التمسك بالسنة النبوية
الأحد 2رجب 1434 الموافق 12مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء –مينا-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،أما بعد :
&مقدمــة :
إنَّ أحقَّ ما اعتني به المسلم : العمل والحرص على اقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك التأسي به في جوانبِ حياتهِ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً . يتبَّعُ رسوُل الله صلى الله عليه وسلم في توحيده وفي عبادته وآدابه وأخلاقه وفي شأنه كلَّه . قال تعالى ) لقد كان لكم في رسول الله أسوهٌ حسنة لمن كان يرجوا الله واليومَ الآخِرَ ( قال ابن كثير في تفسيره( هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله في أقواله وأفعاله وأحواله)
× فكل من يتأسى ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على الصراط المستقيم ، قال تعالى ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، صراط الله ( قال الشافعي رحمه الله ( ما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنه ، وقد سن رسول الله مع كتاب الله ، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب ، وكل ما سن فقد ألزمنا الله إتباعه ، وجعل في إتباعه طاعته ) الرسالة (88-89) .
× والسنة هي كل ما ثبت عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير أو وصف ، والسنة إذا أطلقت إنما يراد بها المعنى الشرعي العام الشامل للأحكام الاعتقادية والعملية وتدخل فيها السنة الواجبة والسنة المستحبة أو المندوبة وكذلك السنة المباحة . ( فتح 10/341)
× والله عز وجل أمرنا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى)وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون (آل عمران . وقال صلى الله عليه وسلم “” من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله “” متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم “” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور “” د. ت. جه ، قال الزهري رحمه الله ( كان من مضى من علمائنا يقولون : الاعتصام بالسنة نجاة ) الدارمي (1/44) .وقال أحمد بن عطاء رحمه الله ( من ألزم نفسه آداب السنة ، غمر الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه ، والتأدب بآدابه قولا وفعلاً ) أبو نعيم (10/302) ، وقال الأوزاعي رحمه الله ( أصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم ) اللالكائي (1/154)، وقال عمر بن عبد العزيز ( عليك بلزوم السنة ، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل ، وارض لنفسك بما رضي به القوم فإنهم على علم وقفوا) أبو داو ود ـ الشاطبي (1/65)، وقال ابن حبان في مقدمة صحيحه ( وإن من لزوم السنة تمام السلامة ، وجماع الكرامة ، من لزمها عصم ومن خالفها ندم ) الإحسان (1/102)، وقال عبد الله بن منازل ( لم يبتل أحد بتضييع السنن إلا يوشك أن يبتلى بالبدع ) الشاطبي (1/130) .
×وسيكون الكلام عن السنة المستحبة أو المندوبة في هذا الدرس ، فما هي فوائد العمل بالسنة المستحبة وما هو حكم ترك المستحبات وما هي قواعد التعامل مع السنة المستحبة ؟
( أ ) فوائد وثمراتُ الالتزام بالسنة المستحبة :لا بد أن نعلم بأن التقرب إلى الله بالواجبات والفرائض ثمراتها أعظم من التقرب بالنوافل ، قال تعالى في الحديث القدسي( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بأحبَّ إلىَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه ) البخاري .
*وأهم فوائد العمل بالسنة المستحبة هي :
1- الوصول إلى درجة المحبةِ أي محبة الله عز وجل لعبده المؤمن : مر معنا الحديث القدسي قبل قليل وفيه ( وما يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه ) البخاري ، فالنوافل والمستحبات سببٌ من الأسباب الجالبة لمحبةِ الله تعالى للعبد ، فإذا أحبَّ الله عبده أحبه أهلُ السماءُ ويوضع له القبول في الأرض ، في الصحيحين ، عن أبي هريرة أن رسول الله قال “” إذا أحبَّ الله العبدَ ، نادى جبريل: إنَّ الله يحبُ فلاناً فأحببْهُ ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء إنَّ الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض “” فتح (6/303) مسلم (4/2030) .
2- الالتزام والتمسك بالسنة المستحبة يُجبرُ كسرَ الفرائض الناقصة يوم القيامة : عن تميم الداري قال : قال رسول الله “” أول ما يحاسبُ به العبدُ يوم القيامة صلاته ، فإن كان أتمها كُتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته ، أنظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع فتكملون بها فريضته ، ثم الزكاة كذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك”” أحمد وأبو داوود وابن ماجة صحيح سنن أبي داوود (866) وصحيح الجامع(2574)
3- الالتزام بالسنة فيه عصمة من الوقوع في البدعة : قال السلف ( الاعتصام بالسنة نجاةٌ ) وقال أبو محمد عبد الله بن منازل ( لم يبتلى أحدٌ بتضييع السنن إلا يوشك أن يبتلى بالبدع ) الشاطبي (1/130)، وإذا لم يلتزم الناس بالسنن انطفأت نورها فلا ترى داعياً إليها ولا جاهراً بها ، قال ابن عباس رضى الله عنه( ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدعُ وتموتُ السننُ) رواه ابن وضاح في كتابه ( البدع والنهي عنها)
4- الملتزم بالسنة الداعي إليها له مثل أجر من تبعه لا ينقص من أجرهم شيء : في الحديث الصحيح عن جرير قال : قال رسول الله “” من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شي”” صحيح مسلم (2/704)
5- للمتمسك بالسنةِ فضلٌ عظيم ، ويزداد فضله كلما كان الزمان زمنّ إعراض عن السنة ، وزمنَ إيذاءٍ لأهلها الداعين إليها : ففي الحديث الصحيح “” إنَّ من ورائكم أيامَ الصبر ، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم “” طب – صحيح الجامع (2230)، وفي الحديث الآخر”” العبادة في الهرج كهجرة إليَّ “” صحيح الجامع – ورواه مسلم في صحيحه .
6- ومن أهم ثمرات التمسك بالسنة النبوية : أنها تحفظ من الافتراق والخصومات : فالإجماع على السنة والعمل بها يمنع وقوع كثير من الخلافات المؤدية إلى التفرق والعداوات:قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله (سُئل مالك بن أنس عن السنة ؟ فقال: هي مالا اسم له غير السنة ) وتلا قوله تعالى ) وأن هذا صرا طي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله(ذكره الشاطبي في الاعتصام (1/77) ، وقال شيخ الإسلام ( والبدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة ) الاستقامة (1/4)، وقال أبو العالية( إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء ) رواه ابن وضاح (23/33) .
7- ومن فوائد الالتزام بالسنة :قال ابن قدامة رحمه الله( وفي اتباع السنة بركة موافقة الشرع ، ورضى الرب سبحانه وتعالى ورفع الدرجات ، وراحة القلب ، ودعة البدن ، وترغيم الشيطان ، وسلوك الصراط المستقيم ) ذم الموسوسين صـ41، وقال ابن حبان ( إن في لزوم سنته صلى الله عليه وسلم : تمام السلامة ، وجماع الكرامة لا تطفأ سرجها ولا تدحض حججها ، من لزمها عصم ومن خالفها ندم ، والمتعلقون بها هم أهل السعادة في الآجل والمغبوطون بين الأنام في العاجل ) مقدمة صحيح ابن حبان– الإحسان (1/102) .
( ب ) حكم ترك السنن النوافل المستحبة :ذكر ابن عابدين في حاشيته (1/104) أن ظاهر المذهب الحنفي على وجوب العمل بالسنة المؤكدة كرواتب الصلوات ، أما جمهور العلماء فيعرفون المستحب بأنه ( ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ) إلا أن هناك سننا مؤكدة يشددون في تركها مطلقاً كالوتر وركعتي الفجر ، كما أنهم ينكرون على من ترك سنة مطلقاً ولو لم تكن مؤكدة كصلاة الضحى مثلاً ، ولا شك أن هناك نصوصاً تتضمن اللوم والإنكار والترهيب من ترك السنن منها : حديث “” تقدموا ، فأتموا بي ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله “” مسلم (4/158) ، قال شرّاح : أي يتأخرون عن اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل حتى يؤخرهم الله عن رحمته وفضله ، وكذلك حديث “” ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب “” أحمد وأبو داوود والترمذي والحاكم
*ومن أقوال أهل العلم في ترك النوافل :
*قال مالك رحمه الله في الوتر ( ليس فرضا ولكن من تركه أدب وكانت جرحة في شهادته ) ابن حزم (2/314)، قال ابن مفلح ( وإنما قال هذا فيمن تركه طول عمره أو أكثره فإنه يفسق بذلك ، وكذلك جميع السنن الراتبة إذا داوم على تركها ) الفروع (6/560)
*قال النووي رحمه الله ( ومن اعتاد ترك السنن الرواتب ردت شهادته لتهاونه في الدين ، وإشعار هذا بقلة مبالاته بالمهمات ) روضة الطالبين (11/233)
وقال شيخ الإسلام ( الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين ومن أصر على تركه فإنه ترد شهادته)الفتاوى (23/88) ، وسُئل عمن لا يواظب على السنن الرواتب فأجاب (من أصر على تركها دل ذلك على قله دينه ، وردت شهادته في مذهب أحمد والشافعي وغيرهما ) الفتاوى (23/127)
وقال عبد الله بن منازل ( لم يبتل بتضييع السنن أحد إلا يوشك أن يبتلى بالبدع ) الشاطبي (1/130)
( ج ) قواعد للتعامل مع السنة المستحبة :
1- يُعمل بالسنة ولو هجرها الناس : فلا تترك السنن لأن الناس لا يعملون بها أو يستهزئون بالمتمسك بها وقد مر علينا قبل قليل حديث “” إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم “” فلابد من إحياء السنن والجهر بها والدعوة إليها والصبر على ذلك كله ، وإذا لم تحيا السنن المهجورة تفشو البدع ، وترك السنن يفضي إلى عدم معرفتها عند الناس ، قال ابن القيم رحمه الله ( ولو تركت السنن للعمل ، لتعطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرست رسومها وعفت آثارها ، وكم من عمل قد اطرد بخلاف السنة الصريحة على تقادم الزمان إلى الآن ، وكل وقت تترك فيه سنة ويعمل بخلافها ويستمر عليها العمل ، فتجد يسيرا من السنة معمولا به على نوع تقصير ، وخذ ما شاء الله من سنن قد أهملت ، فلو عمل بها من يعرفها لقال الناس : تركت السنة ) أعلام الموقعين (2/395)
وقال الشاطبي( فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح ، فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة ، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً ) الاعتصام (1/34)
2- تُبينُ السنة ولا يخاصم عليها : أي المجادلة التي تورث الضغائن والعداوات ، والإسلام حذرنا من الخصومات والجدال الذي يؤدي إلى العداوات والضغائن بين المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم “” ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل “” أحمد ، وقال الإمام مالك ( الجدال في الدين ينشئ المراء ، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسيه ويورث الضغن ) سير أعلام النبلاء (8/106) .
فعلى طالب العلم أن يبين للناس السنة ويقيم عليها الحجج فإن لم يقبل منه فقد أدى ما عليه ، قال الإمام أحمد ( أخبر بالسنة ولا تخاصم عليها ) طبقات الحنابلة (1/236)، قال الهيثم بن جميل ( قلت لمالك : يا أبا عبد الله : الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها ؟ قال: لا ، ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت) جامع بيان العلم (2/94)، وقال يونس الصفدي ( ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ) قال الذهبي تعليقا ( هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، فما زال النظراء يختلفون ) السير (10/16) ، وقال ابن تيميه رحمه الله لأولئك الذين يعادون من خالفهم في السنن الاجتهادية : وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعار الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنه الفتاوى (22/405)
3- الموازنة بين المصالح والمفاسد عند إظهار سنة من السنن :القاعدة الشرعية ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالباً ، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات( الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 87) ، ودليل هذه القاعدة ما رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ، لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض وقد بوب البخاري على حديث عائشة بقوله ( باب ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه ) ، وقال الحافظ ابن حجر ( ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة ) فتح الباري (1/224 ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه ( يستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات ، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا ، كما ترك النبي تغيير بناء البيت ، لما في إبقائه من تأليف القلوب ، كما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاةُ في السفر ثم صلى خلفه متما وقال : الخلاف شر ) الفتاوى (22/407) ، وقال رحمه الله ( فالعمل الواحد يكون فعله مستحبا تارة وتركه تارة ، باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه بحسب الأدلة الشرعية ، والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته ، ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين مثل لو كان ممن يرى المخافتة في البسملة أفضل أو الجهر بها ، وكان المأمومون على خلاف رأيه ، ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزا حسنا الفتاوى (24/195) ، قلت : ومراعاة المصالح والمفاسد لا ينفي ما سبق بيانه من العناية بالسنة والحرص عليها فإن هذه القاعدة إنما تطبق لأمر عارض لا أن تهمل السنة ، ويكون تطبيقها إلى أن يعلم لمخالف بالسنة وتقام عليه الحجة ، ولا تترك السنة بالكلية ، فإن في ذلك مفسدة عظيمة بها يضيع شيء من شرع الله تعالى ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا،يعني مفصل الإصبع ، فإن تركتموهم جاءوا بالطامة الكبرى ، وإنه لم يكن أهل الكتاب قط إلا كان أول ما يتركون السنة ) رواه اللالكائي بسند صحيح في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/91)
×إذا فالمفهوم الصحيح للقاعدة هو : على المسلم أن يظهر السنة للناس ، فإذا ترتب على إظهارها مفسدة راجحة ، فيترك هذه السنة مؤقتا حتى يعلم المخالف لها ويقيم عليه الحجة والبرهان ، ويناصحه بالدعوة والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، فإذا علم من حال المخالف أنه دفعها ورفضها ورغب عنها إما تعصبا لمذهب أو إتباعاً لمنهج ، فإن السنة تقام ولا يبالي بالمخالف حينئذ ، والمصلحة الكبرى التي نريد إبقاءها إنما هي المودة بين أهل السنة ، وكذلك تلافي وقوع البغضاء والعداوة بينهم ، فإذا كان المخالف راغبا عن السنة سقطت مودته ، ولكن بعد أن يعلم برفق وتقام عليه الحجة . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : “” فمن رغب عن سنتي فليس مني “” البخاري وغيره
4- ومن قواعد التعامل مع السنة :ينكر على مخالف السنة الثابتة الصريحة التي ليس للاجتهاد فيها مساغ : وكذلك على من خالف إجماعا أو قياسا جليا ، وذلك في المسائل الخلافية غير الاجتهادية أما في المسائل التي لا يوجد فيها نص صريح يتم الترجيح به فلا يجب الإنكار فالمعيار هو الكتاب والسنة الثابتة الصريحة والإجماع والقياس الجلي ، فكل من خالف ذلك يجب الإنكار عليه بالضوابط الشرعية المعروفة قال الإمام النووي ( ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا ، والله أعلم) شرح صحيح مسلم (2/24) ، فيفهم من كلامه أن للمحتسب حق الإنكار والاعتراف على من خالف ذلك ، قال ابن القيم ( إذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعاً وجب إنكاره اتفاقا وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيه مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا ) أعلام الموقعين (3/300) ثم ذكر أمثلة قال ( والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثيرة مثل كون الحامل تعتد بوضع الحمل ، وأن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول ، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينزل ، وأن المسلم لا يقتل بكافر وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة أعلام الموقعين (3/302) ، قال الشوكاني ( يجب الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع ، والنهي عما هو منكر من منكراته ، ومعيار ذلك الكتاب والسنة السيل لجرار (4/588) ، وقد أنكر السلف على بعضهم ممن خالف النص في اجتهاده :فأنكر ابن عمر على أبيه الفاروق نهيه عن حج التمتع عندما سئل –صحيح سنن الترمذي (1/247) ، وأنكر ابن عباس على علي بن أبي طالب إحراقه للمرتدين –صحيح سنن الترمذي (2/77) ، وأنكر ابن عباس على معاوية استلامه الركنين الشاميين – أحمد والترمذي – بلوغ الأماني ( أحمد البنا ) ( 12/41) ، وأنكرت أم سلمة على سمرة بن جندب فتواه بقضاء صلاة الحائض ، وهكذا كان السلف ينكر بعضهم على بعض إذا خالف السنة الصريحة الثابتة ، وكانوا يرضخون ويسلمون للحديث والسنة
وإذاً : ينكر على مخالف السنة الثابتة والصريحة التي ليس للاجتهاد فيها مساغ أما المسائل التي تتقارب فيها المدارك وتتكافأ فيها الأدلة ، ويكون الحكم فيها موكولا إلى الاستنباط من النص الشرعي فلا يجب الإنكار فيها وإنما يستحب التناصح بين المختلفين مع بيان كل واحد منهما حجته وإذا لم يقنع أحدهما الآخر فلا يكون ذلك داعيا إلى التغليط والإنكار والفرقة وفي هذه المسائل ورد عن السلف ما يلي :
* قال يونس الصفدي ( ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟) قال الذهبي تعليقاً : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، فما زال النظراء يختلفون سير أعلام النبلاء (10/16) .
* قال ابن تيميه لأولئك الذين يعادون من خالفهم في السنن الاجتهادية ( وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنه ) الفتاوى (22/405)
* قال سفيان الثوري ( إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه ) الفقيه والمتفقه للخطيب (3/69) وهذه في المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص صريح ولا إجماع
5- القاعدة الخامسة من قواعد التعامل مع السنة : لا يعمل بما ورد حتى يثبت رواية ويتأكد من صحة الاستنباط وسلامة الاستدلال به : فإذا نقلت إلينا سنة فإن الواجب علينا قبل العمل بها أمران :
(أ) التأكد من صحة سندها ومتنها إما بإعمال القواعد الحديثية على إسنادها ، وإما بتقليد أحد أئمة هذا الشأن قال الشيخ زكريا الأنصاري ( طريق من أراد الاحتجاج بحديث من السنن والمسانيد له إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وحال رواته ، وإلا فإن وجد أحداً من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده ، وإلا فلا يحتج به ) فتح الباقي على ألفية العراقي (1/160)، قال شيخ الإسلام ابن تيميه ( ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع الفتاوى (1/250)
(ب) الأمر الثاني : التأكد من صحة الاستنباط وسلامة الاستدلال وفقا للقواعد الأصولية المعتبرة : فعلى طالب السنة بعد أن يتأكد من صحة الحديث أن يرجع إلى شروح الحديث ويفهم دلالته ومعناه قبل أن يعمل به ، قال عبد الله بن المبارك ( ليكن الذي تعتمد عليه الأثر وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث ) جامع بيان العلم – لإبن عبد البر (2/144) ، وفهم وتفسير السلف مقدم على غيرهم من الناس .
خاتمة:
وأخيراً : علينا أن نعتني بالسنة ونتعلمها ونعمل بها وندعوا الناس إليها بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن ، فيُعمل بالسنة ولو هجرها الناس ووتُبين السنة ولا يخاصم عليها وتراعي الضوابط الشرعية عند الإنكار على مخالف السنة الصريحة الثابتة ، ولابد من التثبت مما ورد من السنة وكذلك لابد من صحة الاستدلال بها بالرجوع إلى فهم السلف والأئمة . المصدر منتديات ستوب منتدى الحديث الشريف و السيرة النبوية والذب عن رسولنا الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Comments: 0