إشكاليات خطيرة – تطبيق الشريعة الإسلامية (2)
الأحد- 8 ذوالحجة1434 الموافق13 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
تطبيق الشريعة الإسلامية (2)
في المقالِ السابِق عرضتُ أطيافًا مِن المجتمع تختلِف مواقفها مِن تَطبيقِ الشريعة، وهذه المواقفُ تَكمُن خلْفَها دوافعُ تتعدَّد وتختلِف، منها دوافعُ ذاتية، ومنها دوافعُ خارجيَّة.
فالدوافع الذاتية:
وهي النابعةُ مِن ذات الشخْص لم يؤثِّر عليه فيها مؤثِّر خارجي، ومنها على ما بدَا لي:
1- إرادة الخير بعدَ تصوُّرٍ خطأ:
أراد فريقٌ الخيرَ للأمَّة، فسلَك لذلك الباب الخطأ.
إذْ يَخافون أن ينتج مِن تَطبيق الشريعةِ الإسلاميَّة في المجتمع المعاصِر كوارثُ.
بعضُهم يقول: إقامَة الشريعةِ والحدود ستؤدِّي إلى ثورةِ بعض “المواطنين” مِن المسيحيين “الذين سيُظلَمون ظلمًا بيِّنًا، وتُقمَع حريَّاتهم قَهرًا وغلَبَة“، وهذا لن يُحقِّق الاستقرار في المجتمَع بحال، ومجتمع غير مستقرٍّ لن يكونَ فيه بيئة للتقدُّم والرقيِّ، وسنزداد فَقرًا على فقرٍ، ومرضًا على مرَض.
وبعضهم يقول: حين تُطبَّق الشريعة لن نرَى غيرَ قطْع الأيادي والرِّقاب، وسلْخ الظهور بالسِّياط، وإقامةَ الحدود بهذه الصورة ستؤدِّي إلى عذابٍ أليم، وستكون مستجدَّاتٌ لا تَحتملها ظروفُ العصر الحديث الذي جعَل العالَم كلَّه قريةً واحدة، يرى فيها المرءُ “حريَّات غير محصورة”، واحترمًا “لخصوصية الغَيْر“.
وبعضهم يقول: تطبيقُ الشريعة الإسلامية على هذا النَّحو سيؤدِّي إلى تدخُّل الدول المعادية للإسلام؛ بحُجَّةِ حقوق الإنسان، ممَّا يهيِّج حربًا كبرى في المنطقة، وسنصير محلاًّ للاحتلال الأجنبي.
فلمَّا تصوَّر هؤلاءِ ذلك، دَعاهم هذا التصوُّر إلى معارضةِ تَطبيق الشريعة؛ خوفًا على المجتمَع مِن التبعات المعاصِرة، وسوف أُناقِشُ هذا التصوُّرَ في مقامه.
2- اعوجاج السلوك:
الأنبوب المعوج لا يَقبل الشعاع المستقيم.
لذلك؛ فلا غَرْوَ أن نجِد اللصَّ والقاتل، والرَّجل الفاحِش البَذيء، وأهل الدعارات والخمَّارات – أوَّل مَن يَكرهُون تطبيقَ الشَّريعة؛ لأنَّ الشَّرْع مستقيمٌ، فلن تَقبلَه نفوسُهم المعوجة.
وهذه قضية واقعيَّة.
مَن لم يتَّخذ اللهُ إلهًا، اتَّخذ إلهه هواه.
وإذا كان ذلك رأيتَهم: ﴿ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].
♦ ♦ ♦
والدوافع الخارجية:
وهي عواملُ خارجةٌ عن الإنسان توجِّه فِكرَه، وتُشكِّل تصوُّراتِه، منها:
1- الإعلام:
لا شكَّ أنَّ أفلامَ عادل إمام عن المسلِم الإرهابي والمسيحي الملتزِم الدَّيِّن، ومسلسلات “لا تناقِش ولا تجادِل يا أخ علي”، وأضراب هذا الإعلام المبطِل المفسِد، كَوَّن صورةً مشوَّهة للإسلام والشريعة الإسلاميَّة في أذهانِ الذين يَتَربَّون ويُربُّون أَبناءَهم على غذاءِ القنوات العلمانيَّة والفِكر المتحرِّر المنحلّ.
والشاشة الصَّغيرة – في دِراسات أكاديميَّة – لها مِن الأثَر ما يَعجِز السحرُ عن بلوغِه.
واللِّسانُ ينطق بمخزونِ العقل، والعَقل تُسَيِّره معطياتُ الحواس.
فإذا كان السَّمع والبَصر والفؤاد ممتلئين بالباطِل، فلا بدَّ أن يكونَ العقل ممتلئًا بالباطِل، ولا بدَّ كذلك أنْ يكون السلوكُ كلُّه باطلاً.
فمُعظم الذين يَكرهون تطبيقَ الشريعة إنْ هُم إلاَّ ضحايا للفِكر العلماني المستمَدِّ مِن القنوات الفضائيَّة.
وأعجَبُ العجَب – واللهِ أعجب العجب! – أنْ نرَى مسلمين يجلسون أمامَ قناة (الكرامة) و(الحياة) النصرانيتين يستمعون للتشويهاتِ والأباطيل والشُّبهات والشهوات.
ثم يَتكلَّمون عن بشاعةِ تَطبيق الشريعة.
خيَر تعليق أنْ نقول: لا تَعليق!
2- التعليم:
تَنتشِر في بلادِ المسلمين مدارسُ ليستْ مِن الإسلام في شيءٍ.
لا أقول: نِظام الدِّراسة فقط، وإنما أعْني بالأكثر مناهِجَ الدِّراسة.
إنَّ الطلاب يَدخُلون المدرسةَ وهم يعلمون أنَّ دِينهم الإسلام، وأنَّ رَسولَهم محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ثم إذا بدأتِ الدراسة تَعلَّموا في مناهجِ التربية الإسلاميَّة أنَّ: “دِين الله واحِد“.
عنوان حقّ يُراد به باطِل.
فالدِّين واحد في ضوءِ التتابُع التاريخي، وليس في ضوءِ المعاصَرة الآن.
فالأدْيان الأولى واليهوديَّة الأولى والنصرانيَّة الأولى والإسلام، كلُّ ذلك واحِد مِن حيث كانتِ الأنبياءُ جميعًا تقول قولاً واحدًا: لا إله إلا اللهُ، وكلُّ ما عدَاه خلقٌ له تعالى.
أمَّا أنْ أُساوي بين دِين يهودي محرَّف ودِين نصراني محرَّف، وبيْن دِينٍ إسلاميٍّ سليمٍ، فهذا هو التدليسُ الخبيث.
وما “مَجمَع الأديان” في مِصر إلا دليلٌ على هذا التدليس.
والنتيجة الطبيعيَّة لهذا التدليس أن يَعتبِر الطالبُ المسلم أنَّ الأديان كلَّها سواء؛ شيء جميل!
إذًا فالشريعةُ التي تُبيح أفضلَ مِن الشريعة التي تحرِّم.
والدِّين الذي يُبيح الخَمر والعُري ولا يوجد فيه عقوباتٌ على الجرائِم إلا “الاعتراف” أمامَ رجلِ الدِّين، هو دِينٌ – في نظر المتعلِّمين المستجْهَلين – خيرٌ مِن دِين يُحرِّم ويعاقِب.
هذا جانبٌ مِن التعليم.
والجانِبُ الآخَر من التعليم:
البعثات..
أعرِف ثُلَّةً مِن الطلاب يذهبون إلى أوروبا، ثم يعودون بغيرِ الوجه الذي ذَهبوا به؛ يَذهبون طلابًا ذوي عِلم، ثم يعودون دكاترةً جاهِلين!
وما كان “طه حسين” إلاَّ مثالاً واحدًا تَبِعه مِن بعدُ أمثلةٌ كثيرة.
ومَن درَس في الجامعاتِ رأَى وسَمِع.
هذا، وكانتْ تلك السطورُ كشفًا للمرَض، فليكن المقالُ التالي بإذنِ الله وَصفًا للعلاج.
3- فساد المجتمع:
يقولون الطبع يغلب التطبع.. إلا في هذه الحالة.. فإن التطبع غلب الطبع..
فالفطرة الإنسانية تنحرف.. وتنجرف.
كما قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن مولودٍ إلاَّ يُولَد على الفِطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه… الحديث))؛ [البخاري: 1358].
فكذلك يُولَد جيلٌ في بِيئة فاسِدة ويرَى التطبيقَ العملي في المجتمع للتنظير الفِكري في الإعلام والتعليم، فينساق ويَغرَق، حتى يُصبحَ الصوابُ خطأً، ويصبح الخطأ صوابًا.
وصَدَق رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ قال: ((إنَّها ستأتي على الناسِ سِنون خدَّاعة، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكذَّب فيها الصادقُ، ويُؤتَمن فيها الخائِن، ويُخوَّن فيها الأمين، ويَنطِق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضةُ؟ قال: ((السفيهُ يَتكلَّم في أمْر العامة))؛ “مسند أحمد” (7899)، وحسَّنه الشيخ الأرناؤوط، وهو في الصحيحة دون قوله: “وما الرويبضة“.
فهذا الجيلُ الذي يُولَد في هذا الزَّمان، وهذه البيئة لا بدَّ أن يكونَ رأيه في الشَّريعة أنَّها تَجاوزَها العصر، وأنَّها لا تَصلُح للقرنِ الحادي والعِشرين، ولا بدَّ أن تكونَ بصيرتُه عشواءَ.
المصدر : الألوكة