نماذج المرأة المسلمة (2)

الإثنين21 شعبان1436//8 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد أحمد دهمان
أم علي تقية الأرمنازية:
ولدت بدمشق سنة (505) وتوفيت سنة (579) كانت عالمة فاضلة أديبة شاعرة، صحبت الحافظ أبا الطاهر السلفي مدة طويلة بمدينة الإسكندرية، وعليه كان جل تخرجها، وذكرها الحافظ السلفي في بعض تعاليقه وأثنى عليها.

ومن لطيف ما يحكى عنها أنها نظمت قصيدة مدحت بها الملك المظفر تقي الدين بن شاهنشاه وضمنتها وصف الخمر وآلة مجلسه وما يتعلق بالخمر، فلما وقف على القصيدة قال: الشيخة تعرف هذه الأحوال منذ صباها، فبلغها ذلك فنظمت قصيدة أخرى حربية وصفت الحرب وآلاتها وما يتعلق بالحرب أحسن وصف ثم أرسلت إلى الملك المظفر تقول له:«علمي بهذا كعلمي بهذا»، وكان قصدها براءة ساحتها مما نسبه إليها، ومما يدل على حسن براعتها في الأدب والشعر أنها كانت يوماً بدار أستاذها الحافظ السلفي، فبينما الأستاذ يمشي إذ عثر في مشيه وانجرح أسفل قدمه، فشقت «وليدة» كانت في الدار خرقة من خمارها وعصبت رجل الأستاذ فأنشدت أم علي الأرمنازية في الحال ارتجالاً:
لو وجدت السبيل جدت بخدي
عوضاً عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبل اليوم رجلاً
سلكت دهرها الطريق الحميدة

ست العرب:
هي ست العرب بنت محمد بن الفخر علي بن البخاري الصالحية كانت تحدث في دارها قرب الزاوية الأرموية بسفح قاسيون، أخذت العلم عن جدها الفخر علي بن البخاري وعن عبدالرحمن بن الزيني وغيرهما، وممن أخذ عنها الحافظ العراقي والحافظ الهيثمي والحافظ ابن رجب، وقد أكثر الحافظ ابن الجزري الرواية عنها في كتابه النشر في القراءات العشر، وكان يصحح بروايتها في كتابه المذكور ما يراه خطأ فقد روى في النشر سنداً لحديث (أشراف أمتي حملة القرآن) وذكر أنه لم يرد في هذا السند اسم نهشل، فقال: والصواب ذكره كما أخبرتنا «ست العرب» ابنة محمد بن علي مشافهة في دارها بسفح قاسيون سنة (766) ثم ساق سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل) توفيت ست العرب سنة (767).

اقرأ أيضا  أميركية اعتنقت الإسلام ترعى 14 ابناً وبنتاً وتجني 100 ألف دولار شهرياً

سلمى بنت الجزري:
أبوها هو الإمام محمد الجزري الدمشقي، مؤلف كتاب النشر، الذي انتهت إليه الإمامة في علم القراءات والحديث، وقد ترجم ابنته هذه بقلمه فقال عنها: سلمى بنت محمد بن محمد، أم الخير، ابنتي، نفع الله بها ووفقها لما فيه الخير دنيا وأخرى وشرعت في حفظ القرآن وسنها ثلاث عشرة، وحفظت مقدمة التجويد وعرضتها ومقدمة النحو، ثم حفظت طيبة النشر الألفية، وحفظت القرآن وعرضته حفظاً بالقراءات العشر، وأكملته في الثاني عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة صحيحة موجودة مشتملة على جميع وجوه القراءات بحيث وصلت في الاستحضار إلى غاية لا يشاركها أحد في وقتها، وتعلمت العروض والعربية وكتبت الخط الجيد ونظمت العربي والفارسي؛ هذا وهي في ازدياد إن شاء الله تعالى، وقرأت بنفسها الحديث وسمعت منى وعلي كثيراً، بحيث صار لها فيه أهلية وافرة، فالله يسعدها ويوفقها للخير في الدنيا والآخرة (ا.هـ) ولم نطلع على تاريخ وفاتها ولا شك بأنها عاشت مدة بعد والدها الذي توفي سنة (803)، فقد ألحقت عدة إلحاقات في كتابه المسمى «غاية النهاية في طبقات القراء» فترجمته وترجمت عدة أشخاص ممن تأخرت وفاتهم عن وفاة والدها، وممن ترجمته طاهر بن عرب، أكبر تلامذة أبيها، فقد أطنبت في ترجمته وذكرت أنها تعلمت منه العروض، وحفظت عليه الشاطبية، وعرضت علته القراءات، ووقعت آخر ترجمته بما نصه: وكتبته سلمى بنت المؤلف، والظاهر أنها توفيت في مدينة شيراز حيث توفي أبوها.

اقرأ أيضا  دور المرأة المسلمة في النَّهضة العلميَّة

عائشة الباعونية:
هي عائشة بنت يوسف الباعوني الشيخة الصالحة الأديبة العالمة الدمشقية الصالحة إحدى أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلاً وأدباً وعلماً وشعراً وديانةً وصيانةً، تنسكت على يد الشيخ إسماعيل الخوارزمي، ثم على يحيى الأرموي ثم سافرت إلى القاهرة، فأخذت عن علمائها ونالت حظاً وافراً، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألفت عدة مؤلفات منها: الفتح الحنفي، وكتاب الملامح الشريفة والآثار المنيفة، وكتاب در الغائص في بحر المعجزات والخصائص، وكتاب الإشارات الخفية في المنازل العلية وغير ذلك، وكان لها كلمة مسموعة عند الحكام والأمراء والملوك. ومن شعرها:
نزه الطرف في دمشق ففيها
كلما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمل
كيف تجري من تحتها الأنهار
كم سما في ربوعها كل قصر
أشرقت من وجوهها الأقمار
وتناغيك بينها صارخات
خرست عند نطقها الأوتار
كلها روضة وماء زلال
وقصور مشيدة وديار
توفيت سنة (922).

اقرأ أيضا  بريطانيا: التحقيق مع الطالبات المسلمات عن سبب ارتداء الحجاب

هذه شذرة يسيرة من تراجم فضليات المسلمات ممن نشأن في دمشق، ولو أردنا أن نتبسط في تراجمهن لاحتاج ذلك إلى مجلدات، ولو أردنا ذكر أسمائهم فقط لما استوعبه مثل هذا الجزء من المجلة، ونحن نكتفي بهذا النـزر القليل لافتين نظر المرأة المسلمة إلى الأخذ بطريقة أسلافها، والاحتذاء حذو جداتها، فإن للمرأة المسلمة من ماضيها المجيد، وتالدها الأثيل، وحياتها النقية، ما يحتم عليها أن تكون متبوعة لا تابعة، ومقلَّدة لا مقلِّدة، ونحن لا نريد من وراء ذلك إلا أن تتغذى بغذاء العلم، وتتحلى بحلى الفضل، لتزن الأمور بمعيار العلم الصحيح، وتحكم عليها بنفسها عن معرفة ونظر وتحقيق، وما ذلك على من يريد بناء مجد أمته بعزيز.

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الثاني، 1356هـ – 1937م

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.