التفسير المختصر – سورة مريم: تفسير الآيات 16 – 18
الخميس6 جمادى الثانية1436//26 مارس/آذار 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
في سورة مريم التي سميت باسم السيدة مريم الله جل جلاله ذكر قصة هذه الصديقة قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً ﴾
وقال تعالى:
﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ﴾
( سورة المائدة: 75 )
” وأمه صديقة “، مبيناً أن المرأة لا تقل عن الرجل إطلاقاً، لا من حيث التشريف، ولا من حيث التكليف، ولا من حيث المسئولية إنها مساوية للرجل مساواة تامة، في التكليف، مكلفة بالإسلام والإيمان كما هو مكلف بالإسلام والإيمان، مشرفة بأنها المخلوق الأول، كما أنه المخلوق الأول، ومسئولة عن بيتها، وعن زوجها، وعن أولادها، كما هو مسئول عن بيته، وعن زوجه، وعن أولاده، المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسئولية، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ﴾
( سورة الأعراف: 189 )
أي أنها تحب كما تحب، وتكره كما تكره، وترجو ما ترجو وتسعد بما تسعد، وتعرف الله كما تعرفه، وتتصل به كما تتصل به وتتعلم أحكام دينها، كما تتعلم أحكام دينك، وأية نظرة، ينطلق منها الرجل إلى أن المرأة دون الرجل، للمتعة، للخدمة، للطبخ، لغسل الغسيل، هذه نظرة جاهلية، بعيدة عن منظور الإسلام، المرأة في الإسلام مساوية للرجل، والدليل:
﴿ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾
( سورة الأحزاب: 35 )
لماذا ذكر الله المرأة مع الرجل ؟ تأكيداً لهذه المساواة.
﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾
( سورة النحل: 97 )
الله جل جلاله يقول:
﴿ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب﴾
( سورة آل عمران: 195 )
يعني القرآن الكريم بكل آياته، والسنة المطهرة بكل تفاصيلها، تؤكد أن المرأة مساوية للرجل، يعني عليك أن تعتني ببناتك كما عليك أن تعتني بأبنائك، عليك أن تعطينهن نصيبهن كما عليك أن تعطي أبنائك نصبيهم، هذا الذي يحرم البنات، يقول هذا المال يذهب للغريب، يغير شرع الله، يغير أحكام الميراث، منطلقاً من نظرة غير واقعية للمرأة هذا الإنسان ما عرف حقيقة هذا الشرع الحنيف.
إذاً أول فكرة، لماذا ذكر الله السيدة مريم ؟ لأن امرأة عمران قالت:
﴿ إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ﴾
( سورة آل عمران: 35 )
كل أملها أن يأتيها غلام يخدم في بيوت الله، قالت:
﴿ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾
( سورة: آل عمران 36 ).
الخير كله في هذه الأنثى، في رجل أسمه أنس بن عامر، تزوج امرأة في المدينة المنورة، يوم دخل بها، ما أعجبته، وندب حظه شعرت عليه، وقالت له: قد يكون الخير كامناً في الشر، ولم يستجيب لها، وخرج من البيت، وهام على وجهه عشرين عاماً، عاد إلى المدينة، ومن السنة أن يصلي الإنسان الصلاة قبل دخوله البيت، دخل إلى المسجد، فإذا فيه درس علم كبير، وجمع غفيرٌ غفير ملتف حول شاب صغير، لا تزيد سنه عن عشرين عاماً، سأل من هذا العالم الشاب قالوا هذا مالك بن أنس، فقال له يا بني: قل لأمك إن في الباب رجلاً يقول لك قد يكون الخير كامناً في الشر، في إنسان يتبرأ من البنت قد يكون الخير كله في البنت، لذلك من جاءه بنتان وأحسن تربيتهما، فأنا كفيله في الجنة، من عنده فتاة عليه أن يعتني بها عناية لا حدود لها يعلمها أمر دينها، يعلمها القرآن، إنك إن هديت شاباً هديت شاباً، أما إن هديت فتاةً هديت أسرةً، أسرة بأكملها، هذه أليس لها زوج ؟ أليس لها أولاد، ربنا سبحانه وتعالى ذكر قصة السيدة مريم كي نعرف أن المرأة مساوية للرجل تماماً، في التكليف، في التشريف، وفي المسئولية، تصلي كما تصلي، وتتقرب من الله كما تتقرب، وتعرف الله كما تعرف، وترضي الله كما ترضيه، وتحب كما تحب، وتكره كما تكره، وتسمو كما تسمو، هذه نظرة الإسلام، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة ضمها، وشمها، وقال: ريحانة أشمها وعلى الله رزقها، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: فاطمة بضعةٌ مني فمن أكرمها فقد أكرمني، ومن أبغضها فقد أبغضني، ومن عنده بنات يعرف، كيف أن الفتاة تتعلق بأبيها أشد التعليق، أنا لا أريد إنسان مسلم يعامل ابنته أقل من ابنه، يأمن لأبنه بيت، ومعمل، وسيارة، وابنته، أخي حتى يأتي نصيبها، أنت خصص لها بيت صغير يأتي ألف واحد من أرقى الناس، لماذا ابنك له بيت، وسيارة، ومعمل ؟ وابنتك هذه مثل ابنك تماماً، والله الذي لا إله إلا هو حينما أرى أب هو ميسور الحال ويخصص لابنته بيت صغير، والله أكبره أشد الإكبار وإذا سكن به زوجها ماذا يعني، زوجها أقرب الناس لها، أكثر الناس يحاول أن يحرم الفتاة، يعمل طريقة أنه كل شيء للذكور، المحل لابنه، والبيت لابنه، والبنت ليس لها حق عندك ؟
أيها الأخوة:
هي مساوية له تماماً في التكليف، وفي التشريف، وفي المسئولية لكن ربنا عز وجل قال: ” وليس الذكر ” معنى ذلك أن المرأة لها مهمة في الحياة، لذلك خصائصها النفسية، والعقلية، والجسمية والاجتماعية متناسبة مع مهمتها في الحياة، وخصائص الرجل الجسمية والنفسية، والاجتماعية، والعقلية، متناسبة مع مهمته في الحياة.
امرأة جاءت النبي عليه الصلاة والسلام قالت يا رسول الله: إن زوجي تزوجني وأنا شابة، ذات أهل، ومال، وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، دقق التعبير، هي مهمتها تربية الأولاد في البيت، وهو مهمته كسب الرزق خارج البيت.
لذلك ما زاد من عاطفة المرأة، واهتمامها بالقضايا الجزئية، وما نقص من حدة إدراكها، وضعف اهتمامها بالقضايا العامة، كمال فيها، وما زاد من عقل الرجل، واهتمامه بالقضايا الكبرى، وما نقص من عاطفته، واهتمامه بالقضايا الصغرى كمال فيه، فنقصها كمال، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لعن المتشبهين من النساء بالرجال، عبر عنها علماء النفس بالأنوثة، أية امرأة كاملة تحافظ على أنوثتها، ومن أول علائم أنوثتها حيائها.
﴿ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾
(سورة القصص: 26)
ما الذي يعجب الفتاة في الرجل ؟ قوته وأمانته، ما الذي يعجب الرجل بالفتاة ؟ حيائها، من علامات أخر الزمان، أن يرفع الحياء من وجوه النساء، لا تستحي، تطلع فيك، تزورك، تدخن، وتسب الدين كمان، أن يرفع الحياء من وجوه النساء، وأن تنزع النخوة من رؤوس الرجال، وأن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، لا رحمة في قلوب الأمراء، ولا نخوة في رؤوس الرجال، ولا حياء في وجوه النساء
﴿ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾
الدرس الماضي، وهذا الدرس ألح على أن أعظم عمل على الإطلاق تعمله أن تحسن تربية أبنائك وبناتك، تربي ابنك ليكون داعية إلى الله عز وجل، وتربي ابنتك لتكون زوجة كاملة يسعد بها زوجها وأولادها، والمجتمع من بعدها، ” وليس الذكر كالأنثى “، أي أن للمرأة خصائص.
أنت تحتاج إلى مركبة تأخذك إلى نزهة جميلة، صوتها ناعم ومقاعدها وثيرة، يسمونها مركبة سياحية، وتحتاج إلى تركس، لتهدم به بناء، خصائص هذه الآلة، غير هذه المركبة، فقوة هذه الآلة وجبروتها، وأحصنتها العالية جداً، وضجيجها، وحجمها، ورافعتها كمال فيها، ونعومة هذه السيارة وصوتها المنخفض، ومقاعدها الوثيرة وحجمها المعقول كمال فيها ” وليس الذكر كالأنثى ” الذكر خصه الله بخصائص جسمية، وعقلية، ونفسية، واجتماعية، تتناسب مع مهمته في الحياة، ما هو الفساد ؟ اختلاط الأوراق، أن تقف المرأة موقف الرجل، أن تدخل في غمار الحياة كالرجل، أن تختلط مع الرجال، هي محببة للرجال، جعلها مسعدة لزوجها، ولأولادها، ولمن حولها فأصبحت تمتع كل الناظرين بها، والناظرون قد يريدون بها شراً، لذلك الفساد، الله قال:
﴿ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾
(سورة الأحزاب، 33)
يعني جزء من دينك أن تعرف موقع المرأة من الدين، جزء من دينك أن تعرف مال لزوجتك عليك من حق، وما لها عليك من حق أن تعرف مال لبناتك عليك من حق، أحياناً البنت كما ورد في السنة تقف يوم القيامة وتقول يا رب لا أدخل النار حتى ادخل أبي قبلي، طبعاً إذا اخترت لها زوجاً غنياً، ولم تهتم بدينه، فأطلقها، وجعلها تختلط مع الرجال، وأفسد أخلاقها، وأفسد سيرتها، الأب مسئول طبعاً حتى يزوجها من الشاب المؤمن أو يموت عنها، هكذا، جزء من دينك أن تعرف كيف توسوس زوجتك وبناتك، هذه الزوجة في رقبتك، أعود إلى ما بدئت به، حينما ينطلق الرجل من أن المرأة دونه، للخدمة، للطبخ للغسيل، لغسيل الصحون، لقضاء حاجته، هذه نظرة جاهلة، وربما كانت المرأة أفضل من الرجل، المرأة المؤمنة، والله الذي لا إله إلا هو، قلامة ظفرها أفضل عند الله من مائة ألف رجل فاسق، يلي عنده زوجة لا يقطف ثمارها المادية، يعتني بدينها، يعرفها بربها، يتيح لها أن تطلب العلم عن طريقه، أو عن طريق كتاب، أو عن شريط، أو مجلس علم مضمون، يلي عنده فتاة عليه أن يعلمها، كي تكون صدقة جارية له بعد موته، ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له “، السيدة مريم صديقة قبل النبوة بقليل، قال عليه الصلاة والسلام: ” كمل من الرجال الكثير ولم يكمل من النساء إلا أربع، مريم ابنة عمران، وأسيا امرأة فرعون وفاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد “، الأربعة كمل، صديقات، ونساء مؤمنات، طاهرات، عفيفات.
﴿ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ﴾
(سورة التحريم: 5).
الهدف من تقديم هذه الآيات أن تعتني بالمرأة، امرأة، وأماً وبنتاً، وأختاً، وما في عمل أعظم من أن تعتني بالمرأة لأن النبي الكريم أوصانا بها في حجة الوداع، ” أوصيكم بالنساء خيراً “، وكل زوج قلب مفعم رحمة تجاه زوجته وبناته، ولا يظلوهن إلا مجرم، إلا بعيد عن الدين، إلا ذو القلب القاسي.
والحمد لله رب العالمين