الحرب على الإرهاب وصناعته بعد 11 سبتمبر
زهير حمداني
السبت 28 ذو القعدة 1436//12 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
تعبر الصور، التي نشرت مؤخرا لأركان إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، عن حالة ذهول وصدمة عندما ضربت طائرات مدنية يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 أهدافا في نيويورك وواشنطن، لكنها تخفي الكثير من نوايا تلك الإدارة بشأن ترتيبات ما بعد هذا اليوم محليا وعالميا.
في ذلك اليوم، كان الذهول سمة كل من يشاهد العملية المنقولة تلفزيونيا، واعتقد الكثيرون في البداية أن الحوادث مجرد عرض مبهر بإخراج هوليودي، لكن تلك المشاهد غيرت العالم كثيرا حتى هذه اللحظة، تحت دعوى أميركية لمحاربة “إرهاب” يبدو أن عوده اشتد أكثر في السنوات الأخيرة.
واعتمد كثيرون على دقة تلك الهجمات وأسلوبها المبتكر لتأكيد نظرية المؤامرة، فقد ساق كتاب ومحللون طوال سنوات مبررات عديدة لاتهام وكالات الأمن الأميركية بتدبير الهجمات لإدخال العالم في “ليل أميركي طويل” تحت ذريعة محاربة “الإرهاب” كما يقولون.
العدو الشبح
ففي يوم 11 سبتمبر 2001، تعرضت الولايات المتحدة الأميركية لأكبر هجوم “إرهابي” في تاريخها الحديث، إذ تم تحويل اتجاه أربع طائرات مدنية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة نجحت في ذلك ثلاث منها.
تمثلت الأهداف في برجَي مركز التجارة الدولية بمانهاتن، ومقر وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) وسقط خلالها نحو ثلاثة آلاف قتيل و24 مفقودا، إضافة لآلاف الجرحى.
وبعد ساعات من أحداث 11 سبتمبر، وجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، ولاحقا نشرت تفاصيل المخطط الذي نفذه 19 شخصا ينتمون إلى التنظيم الذي خطط للعملية من أفغانستان، وفق الأجهزة الأمنية الأميركية.
ومن أهم مفاعيل هذا اليوم المشهود في التاريخ الأميركي نشوء ما يعرف بالحرب الكونية على “الإرهاب” وقانون الحماية الوطنية الذي برر إسقاط دول وأنظمة بدعوى دعمها “الإرهاب” ومنح صلاحيات لأجهزة المخابرات والجواسيس، وحرية الحركة للطائرات بدون طيار.
ويرى العديد من المحللين والمتابعين والمفكرين -سواء من أنصار نظرية المؤامرة أو غيرهم- أن الولايات المتحدة وخاصة المؤسسة العسكرية صنعت من خلال 11 سبتمبر “شبحا” يسمى “الإرهاب” لتطارد أهدافها في كل مكان، وأوجدت بذلك المرونة اللازمة لتحقيق أجنداتها الإستراتيجية في العالم دون مساءلات من الداخل أو الخارج.
وحدثت تغييرات كبيرة في السياسة الأميركية، بفعل إعلانها الحرب على “الإرهاب” وأدت هذه التغييرات لحرب على أفغانستان وتنظيم القاعدة وإسقاط نظام حكم طالبان والحرب على العراق، وإسقاط نظام صدام حسين، ليأتي صعود تنظيم الدولة الإسلامية كخاتمة غير منتظرة للحرب الأميركية على “الإرهاب”.
واستثمرت الإدارة الأميركية خوف الأميركيين وغضبهم من العملية التي ضربت في العمق الإحساس بالأمان لديهم -تقريبا كما حدث مع الهجوم الياباني على قاعدة بيرل هاربر الأميركية عام 1941- وروجت لخطاب تأثيمي ثأري ضد الحركات الإسلامية وخاصة حركة طالبان، ثم بقية الأعداء الذين تصنعهم دوائر المخابرات المركزية مستحضرة خطاب نشر الديمقراطية والحرية للشعوب والمجتمعات.
واستغلت واشنطن حالة الرهاب في العالم بعد الحادثة من أجل تمرير مخططاتها خاصة في منطقة الشرق الأوسط وأنحاء العالم، وفرضت ذلك حتى على أوروبا باعتبارها القطب الأوحد في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانكفاء روسيا في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة.
بدأت تلك الحملة بهجوم للقوات الأميركية على أفغانستان وشنت حربا واسعة على نظام طالبان الحاكم آنذاك باعتباره حركة “إرهابية” احتضنت تنظيم القاعدة، واستطاعت إسقاطه لكنها لم تقدر على إخراج البلد من متاهة “الإرهاب” الذي واصل ضرب أفغانستان في العمق حتى الآن، بل قويت شوكته كما يقول الكثير من المحللين، ولم تجلب لأفغانستان الاستقرار المرجو بعد نحو عقدين من حربها تلك.
صناعة الوحش
وفي سياق ترتيباتها لمنطقة الشرق الأوسط، اتهمت الولايات المتحدة نظام صدام بتمويل الإرهاب والتنسيق مع القاعدة، وشنت حملة عسكرية عليه انتهت بإسقاطه يوم 9 أبريل/نيسان 2003 واحتلال بغداد، ولم تفلح الترتيبات الأميركية للمشهد السياسي العراقي منذ حكومة بول بريمر وحتى حكومة نوري المالكي في إخراج العراق من أزمته بل أدخلته في متاهات التقسيم حتى بعد خروج الأميركيين.
وأوجدت المقاومة للاحتلال الأميركي بالعراق نقطة ارتكاز جديدة لتنظيم القاعدة -بعد الحرب عليه في أفغانستان- الذي استوعب معظم التنظيمات الأخرى، ونشط في مقاومة الوجود الأميركي، ووجد ببلاد الرافدين أرضية خصبة خاصة في منطقة الأنبار لتأصيل وجوده والنهوض أكثر قوة لاحقا، وهو ما يشير إلى عدم نجاح الولايات المتحدة في حربها على ما عرفته بـ”الإرهاب”.
كما أعطى الدعم الأميركي للنظام الحاكم في بغداد الذي نهج نهجا طائفيا في العراق زخما إضافيا لتنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” رغم مقتل زعيمه نزال الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي) بالعراق، وملاحقة كوادره بالاغتيالات.
وأعلنت واشنطن أن قوات كوماندوز أميركية نجحت في قتل أسامة بن لادن يوم 2 مايو/أيار 2011 خلال هجوم على منزل بمدينة أبوت آباد الباكستانية، لكن لم تنشر تفاصيل وافية عن العملية أو جثة بن لادن التي قيل إنها ألقيت في البحر، وهو ما طرح تساؤلات عن حقيقة العملية ومبدأ محاربة “الإرهاب” نفسه الذي تتبناه الإدارة الأميركية.
وفي وقت كانت تنشر فيه معلومات كثيرة عن عمليات أميركية بالعالم كله لمحاربة “التطرف والإرهاب” -الذي ألبسته وسائل الإعلام الأميركية وكذلك إدارة المحافظين الجدد عباءة “إسلامية”- كانت الحركات “المتطرفة” تجد لها في بؤر التوتر أرضية خصبة للنمو لتصل إلى مصاف الخطر العالمي.
ولعل أكبر ضربة للمخطط الأميركي لمكافحة “الإرهاب” نشوء ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، والتي نقلت الصراع إلى بعد آخر، فالتنظيمات التي كانت تحارب في جبال تورا بورا وصحراء الأنبار بالعراق وتمبكتو في مالي انتقلت إلى “مرحلة المدينية” وأنشأت ما يشبه الدولة بين العراق وسوريا، وسيطرت على نحو 60% من مساحة سوريا وأجزاء كبيرة من العراق، وتحكمت في مدن مثلالموصل والرقة وموارد كبيرة بما فيها البترول.
ويشكك محللون في أن الولايات المتحدة كانت تهدف أصلا لمحاربة “الإرهاب” -رغم معناه الهلامي- بل إن كل مخططاتها كانت تهدف إلى تجزئة المنطقة وتفتيتها واختراقها بالتنظيمات وآخرها تنظيم الدولة، وتعتمد التحليلات في ذلك على أن واشنطن تشن منذ أكثر من سنة مع حلفائها غارات على التنظيم في العراق وسوريا دون أن تنجح في وقف تمدده حتى هذه اللحظة.
وفي ليبيا، سيطر تنظيم الدولة على كل من برقة وسرت، وهو يعمل على توسيع نفوذه في منطقة شمال أفريقيا، منفذا شعار “باقية وتتمدد” الذي يبدو أنه هزم شعار “القضاء على الإرهاب” الذي تبنته الإدارة الأميركية وتعجز عن تطبيقه.
وفي جزء آخر من أفريقيا، يشن تنظيم بوكو حرام -الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية- هجمات على حساب عدة دول، منطلقا من نيجيريا إلى الكاميرون والنيجر وتشاد، وقد يطال دولا أخرى.
كما لم تفلح الضربات الأميركية بالطائرات بدون طيار في كبح حركة الشباب المجاهدين في الصومال من الوجود بقوة على الأرض، وتنفيذ عمليات كثيرة طالت حتى كينيا، وهي تتمدد على الأرض.
وأشارت صحيفة غارديان البريطانية في تقرير بعنوان “دليل الإرهاب العالمي” إلى أن “الإرهاب” في تزايد، وأن عمليات القتل بسببه تضاعفت خمس مرات منذ هجمات 11 سبتمبر رغم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحته في أنحاء العالم.
وتشير التقديرات إلى الولايات المتحدة التي صنعت “شبح الإرهاب” -سواء باستغلال هجمات 11 سبتمبر أو بتدبيرها- لاستغلاله سياسيا، لكنها سواء بتخطيطها أو بسوء تقديرها أوجدت “وحشا” حقيقيا هذه المرة يعيد رسم الخرائط في الشرق الأوسط والعالم، ويؤشر إلى حقبة جديدة من المتغيرات الدولية.
المصدر : الجزيرة.نت