والنبي يتلو. ويتلو.حتى بلغ قوله تعالى. ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13]. فانتفض عتبة لما سمع التهديد بالعذاب. وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ليوقف القراءة.

فاستمر صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يتلو الآيات. حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة. فسجد.ثم رفع رأسه من سجوده. ونظر إلى عتبة وقال: سمعت يا أبا الوليد؟

قال: نعم.قال: فأنت وذاك.فقام عتبة يمشي إلى أصحابه. وهم ينتظرونه متشوقين.فلما أقبل عليهم. قال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم. قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟فقال: ورائي أني والله سمعت قولاً ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر. ولا السحر. ولا الكهانة. يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.

يا قوم!! قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ” حم * تنزيل من الرحمن الرحيم ” حتى بلغ: ” فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ” فأمسكته بفيه. وناشدته الرحم أن يكف. وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب. فخفت أن ينزل بكم العذاب.

ثم سكت أبو الوليد قليلاً متفكراً. وقومه واجمون يحدون النظر إليه.فقال: والله إن لقوله لحلاوة. وإن عليه لطلاوة. وإن أعلاه لمثمر. وإن أسفله لمغدق. وإنه ليعلو وما يعلى عليه. وإنه ليحطم ما تحته. وما يقول هذا بشر. وما يقول هذا بشر.

قالوا: هذا شعر يا أبا الوليد. شعر.فقال: والله ما رجل أعلم بالأشعار مني. ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني. ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا. ومضى عتبة يناقش قومه في أمر رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام. لكن نفسه لانت للدين.فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع. ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء.

وانظر إلى قِصّةُ إسْلَامِ الطّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدّوْسِي وكيف أثر القران الكريم عليه بعد تَحْذِيرُ قُرَيْشٍ لَهُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمْ النّصِيحَةَ وَيَدْعُوهُمْ إلَى النّجَاةِ مِمّا هُمْ فِيهِ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ، حِينَ مَنَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ يُحَذّرُونَهُ النّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ. وَكَانَ الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ يَا طُفَيْلُ، إنّك قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلّمَنّهُ وَلَا تَسْمَعَنّ مِنْهُ شَيْئًا.قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلّمَهُ حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا (الكُرْسُفُ:هو القطنُ)خوفا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ قَالَ فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتّبَعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْت: يَا مُحَمّدُ إنّ قَوْمَك قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي قَالُوا، فَوَاَللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت أُذُنَيّ بِكُرْسُفٍ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك، ثُمّ أَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَك،، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك. قَالَ فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ فَأَسْلَمْت وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ فتفكر الطفيل في حاله. فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً.وإذا هو يعبد حجراً. لا يسمع دعاءه إذا دعاه. ولا يجيب نداءه إذا ناداه. وهذا الحق قد تبين له. ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه.كيف يغير دينه ودين آبائه!!. ماذا سيقول الناس عنه؟!حياته التي عاشها. أمواله التي جمعها. أهله. ولده. جيرانه. خلانه. كل هذا سيضطرب.سكت الطفيل. يفكر. يوازن بين دنياه وآخرته. وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط.نعم سوف يستقيم على الدين. وليرض من يرضى. وليسخط من يسخط. وماذا يكون أهل الأرض. إذا رضي أهل السماء ماله ورزقه بيد من في السماء. صحته وسقمه بيد من في السماء. منصبه وجاهه بيد من في السماء. بل حياته وموته بيد من في السماء.فإذا رضي أهل السماء. فلا عليه ما فاته من الدنيا.إذا أحبه الله. فلبيغضه بعدها من شاء. وليتنكر له من شاء. وليستهزئ به من شاء.
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب.

اقرأ أيضا  مقدمة حول محور العقيدة في القرآن الكريم

قَالَ الطفيل فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ فَأَسْلَمْت وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ نعم. أسلم الطفيل في مكانه. وشهد شهادة الحق.

فكان الكافر يسمع القرآن فيتأثر به ويدخل في الإسلام وحدث هذا مع جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ بن عدى كان كافرا وجاء يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فى فِي فِدَاءِ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ ﴿ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ [الطور: 1 – 3]، قَالَ: فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ كَالْكَرْبِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَمْرِ الإِسْلامِ. المعجم الكبير للطبراني(1480) وثبت عن جبير بن مطعم رضى الله عنه:أنه قال:سمعت النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يقرأ في المغرب بالطُّور، فلمَّا بلغ هذه الآية: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الـْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الـْمُصَيْطِرُون ﴾ [سورة الطور، الآيات: 35- 37.] كاد قلبي أن يطير [وذلك]أول ما وقر الإيمان في قلبي)) (متفق عليه: البخاري برقم 4854، ورقم 4023 و مسلم برقم 463.).وهذا من أعظم البراهين على تأثير القرآن في القلوب فمع أنه كان كافرا لما ألقى أذنه للقرآن وفتح قلبه للقرآن تأثر به أليس من كان مسلما بالأساس أولى بالتأثر والتفاعل الجيد مع كتاب الله.

واجب المسلمين نحو القرآن الكريم.
أ‌- تعلمه وتعليمه تعظيمه وقراءته وتدبر آياته
فالمداومة على قراءته ومدارسته، فإن أفضل الناس من يتعلم القرآن ويعلمه، لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه، عَن عُثْمانَ بن عَفَّان رضى الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاْلَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاريّ (4739) وهذه أربعُ نِعَمٍ عظيمة لمن وفقه الله لمدارسة القرآن في المساجد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَن عِنْدَهُ. وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) رواه مسلم (2699).وعَن أَبِي ذَرٍ رضى الله عنه قَاْلَ: قَاْلَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( يَا أَبَا ذَرٍ لأَن تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِن كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن تُصَلِّيَ مِاْئَةَ رَكْعَةٍ) ” صحيح ” رواه ابن ماجه (219).

وقد أمرنا النبي (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) بقراءته وتعاهده، فعن أَبِي مُوسَى (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قَالَ:(تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) (صحيح البخاري)، فالقرآن الكريم مُكَوِّنٌ أساسيٌّ من مكونات الشخصية المسلمة، فمنه يستمد المسلم تعاليم دينه وآدابه، فعلى المسلم أن يسعى إلى تعلم قراءته جيدًا، وهذا الأمر ليس عسيرًا، فإننا نجد من الناس من يلجأ إلى تعلم اللغات الأجنبية، وتكبد المشاقّ في سبيل تحصيل ألوان من العلوم للحصول على وظيفة تدر عليه دخلًا وفيرًا، فكيف بمثل هذا أن يتكاسل عن تعلم كلام الله تعالى متعللًا بصعوبة قراءته ولقد وعدنا الحق سبحانه وتعالى أن ييسر كتابه علينا قراءةً وتعبدًا، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].

تدبر آياته وكأنه يتنزل على قارئه، فإن واجبنا نحو القرآن الكريم لا يتوقف عند حد التلاوة فحسب، بل علينا أن نتدبره حتى نتذوق حلاوته ونستشعر عظمته فهل نتدبر القرآن كما نتدبر الفيس بوك وتويتر والواتس آب والمسلسل العربي والهندي والتركي واللبناني والفيلم بجميع أنواعه والمباريات وغيرها أم هل أنزل الله القرآن ليقرأ على الأموات في القبور؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع في العلب القطيفة الفخمة الضخمة التي توضع في مؤخرة السيارة، وفى غرف الصالون؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع في البراويز الفضية والذهبية ويعلق على الجدران والحوائط؟ هل أنزل الله القرآن ليحلى به النساء صدورهن في مصاحف صغيرة؟ هل أنزل الله القرآن ليهديه الحكام والزعماء إلى بعضهم البعض، فترى الحاكم يستلم المصحف منحينا على كتاب الله ليقبله بخضوع جسدي كامل كأنه عثمان بن عفان في الوقت الذي يضيع فيه شريعة هذا القرآن: ﴿ طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [سورة طـه: 1، 2]. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به أو لتشقى الأمة من بعدك به أو لتشقى بحدوده وأوامره ومناهيه وتكاليفه، كلا بل لقد أنزل الله عليك القرآن لتقيم به أمة لتحيى به أمة لتقيم به دولة لتسعد به البشر في الدنيا والآخرة: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء:9].

فمن أعظم حقوق القرآن على الأمة التي أنزل الله على نبيها القرآن آن تقرأ القرآن بتدبر بتفهم بتعقل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [سورة محمد: 24] ] ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24] أي قد أُغْلِقَ على ما فيها من الشر، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً، هذا هو الواقع.. (انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص788.).وقال عز وجل: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، فإن أعلى أهل القرآن أجرًا هم الذين يقرؤون بألسنتهم ويتدبرون بعقولهم وقلوبهم، قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

أيها الأفاضل كلام الله جل جلاله ألا وهو القرآن الكريم الذي لو أنزله الله على جبل لتصدع الجبل من خشية الجليل قال سبحانه: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة الحشر: 21]. كيف تخشع الجبال للقرآن ولا تخشع القلوب؟ سؤال مرير كيف تتصدع الجبال للقرآن ولا تتحرك له القلوب: ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: ميت القلب فهذا لو سمع القرآن كله ما تدبر وما تأثر.

الصنف الثاني: حي القلب لكنه معرض عن القرآن، حي القلب لكنه لا يسمع بأذن رأسه ولا بأذن قلبه لآيات الله المتلوة، ومن ثم هو لا يتأثر البتة بآيات الله المتلوة والمرئية في الكون؛ لأنه معرض بسمعه وقلبه عن الله جل وعلا هؤلاء هم أهل الغفلة عياذا بالله.

الصنف الثالث: حي القلب منتفع بالآيات المتلوة والمرتبة قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [سورة ق: 37]. فرجل حي القلب ومع ذلك إذا سمع من الله أصغى بسمعه واستجمع كل كيانه وكل جوارحه بإنصات وخشوع ليسمع عن الله إذا سمع ربه يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [سورة المائدة: 1]. أصغى بسمعه وانتبه غاية الانتباه لأن الذي ينادى عليه ربه، فإما خيراً سيأمر به وإما شراً سينهى عنه، فإذا تلى عليه القرآن الكريم تأثر فخشع قلبه واقشعرت جوارحه وانطلق ليحول هذا الكلام الغالي الجليل إلى واقع عملي في دنيا الناس.

هذا هو الذي ينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المشهودة أي: المرئية في الكون من عرشه إلى فرشه، فالقرآن تخشع وتتصدع له الجبال ولا تتحرك له القلوب الموات لذا قال عثمان رضى الله عنه: والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا.

ب – الأدب مع القرآن، والتخلق بأخلاقه.
فإن من الواجب على قارئ القرآن الكريم أن يتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، ويتمسك بتعاليمه، فبأخلاقه يتحرر الإنسان من أهوائه وشهواته، وتتقوى نفسه بالأخلاق القويمة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وأسوتنا في ذلك رسول الله (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قد كان قرآنا يمشي على الأرض، يتخلق بخلقه، يرضى برضاه، ويسخط لسخطه، وقد سئلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن أخلاقه (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) فقالت: «كَانَ خلقه الْقُرْآن»[مسند أحمد].

ولقد دعانا القرآن الكريم في معظم آياته البينات إلى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، فمنه نتعلم الرحمة، والصدق، والعدل، والسماحة، والأمانة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ففي ذلك سعادته في الدنيا والآخرة.

حافظ القرآن يا إخوة، ينبغي أن يتميز عن غيره، ينبغي أن يعرف بطهارة لسانه من الغيبة و من البذاءة، و بنقاء قلبه، و بسمو خلقه في تعامله مع الناس، و باهتمامه بإخوانه المسلمين. يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ينبغي لحامل القرآن أن ف بليله إذ الناس نائمون، و بنهاره إذ الناس مفطرون، و بحزنه إذ الناس فرحون، و ببكائه إذ الناس يضحكون، و بصمته إذ الناس يخلطون، و بخشوعه إذ الناس يختالون، و ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا، و لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا و لا غافلا و لا صخابا و لا صياحا و لا حديدا – أي فيه حدة و هي الغضب -. و قال الفضيل: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلغو مع من يلغو، و لا يسهو مع من يسهو، و لا يلهو مع من يلهو، تعظيما لله تعالى.

ج – العمل بأوامره ونواهيه.
فإن واجبنا نحو القرآن الكريم لا يقف عند تلاوته أو جمعه في الصدور أو حتى تدبره، إنما يتم بالتزام أوامره ونواهيه، بحيث يظهر هذا جليًا في أفعالنا وأخلاقنا كما كان رسول الله (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) وأصحابه، فعلى المسلم أن يأتمر بأوامر القرآن الكريم وينتهي عن نواهيه، يقول النبي (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ): «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»[صحيح مسلم]، يكون حجة عليك حين تقرؤه فلا يتجاوز آذانك، ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرفاتك، فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. وقال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى *وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [سورة طه، الآيات: 123- 127]، وقال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾ [سورة طه، الآيات: 99 – 101].

وعن سمرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.. يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟))، قال: فَيُقَصُّ عليه ما شاء الله أن يُقصَّ، وإنه قال ذات غداة: ((إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما..))، الحديث وفيه ((.. فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهرٍ أو صخرة فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر))، وفي رواية: ((وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل مرة الأولى، قال قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق..))، الحديث وفي آخره ((.. أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة))، وفي لفظ: ((والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علَّمَهُ الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار..) البخاري.

ومن واجبنا نحو القرآن الكريم أن نواجه تحريف الغالين وتأويل المبطلين الذين يحاولون توظيف القرآن الكريم سياسيًا أو أيديولوجيًا للحصول على مأرب أو مغنم، فيجب أن يُتَلقى القرآن الكريم لفظًا ومعنى من أهل الذكر المتخصصين من علماء الأمة الموثوق بعلمهم الذين يعلمون الناس صحيح الدين ومنهج الإسلام القويم، والذين لا يوظفونه لمصالحهم أو يفسرونه وفق أهوائهم.

فما أشد حاجة العالم اليوم إلى هداية القرآن الكريم، فإن أزمة العالم الآن أزمة أخلاقية، وما من كتاب دعا إلى مكارم الأخلاق مع كل الناس مثل القرآن، وإذا كان خطأ المسلمين في هذا الزمان بعدهم عن أخلاق القرآن فإن من أوجب الواجبات عليهم العودة إلى أخلاقه متمثلين النموذج العملي الأكمل في امتثال الأخلاق القرآنية وهو من تنزل عليه القرآن (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) وهو الذي وصفه ربه بأنه على خلق عظيم لامتثاله الأخلاق القرآنية المبثوثة في طول القرآن وعرضه، فقد كان أجمع الخَلْق خُلُقا، لأنه كان أجمعهم للقرآن تطبيقا وامتثالا، يقول تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، كما هو منطوق حديث عائشة (رضي الله عنها) حين سئلت عن أخلاقه (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) قالت: «كَانَ خلقه الْقُرْآن»[مسند أحمد].

وإننا إذ نذود عن القرآن الكريم الآن لنرجو أن يكون القرآن خير من يدافع عنا يوم لا نجد نصيرًا ولا مدافعًا، فعن أبي أمامة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) يقول: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ». وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا» [صحيح مسلم].

فإذا داوَم المُسلمون على تلاوتِه، وتدبَّر معانِيه، وعمِلوا به، وتعلَّموه وعلَّموه أبناءَهم، كان له أعظم النفع، فبه صلاح المجتمع، حيث تنتشُر الرحمة والعدل، وتنصلِح القلوب، وتكثر الخيرات، وتندفعُ الشُّرور والمُهلِكات.

المراجع:
♦ صحيح البخاري.
♦ فضائل القرآن للقاسم بن سلام.
♦ المعجم الكبير للطبراني.
♦ شعب الإيمان للبيهقي.
♦ السيرة النبوية لابن هشام.
♦ موسوعة نضرَة النعيم في مَكارم أخلاق الرّسول الكريم صَلى الله عَليْه وَسَلم.
♦ الأربعين في فضائل القرآن وأهله العاملين جمع خادم القرآن وأهلِه كمال بن سيِّد اليمانيّ.
♦ أربعون حديثاً في فضائل القرآن. أبو محمد البقاعي الشامي الأثري..
♦ عظمة القرآن الكريم وتعظيمه وأثره في النفوس في ضوء الكتاب والسنة د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
♦ الحبائك في أخبار الملائك المؤلف: جلال الدين السيوطي.
♦ موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود.
♦ المسند الجامع تأليف أبي الفضل السيد أبو المعاطي النوري.
♦ الجامع الصحيح سنن الترمذي تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.
♦ شرح رياض الصالحين المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ).
♦ كتاب:اِسْـتمـتِـعْ بـِحـَياتِك مهارات وفنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية بقلم / د.محمد بن عبد الرّحمن العريفي.
♦ خطب الشيخ محمد حسان (حق القرآن).
♦ خطب رمضانية للدكتور عبد الرحمن البر.
♦ خطبة قراءة في السياسة الأمريكية للشيخ يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه.
♦ ماذا بعد حفظ القرآن؟!! لبنى شرف / الأردن نقلا من موقع صيد الفوائد.
♦ شرح حديث الأترجة محمود حسن عمر.
♦ شبكة الإنترنت.
-الألوكة-