نماذج المرأة المسلمة (1)

الإثنين21 شعبان1436//8 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد أحمد دهمان
إن مما يبهج النفوس، ويثير العواطف أن نرى المرأة المسلمة آخذة بأسباب الرقي والحضارة، مصافحة بيمناها القلم، وباليسرى القرطاس، تدبج المقالات الرائعة، والأبحاث القيمة، والمقالات المفيدة، لقد كانت المرأة في عصور الإسلام الذهبية مثالاً للكمال الإنساني، والترقي الحقيقي، والعلم الصحيح، إذ كانت المرأة المسلمة شريكة للرجل المسلم في بناء النهضة الإسلامية والتمدن الإسلامي، والحضارة الإسلامية، فقد قامت بواجبها في كل نهضة إسلامية نافعة.

صاحبت المرأة المسلمة الجيوش العربية في الفتوحات الإسلامية، في عصر الخلفاء الراشدين وما بعده، وقامت بواجبها من الجهاد لإعلاء الراية الإسلامية، فكان لها قسط وافر في فتوحات العراق والشام ومصر والأندلس وغيرها من البلاد إذ كانت تصحب الجيش وتهيئ له لوازمه، وتضمد جراح الجرحى، وأحياناً كانت تضطر إلى مباشرة الحرب بنفسها كما وقع لها ذلك غير مرة.

وكما قامت المرأة المسلمة بواجبها في الجيوش البرية فإنها قامت بواجبها أيضاً في الجيوش البحرية، فصاحبت الأسطول الإسلامي، وامتطت لجة البحر فكانت في الجيش البحري كما كانت في الجيش البري، وإن من شهيرات من ركبن البحر للجهاد: أم حرام بنت ملحان، خالة أنس بن مالك وزوجة عبادة بن الصامت، كانت مع زوجها المذكور وتوفيت مجاهدة فدفنت في ساحل جزيرة قبرص، وكان في هذه الغزوة أيضاً: فاختة بنت قرظة، مع زوجها معاوية ابن أبي سفيان قائد هذا الجيش.

وكما قامت المرأة المسلمة بقسطها من الجهاد الحربي قامت بواجبها أيضاً في الجهاد العلمي، فقل في العصور الإسلامية الأولى من لا يحفظ من النساء القرآن الكريم، وطرفاً من أحكام الفقه والحديث وعلمي المحاضرات والتاريخ وآداب اللغة العربية وأخبار السلف من الخلفاء والشعراء والمحدثين، والغزاة والفاتحين، بل إن كثيراً منهن نبغن في هذه العلوم حتى صرن أساتيذ لكثير من العلماء المشهورين ومن شهيرات من نبغ منهن في دمشق، أم الدرداء الصغرى زوجة أبي الدرداء الصحابي الجليل، وقاضي دمشق وعالمها فقد تلقت عن زوجها علوم الفقه والتشريع والقرآن، وتصدرت لنشر هذه العلوم بين الرجال والنساء، وأخذ عنها جماعة من كبار التابعين منهم: إبراهيم بن أبي عبلة الدمشقي الثقة التابعي الكبير، وعرض عليها القرآن الكريم سبع مرات، ومن أشهر تلامذته الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المشهور، والإمام عبدالله ابن المبارك وتوفي إبراهيم سنة (151).

اقرأ أيضا  المرأة المسلمة والتحدي الحضاري

وممن أخذ عن أم الدرداء، أيضاً عطية بن قيس الكلابي الحمصي التابعي الجليل الذي صار شيخ الإقراء بدمشق بعد الإمام الشهير عبدالله بن عامر، وكان أهل دمشق في عصره يرجعون إليه في ضبط مصافحهم، توفي سنة (121).

أخذت دمشق تخرج فضليات النساء آناً بعد آن حتى كانت الدولة النورية، ثم الصلاحية الأيوبية، فإذا في بلاد الشام نهضة لا مثيل لها في بقية البلاد الإسلامية، وإذا بالمدارس العالية تبنى وتشاد في كل بلدة وقرية من بلاد الشام، وإذا بابن جبير الأندلسي يزور دمشق في أيام السلطان صلاح الدين ويستقل الحياة الأندلسية أمام نهضة دمشق العلمية.

قامت المرأة المسلمة في الدولة الأيوبية خير قيام، وعمرت من المدارس ومعاهد العلم ما لا يقل عدده عن المدارس التي عمرها الرجال. وقد تصدرت المرأة المسلمة في كثير من المدارس للاستفادة والإفادة والتدريس والتصنيف، مما جعل لها صفحة خالدة في صفحات التاريخ الإسلامي. وإننا نذكر هنا نماذج عن بعض هذه الفضليات لتتعرف بها المرأة المسلمة في نهضتها الحاضرة.

اقرأ أيضا  لكونها مسلمة.. منع امرأة من استئجار منزل في الهند

الصاحبة: واسمها ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيوب وهي أخت صلاح الدين الأيوبي، كانت عالمة فاضلة، وقد بنت مدرسة عظيمة في حي الصالحية، في أول حي الأكراد اليوم، وهي تعد اليوم من أجمل بنايات دمشق، وقد بنت هذه المدرسة لأستاذها ناصح الدين عبدالرحمن بن نجم الدين الحنبلي المتوفي سنة (634)، وكان يوضع لها ستر في المدرسة المذكورة تجلس خلفه وتسمع دروس أستاذها، توفيت سنة (643).

العالمة: واسمها أمة اللطيف، وهي بنت ناصح الدين الحنبلي المتقدم ذكره، وكانت في صحبة الصاحبة ربيعة خاتون أخت صلاح الدين، وعنها تلقت الصاحبة جل علومها. وكانت العالمة غنية مثرية عالمة فاضلة، ولها عدة تآليف، ولذلك اشتهرت بالعالمة، وقد بنت مدرسة في صالحية دمشق كان محلها قبلي جامع الأفرم، وقد اندثرت اليوم ولم يبق لها أثر شأن أكثر المدارس، وقد أوقفت عليها من العقارات أوقافاً جمة، وتولى التدريس فيها كثير من العلماء، ولما توفيت الصاحبة صودرت العالمة وحبست، لأمور سياسية ثم أفرج عنها وتزوجها الملك الأشرف صاحب حمص، فسافرت معه إلى الرحبة وتل ناشر ثم توفيت سنة (653).

اقرأ أيضا  الثقة بالنفس عند النساء

عائشة بنت محمد عبدالهادي الصالحية: هي المسندة رحلة الدنيا أم محمد مولدها سنة (723) سمعت على الحجار صحيح البخاري وغيره، فكانت آخر من حدث عنه بالصحيح سماعاً وعلى الشرف عبدالله بن الحسن صحيح مسلم، وعلى عبدالقادر بن الملوك سيرة ابن هشام، وعلى والدها، وعبدالله بن الحسين بن أبي التائب وأبي بكر بن الرضي، والشهاب الجزري، وعائشة ابنة مسلم، وأجاز لها خلائق منهم البرهان بن الفركاح، وابن الزرار، والشهاب الجعبري، وست الفقهاء ابنة الواسطي وكانت آخر من حدث عن هؤلاء بالسماع والإجازة وكانت آخر عمرها أسند أهل الأرض، غير أنه لم ينتفع بها لخلو دمشق يومئذ من طلبة الحديث، وتوفيت يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى عام 816 فشيعت بجنازة حافلة ونـزل الناس بموتها في جميع الآفاق درجة.

(يتبع)

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الأول، 1356هـ – 1937م

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.