ولن تجد لسنة الله تحويلًا

الأربعاء،4 رجب 1436//22 أبريل/نيسان 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أمرنا الله تعالى بتدبر كتابه الكريم، والتأمل فيما فيه من الحكم والأحكام، والعقائد والأعمال، والأخلاق والآداب، فالقرآن الكريم كتاب هداية للبشرية، يحمل لها النور والعلم وسبل الفلاح في الدنيا والآخرة.
واشتمل القرآن الكريم على آيات كثيرة تقرر أن لله تعالى سننا ثابتة، ونواميس لازمة، تتسم هذه السنن بالثبات وعدم التغير، وتتصف بالشمول والعموم، كما أنها نافذة متحققة لا تتخلف ولا تتبدل، التفقه بها تدبر لبعض ما اشتمل عليه القرآن من العلوم النافعة، كما أنه يجعل المسلم على بصيرة وبينة فيسلك سبيل النجاة ويحذر سبل الهلاك، أما الجهل بها والإعراض عنها فيعرض المسلم للخطر؛ إذ لا يأمن المرء أن يقع فيما وقع فيه السابقون فيصيبه ما أصابهم كما قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}.
ويعرف الراغب الأصفهاني السنن فيقول: السنن جمع سنة، وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته، نحو {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلًا}، {ولن تجد لسنة الله تحويلًا} ففروع الشرائع، وإن اختلفت صورها، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل، وهو تطهير النفس للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره.
وبتتبع القرآن الكريم نجد أن سنن الله تعالى متنوعة، منها سنة التغيير كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ومنها سنة المداولة كما قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، ومنها سنة التدافع كما قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا}، وغيرها من السنن القرآنية.
وبعض تلك السنن الإلهية تحمل الخير للمسلمين، لذا بينها لنا سبحانه وأمرنا باتباعها كما قال تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، وقال سبحانه: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم}، قال ابن سعدي: يخبر الله تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال: {يريد الله ليبين لكم} أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحلال والحرام {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم في سيرهم الحميدة وأفعالهم السديدة وشمائلهم الكاملة، فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين بيانًا كما بين لمن قبلكم وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل.
وقال تعالى: {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلًا}، قال ابن سعدي: هذه بشارة من الله تعالى لعباده المؤمنين بنصرهم على أعدائهم الكافرين، وقال ابن كثير: أي: هذه سنة الله وعادته في خلقه: ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وكثرة المشركين.
كما أن بعض تلك السنن في حقيقتها عقوبة جسيمة كما قال تعالى: {فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تحويلًا}، قال ابن سعدي: سنة الله في الأولين التي لا تبدل ولا تغير أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن تحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فليترقب هؤلاء ما فعل بأولئك.
وقال سبحانه: {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلًا}، قال ابن سعدي: من تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة {ولن تجد لسنة الله تبديلًا} أي: تغييرًا، بل سنته تعالى وعادته جارية مع الأسباب المفضية لمسبباتها.
وقال عز وجل: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلًا}، قال ابن سعدي في فوائد الآية: وفيها أن الله إذا أراد إهلاك أمة تضاعف جرمها وعظم وكبر، فيحق عليها القول من الله فيوقع بها العقاب، كما هي سنته في الأمم إذا أخرجوا رسولهم، وقال ابن كثير: أي هكذا عادتنا في الذي كفروا برسلنا، وآذوهم بخروج الرسول من بين أظهرهم يأتيهم العذاب، ولولا أنه صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة لجاءهم من النقم في الدنيا ما لا قبل لأحد به، ولهذا قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.
وقال تعالى: {سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرًا مقدورًا}، وقال {سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}، قال ابن كثير: أي: هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل، ولهذا جاء في الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وأطلق الله تعالى سنة الأولين على عادته في إهلاك المكذبين فقال تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلًا}، قال ابن سعدي: أي: ما منع الناس من الإيمان، والحال أن الهدى الذي يحصل به الفرق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، قد وصل إليهم، وقامت عليهم حجة الله، فلم يمنعهم عدم البيان، بل منعهم الظلم والعدوان عن الإيمان، فلم يبق إلا أن تأتيهم سنة الله وعادته في الأولين من أنهم إذا لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب، أو يرون العذاب قد أقبل عليهم ورأوه مقابلة معاينة، أي: فليخافوا من ذلك وليتوبوا من كفرهم قبل أن يكون العذاب الذي لا مرد له.
وقال سبحانه: {لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين}، قال ابن كثير: أي: قد علم ما فعل تعالى بمن كذب رسله من الهلاك والدمار، وكيف أنجى الله الأنبياء وأتباعهم في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: {وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين}، قال ابن كثير: وقوله: {وإن يعودوا} أي: يستمروا على ما هم فيه {فقد مضت سنة الأولين} أي: فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعالجهم بالعذاب والعقوبة.
-البشرى-

اقرأ أيضا  من سيادة الأمة إلى هيمنة الشريعة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.