مقابر جماعية بيافا لضحايا النكبة وثورة 1936
الخميس – 20 رجب 1434 الموافق 30 مايو/آيار 2013
فلسطين – يافا
نفضت مقبرة الكزخانة في يافا الغبار عن الحقائق التاريخية التي طالما سعت إسرائيل لإخفائها وطمسها على مدار 65 عاما، وتتعلق بالمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في النكبة الفلسطينية خلال حرب 1948.
واكتشفت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” أثناء أعمال الترميم والصيانة لمقبرة الكزخانة وجود ست مقابر جماعية تضم مئات الرفات والهياكل العظمية للشهداء والثوار والمدنيين الذين قضوا نحبهم خلال النكبة وثورة عام 1936.
وأتت هذه المقابر الجماعية لتقطع الشك باليقين وتدعم الروايات الشفوية التي جمعها بعض المؤرخين من كبار السن الذين عايشوا النكبة وعاشوا فصول الحرب، حيث وثقت إفاداتهم مشاهد المجازر في يافا وضواحيها، ومنهم من كان شاهد عيان على أكوام الجثث التي كانت منتشرة في جميع أحياء يافا، وأرغموا تحت القصف على دفنها في مقبرة الكزخانة بالمقابر الجماعية.
وقال مسؤول ملف المقدسات في مؤسسة الأقصى عبد المجيد اغبارية إن المؤسسة تواصل أعمالها بالتوثيق بالأدلة والبراهين التاريخية للرفات والهياكل العظمية، وإرسال التقارير إلى المجتمع الدولي وتركيا بكل ما يتعلق بهذه المقابر وإسنادها بالحقائق الميدانية.
وأكد اغبارية للجزيرة نت أنه سيتم القيام بالعديد من الخطوات أبرزها السعي لإجراء الأبحاث والفحوصات العلمية للرفات والهياكل العظمية التي كشف عنها وتعود إلى مختلف الأجيال بواسطة جهات فلسطينية ودولية للتيقن ومعرفة ظروف الوفاة، وإيصال رسائل إعلامية إلى العالم أجمع بأن إسرائيل قامت على جماجم الشعب الفلسطيني.
بدوره استعرض مسؤول الحركة الإسلامية في يافا الشيخ محمد نجم تفاصيل الكشف عن المقابر الجماعية، حيث تم ذلك صدفة أثناء أعمال الترميم والصيانة التي تقوم بها الحركة وبتمويل تركي لمقبرة الكزخانة التاريخية التي تحوي أكثر من أربعة آلاف قبر، تضم قبور الشهداء والثوار من فلسطين والعالم العربي والإسلامي، وهي عرضة للتدنيس والطمس.
وقال نجم في حديثه للجزيرةنت “خلال عملنا في صيانة المقبرة تم إنجاز ترميمات لأكثر من أربعمائة قبر، حيث اكتشفنا فوهات لحفر في باطن الأرض اتضح بأنها مقابر جماعية، واتضح لنا من الفحص الأولي أنها تضم مئات الهياكل العظمية ورفات لمختلف الأجيال أجمع العديد من كبار السن ممن عايشوا النكبة أنها لشهداء وثوار ومدنيين قتلوا في حرب 48”.
وأكد أن الحقبة الزمنية وتاريخ الدفن في هذه المقابر الجماعية يعود إلى عامي 1948 و1936، وذلك بحسب شواهد القبور التي ما زالت ماثلة وتحيط بالمقابر الجماعية وهي من عام النكبة وثورة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني. وقد “طرحنا تساؤلات حول الأسباب التي دفعت أهل يافا لدفن موتاهم بهذا الأسلوب: هل بسبب وباء وأمراض انتشرت في حينه؟ أم هي الحرب؟ وقد رجحنا أنها النكبة ومجازرها اعتمادا على روايات شفوية، وما تبقى هو إجراء فحص علمي ليكون الدليل الدامغ لحقيقة هذه المقابر”.
وروى عطا الله سعدو -وهو من مواليد يافا عام 1934- حقيقة هذه المقابر الجماعية، فقد اضطر كغيره ممن عايشوا النكبة لدفن جثث الضحايا والشهداء من أبناء المدينة وخارجها الذين قضوا نحبهم خلال حرب 1948 والعدوان على يافا، وقد شارك هو شخصيا -والحرب مشتعلة وتحت القصف- في نقل عشرات الجثث إلى مقبرة الكزخانة لدفنها في المقابر الجماعية.
وقال سعدو للجزيرة نت إن جميع الرفات في المقابر الجماعية التي تم اكتشافها تعود لضحايا قتلوا خلال الحرب على أيدي اليهود، إن كان عبر التفجيرات والقصف المدفعي لبعض الأحياء السكنية، أو على أيدي قناصة تمركزوا بالأساس فوق مبنى يسمى “البيرة” قرب مقبرة الكزخانة الواقعة في حي الجبلية والقريبة من حي العجمي، حيث تم تركيز وتجميع من تبقى من أهالي يافا في معسكر محاط بالأسلاك الشائكة.
من جانبه استذكر الباحث في تاريخ يافا الدكتور سامي أبو شحادة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في المدينة ومحيطها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1947 وحتى بعد سقوطها في مايو/أيار 1948، وكان أبرزها مجزرة “حي السرايا” بتلغيم وتفجير شاحنة في منزل للأيتام، تلتها مجزرة “تل الريش” و”سلمة” و”المنشية”، هذا فضلا عن الإعدامات الجماعية في محيط مقبرة الكزخانة، حيث تم إحراق الجثث في أحيان كثيرة للتخلص منها بسرعة وتحسبا لانتشار الأوبئة.
وأوضح أبو شحادة في حديثه للجزيرة نت أن اكتشاف المقابر الجماعية في يافا ليس مفاجئا، لكون فصول نكبة فلسطين ومشاهدها موثقة بروايات شفوية وإفادات آلاف من شهود عيان تؤكد ارتكاب مجازر بشعة في فلسطين على أيدي العصابات اليهودية “الإيتسل” و” الهاغانا” و”الليحي”، ومجازر يافا جزء من هذه الحالة، خصوصا أن المدينة تعرضت في نهاية أبريل/نيسان 1948 لأعنف قصف مدفعي تواصل على مدار ثلاثة أيام سقطت خلالها آلاف القذائف.
المصدر: الجزيرة