تاريخ بالدم

الأربعاء 28 جمادي الثانية 1434 الموافق 8مايو 2013
 
بقلم الشيخ إبراهيم الحمدو العمر
تكتب سوريا الآن تاريخها ، وتوثقه وتقيم الدلائل الداعمة على صحته ، وتخطه على صفحات ترابها بحروف من دم وكلمات من بارود وخطوط من الصواريخ وظلال من الفوسفور الأبيض ، وهوامش من البراميل المتفجرة 
خطاطوها الشهداء ، ومزخرفوها المشردون ، ولغتها جمل تقعقع بها قاذفات العبارات ، وتتصدع من ثناياها راجمات الكلمات ، وتتهجم بها رادعات الألفاظ على محصنات المعاني ،
توثقه بأكفان الشهداء – إن وجدت – في المقابر الجماعية التي يكدس فيها الشهداء كما تكدس البالة العتيقة في مستودع قديم ، لا لأنهم هانوا حاشا وكلا فإنهم والله عند الله عظماء رفيعة مكانتهم ، وعند البشر شرفاء ، فهم الحماة والبناة وهم الغيورون الذين انتفضت عروقهم بدماء المجد ، فاقتلعت الخوف من نفوسهم ، فهبوا لايبالون بالحديد ولا بالنار ، بصدور عارية ، سلاحهم كلمة واحدة ( الله أكبر ) – وأعظم بها من سلاح – يحملونها فلا يخافون نفادها ولا يخشون أن تخيس بهم أو تخطئ الهدف ، ويوجهونها إلى أعدائهم ، لتفل عزيمة أولئك الأعداء ولتربك نظامهم ولتهلهل تسديدهم ورميهم ، ولتوهن نفوسهم الفاجرة الآثمة ، ألا إن تيجان النصر تأبى أن تعتلي إلا تلك الرؤوس الشامخة المؤمنة وإن شرف الشهادة يأبى أن يكون لأحد إلا لأولئك الصادقين الأبرار ،
لا والله ما هانوا ولكن إرادة الله شاءت أن تجعل منهم نموذجا من الشهداء لم يعرفه التاريخ على مد أيامه وسعة حوادثه وتنوع اضطراباته واستبداد طغاته إلا في بلدنا الحبيب سوريا
لا والله ما هانوا ! وهل يهون من يأبى الهوان ويزاحم الشر في عقر داره ، ويتصدى للجبروت المسلح في خاصة قلاعه وحصونه وبين أهلة وحماته ، فيغير عليه وهو المدجج بالسلاح ليخرجه ذليلاً مدحورا ، يلعق مرارة القهر والخزي ؟
لا والله ما هانوا ! وهل يهون من يبادر للشهادة ويهرع للموت ، ويضحك للقتل ، ويفدي كل حفنة من تراب الوطن بأغلى ما يملك – روحه – فيحملها على كفه ويطير بها وسط الجموع وهو يردد لبيك يا داعي الله ، ها نحن نعيد مجد الشهادة وقداسة الحرب , وعظمة البطولة ، ونحمي هذا الدين من أعداء تربصوا به الدوائر ، ونصون حرمة الوطن ممن أراد أن يقتلعه من عداد بلاد الإسلام ليحشره في عداد بلاد أعدائه ، وليخرج به من دائرة العروبة الطاهرة حصن الإسلام المنيع وظئره الرؤوم وحضنه الدافئ، ليلقي يه بين أيدي الرجس والعهر والمتعة ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ،
لا و الله ما هانوا ولكن شاءت إرادة الله أن يقيم هذا الجيل الصامد في وجه الظلم الدلائل الداعمة على صحة هذا التاريخ وصدق انتماء أهله وتفانيهم في الدفاع عنه وأن الوطن وطنهم فإما أن يعيشوا على أرضه أعزاء أو يدفنوا فيها شهداء فإن لم يكن هذا ولا ذاك فليتفرقوا قطعا وأشلاء ، وإن عز عليهم أن يجدوا من يواري أجداثهم في قبر أو يهيل التراب على جثمانهم في جدث فشعاع الشمس أكفانهم وفضاء الأرض قبورهم وثغور الثناء من الخلق شواهد لأسمائهم ..
إن هذا الجيل ينصب الصوى على نواصي المسالك ومنعرجات المضايق وحواف الوديان وتلعات الربى وقنن الجبال لتكون هادية الأجيال فيجوز عليها الأحفاد فلا تُحفي أقدامَهم مخلفاتُ التاريخ البائد ، ولاتخطف أبصارهم انكسارات الشعاع تتطاير من وقع سنابك الجياد على صخور الحضارة الجارفة تتراكض لنيل السبق في اختراع عجيبة أرضية أو اختراق مُغَيّبة سماوية ، بل يكون شعاع عقولهم وضياء قلوبهم وشمس معارفهم هو الذي يضيء ما أظلم على الأجيال من روح الحضارة ويكشف ما عُمّي عليهم من سر الإبداع ، ويضع أيديهم على مفاتيح الخزائن ، ويدلها على أسرار المخترعات كما صنع أجدادهم هداة البشرية وعقولها المدبرة ،
ويكون هذا الجيل المؤمن الموحد هو الهادي إلى فطرة الإنسانية التي نزلت بها آيات الله تترى فطمست نورها ظلال الشك وكسفت ضياءها قاتمات العقول ، وكتمتها شهوات الفراعين ، ، لقد طلع الصباح لذي عينين وانجلت سدفة الليل البهيم وعبق أريج الشهادة ، وضاع شذى الدم الزكي على تراب الوطن وتصايحت الأجيال تتلو آيات النصر في أذن الزمان ، وتشدو بتراتيل الاستعلاء على الباطل في واعية التاريخ وأصاخ دهاقنة الظلم ، وجبابرة القهر لجلجلة الحق تخلع قلوبهم وتطير بعقولهم وترمي بهم في نفايات التاريخ ، وترج ما استبد بهم من طاغوت النفوس رجاً عنيفاً ، ليكونوا عبرة الأجيال ومثالها الشنيع يضرب لذلة الباطل وزمرته مهما استبد وعزة الحق وعصبته مهما خمد و يحفظه قاموس الزمن قانوناً تسترجع الأجيال مواده تردع بها الطغام وتقود بها الحكام وترتلها آيات هادية كلما تكاتفت عليها عاديت الأيام . وكالة معراج للأنباء(مينا).
 
اقرأ أيضا  كيف كان عيد "جمانة" الأول مع والدها؟
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.