وانقضت العشر الأوائل من رمضان

(معراج)- مسلم – بقلم أميمة الجابر – أحوال الناس في رمضان تختلف , منهم من عرف قيمته , فحاول القيام بقدر من الطاعات فيه , ومنهم من تطايرت الايام الماضية منه غفلة والتهاء حتى ربما يفاجئه يوم العيد !

إن ثمة ما يكمن في القلب فيدفع للعمل , وثمة ما يقر في الصدر فيدعو إلى الثبات والزيادة , إنه الشعور الصادق بالافتقار إلى الله سبحانه , وبالحاجة التامة له عز وجل , إذ لاحياة لنا إلا به سبحانه ولا فلاح لنا إلا برضاه سبحانه ..

ليس لنا إلا الافتقار له سبحانه فهو أعلم بنا وبقلوبنا فليس لنا سواه وهو سبحانه سميع لنا بصير بما نفعل , هو الغني ونحن الفقراء إليه وهو القوي ونحن الضعفاء إليه سبحانه ..

 فإن لم يخشع القلب الآن ونحن في أمس الحاجة لذلك هذه الأيام فمتي يخشع ؟

وإن لم تذرف العين دمعاتها على تفريطنا في هذه الأيام فمتى إذاً يكون البكاء , وقد قال تعالى ” ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ” الإسراء 109

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” اللهم إني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ” رواه مسلم

فخشوعنا له عز وجل ودموعنا في مناجاته والإخلاص في ذلك … قد يكون سبيلا للافتقار إليه , وبصلواتنا وسجودنا في جوف الليل وخلواتنا ومناجاتنا إليه سبيلا للافتقار له تعالى , إن خضوع الجوارح كلها له… قد يكون سبيلا للافتقار إليه سبحانه .

فلنعزم إذن بكل ما أوتينا من قوة في الأيام الباقيات على الصمود والمواصلة لإتمام رمضان بعبودية تبلغنا أهدافنا .

 ولنهيئ الأجواء لتحقيق ذلك الهدف , بتفريغ الذهن من الانشغالات والأعباء وعدم تعلق القلب بشيء يمنعنا من التركيز فيها .

 ولنبدأ بالسلام ونقطع الخصام ونقف عن المشاجرات خاصة بين الزوجين لأن هذه الأجواء المشحونة بالأحزان والخصام تحرمنا من اغتنام هذه الأيام على الوجه الذي يليق والذي نرغب فيه

 ولنترك كل ما يعرضنا للغفلة والتهاون وخاصة في دعائنا , فليكن القلب حاضرا والذهن صافيا , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ” اخرجه الترمذي
ولنعد لكتاب الله بعد الفراق , فلنقرأه مع تدبر آياته , يقول تعالى :” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته “

فينبغي مع التلاوة التدبر , فلا نفرح بكثرة التلاوة دون تدبر , يقول الرسول صلي الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو بن العاص و هو يوضح له سبب نهيه عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث أيام ” لا يفقه من يقرؤه في اقل من ثلاث ” أخرجه أحمد وابن حبان و صححه الألباني .

ولذلك فمن جانب آخر قد نخسر الأجر عند مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في الاستزادة بعيدا عن سنته , فقد وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال :” إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدْر ما يقول فلينصرف , فليضطجع” أخرجه مسلم

وعندما نزلت تلك الآيات من سورة آل عمران :” إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ” قال صلى الله عليه وسلم :” ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر بها ” أخرجه بن حبان في تصحيحه.

فالنصوص تؤكد ضرورة إقبال القلب في إتمام العبادات وضرورة تدبر القرآن ..

وأيضا حتى نشعر بحلاوته فلا بد من ذلك أن نجمع إحسان العبادة والاجتهاد في حضور العقل والقلب ومن ثم فلنكثر ما شئنا .

وحتى لا نخسر الثواب رغم كل ما بذلناه من اجتهاد في العبادات , يقول ابن القيم : ” وكل قول رتب الشارع ما رتب عليه من الثواب , إنما هو القول التام , كقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه , أو غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ” وليس هذا مترتبا على قول اللسان فقط … نعم , من قالها بلسانه غافلا عن معناها معرضا عن تدبرها , ولم يواطئ قلبه لسانه ولا يعرف قدرها وحقيقتها راجيا مع ذلك ثوابها , خطت من خطاياه بحسب ما في قلبه , فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها , وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل  كما بين السماء والأرض , والرجلان يكون مقامهما في الصف واحد وبين صلاتهما ما بين الصلاة والأرض “

إذاً علينا الإحسان ثم الإكثار سواء في الصلاة أو في الذكر أو في تلاوة القران أو غير ذلك من العبادات أما الإكثار وحده فلا , بل لابد أن يضبطه ضابط السنة .

إن الأيام كلها تمر علينا كالبرق لكننا قد لا نشعر بسرعتها إلا في أيام رمضان , فاليوم الذي يمر علينا هو نعمة ومنة ربانية علينا اغتنامه قدر استطاعتنا قبل أن يأتي اليوم الموعود لكل إنسان يقول الله تعالى :” استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ ولما لكم من نكير ” الشورى.

رمضان فرصتنا لنؤدب قلوبنا وجميع جوارحنا مفتقرين لله تعالى مصلحين لها فنرمم ما فسد منها ونجاهد انفسنا بأن لا نتلف ما أصلحنا بعد رمضان

ولا ننسى في تلك الأيام كثرة الدعاء فهو العبادة ولا يرد القدر سواه وفيه يظهر ويتضح ويتمثل فقرنا وذلنا وانكسارنا له سبحانه .

 وليتذكر من فاته العشر الأوائل من رمضان دون تحصيل أو بالتحصيل القليل أن ما زال رمضان بأيامه أمامنا وستأتي بإذن الله العشر الأواخر التي بها ليلة القدر, يقول صلى الله عليه وسلم :” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبة ” رواه البخاري.

إننا وإن كنا نوصي برمضان فإننا نوصي بكل ما بقي من عمرنا ولنعلم أن مدار السعادة فيه يدور على شيئين ,إخلاص العبادة لله تعالى , والإحسان إلى الخلق ..
ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ” رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ” أخرجه الترمذي وصححه الالباني .

وكالة معراج للأنباء

اقرأ أيضا  الاتصالات الإسرائيلية تجتاح الضفة وتهدد بانهيار نظيرتها الفلسطينية (تقرير)
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.