يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين

الأربعاء 11 ذو القعدة 1436//26 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد حسن نور الدين إسماعيل
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149].

قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُطِيعُوا… ﴾: طوع يديه؛ أي: منقاد له[1].

الطَّوع: الانقياد، ويضاده الكَرْه، قال تعالى: ﴿ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ﴾ [فصلت: 11]، وقال: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾ [آل عمران: 83]، والطاعة أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر[2].

سبق وأن مرَّ تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100] في النداء الثاني عشر، في سورة آل عمران، الآية رقم 100، ففيه قد نهى الله تعالى عن طاعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفي هذه الآية ينهَى الله – عز وجل – عن طاعة الكافرين أجمعهم على جميع مللِهم.

قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -:
يُحذِّر الله تعالى عبادَه المؤمنين من طاعة الكافرين والمنافقين، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149]، ثم أمرهم بطاعته وموالاته، والاستعانة به والتوكل عليه، فقال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 150]، ثم بشَّرهم بأنه سيُلقِي في قلوب أعدائهم الخوفَ منهم، والذلة لهم، بسبب شركهم، مع ما ادخره لهم في الدار الآخرة من العذاب، فقال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ… ﴾ [آل عمران: 151].

اقرأ أيضا  معنى نزول القرآن على سبعة أحرف

قال الشيخ أبو بكر الجزائري:
لفظ (الكافرين) شامل لكل ما أوِّلت الآية به من المشركين والمنافقين واليهود، وهذا أمر لا ينكر؛ فإن طاعة الكافرين لا تفضي بمن أطاعهم إلا إلى الخيبة والخسران في الدارين.

وسياق الآيات السابقة لتلك الآية هي في أحداث غزوة أحد، فقد رُوِي أن بعض المنافقين لَمَّا رأى هزيمةَ المؤمنين في أُحُدٍ قال في المؤمنين: “ارجِعوا إلى دينكم وإخوانكم، ولو كان نبيًّا لَمَا قُتِل”، إلى آخر ما من شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من الاقتراحات التي كشف عنها هذا النداء الإلهي للمؤمنين، وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149]، فلا شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعتِهم بتنفيذ بعض الاقتراحات التي ظاهرها النصح، وباطنها الغش والخديعة، فنهاهم الله تعالى عن طاعتهم في ذلك، وهذا النهي وإن نزل في حالة خاصة، فإنه عامٌّ في المسلمين على مدى الحياة، فلا يحل طاعة الكافرين من أهل الكتاب وغيرهم، وفي كل ما يأمرون به أو يقترحونه، ومَن أطاعهم ردُّوه عن دينه خاسرًا في دنياه وآخرته[3].

اقرأ أيضا  أطوار خلق الإنسان في القرآن بين الإعجاز التربوي والإعجاز العلمي

فوائد من الآيات[4]:
1- تحريم طاعة الكافرين في حالة الاختيار، أما في حالة الإكراه، فإن مَن لم يُطِق العذاب يُرخَّص له في إعطائهم ما طلبوا، على شرط أن يكون كارهًا بقلبه، ساخطًا في نفسه، غير راضٍ عنهم ولا عن صنيعهم؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].

2- بيان الحكمة في تحريم طاعة الكافرين، وهو أنه يترتب عليها الردة والعياذ بالله.

3- بيان قاعدة مَن طلب النصر من غير الله أذلَّه الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126].

4- وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم؛ إذ همَّ أبو سفيان بالعودة إلى المدينة بعد انصرافه من غزوةِ أُحدٍ ليقضي على مَن بقي في المدينة من الرجال، كذا سوَّلت له نفسه، ثم ألقى الله تعالى الرعب في قلبه، فعدل عن ذلك بتدبير الله تعالى.

اقرأ أيضا  الإعجاز السنني في القرآن الكريم

5- بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حُجَّة، وهي المُعبَّر عنها بالسُّلطان في الآية؛ إذ الحجة يثبت بها الحق، ويناله صاحبها بواسطتها.

________________________________________
[1] مختار الصحاح – الرازي.
[2] المفردات في غريب القرآن – الراغب الأصفهاني.
[3] أيسر التفاسير، الجزائري، ج 1ص214.
[4] أيسر التفاسير، الجزائري، ج 1ص214.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.