في رحاب آية هل النكبة الكبرى ضياع فلسطين أم إضاعة الدين، وتقزيم القضية حيناً بعد حين؟
الثلاثاء 4 رجب 1434 الموافق 14مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء –مينا-
﴿ .. وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.. ﴾
د. يونس الأسطل
تزداد وتيرة الحديث عن مصائب الشعب الفلسطيني كلما أهلَّ علينا شهر أيار من كل عام؛ ذلك أن الخامسَ عشرَ منه قبل ثلاث وستين سنة، وبالتحديد في 1948م، قد شهد قيام كيان صهيوني فوق أربعة أخماس أرضنا المقدسة، بعد ثلاثين عاماً من الاحتلال البريطاني الذي غزا هذه المنطقة؛ تمهيداً لسيطرة اليهود عليها، ووفاءً بوعد بلفور، وتطبيقاً لخطة (سايكس – بيكو)، وحتى لا تقوم للإسلام قائمة، ولا للعرب نهضة، نكون بها نِدَّاً للصليبيين؛ بل سادة عليهم، وأساتذة لهم، كما كنا أول مرة.
وقد جرى الاصطلاح على تسمية مذابح شعبنا الفلسطيني، وتشريد بَاقِيهِ في تلك السنة بالنكبة، ولا شك أنها نكبة؛ بل طامَّةٌ وداهية؛ فإن إخراج الناس من ديارهم وأموالهم يُوزن بقتلهم، فكيف إذا وقعت فيهم مجازر كبرى، وإباداتٌ جماعية، ومما يشهد باستواء التهجير والقتل قوله تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ )النساء: (66)
فإن التخيير بين أمرين يدل على استوائهما في المنزلة
غير أن النكبة الحقيقية ليس أن يقع شعبٌ فريسةً لعدوه، بفعل المؤامرة الكبرى عليه، فقد وقعت شعوب كثيرة تحت وطأة الغزو المجرم، ثم ما لبثتْ أن تحررت باستمساكها بعقيدتها وحقوقها، ومقاومتها لعدوها، ثم عودتها سيرتها الأولى عزيزة كريمة.
إن آية المقال تخبرنا عن الهدف الأسمى من العدوان علينا نحن – الأمة الإسلامية -، إنها تكشف عن الجهد الدؤوب الذي لا يتوقف، فأعداؤنا لن يضعوا أوزار الحرب حتى يطمئنوا إلى أننا قد هَجَرْنا ديننا، وانسلخنا منه بالكلية، سواء دخلنا في دينهم، ورضينا بالتطبيع معهم، أو صِرْنا هَمَلاً كالأنعام؛ لننسى أرضنا وديارنا؛ بل لننسى أنفسنا، مع أنه لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم؛ اعتقاداً منهم أن مَنْ كان هوداً أو نصارى فقد اهتدى، وأنه لن يدخل الجنة إلا مَنْ كان هوداً أو نصارى، فهم أبناء الله وأحباؤه، والآخرة خالصة لهم من دون الناس، ولن تمسهم النار إلا أياماً معدودة.
فهل تحقق للاحتلال الصهيوني هذا الهدف؟، وهل حصل أنِ ازْدَرَيْنا ديننا، وأصبحنا له من القَالِين الكارهين؟
إن آية المقال تشكك في استطاعة العدو أن يصل بنا إلى الردة؛ بل التردي في وادٍ سحيق؛ لأن حرف الشرط (إن) يفيد الشك، ورجحان عدم تحقيق ذلك الهدف، بخلاف ما لو كان حرف الشرط (إذا)؛ فإنه يفيد رجحان الحصول.
غير أن ذلك لا يمنع من تحقيق انتصار جزئي في هذا الميدان؛ فقد شهدت تلك الحقبة قدرة اليهود على نَشْرِ الإلحاد والأفكار اليسارية، وقد أشاعت في الناس أن الدين أَفْيُونُ الشعوب، بل وصل بهم الأمر إلى حَدِّ وجوب إلقاء السلاح إذا وصل إلى الحكم حزب (راكاح)، وهو الحزب الشيوعي اليهودي.
إن قيام كيان الاحتلال قد تزامن مع سلخ قضية فلسطين من بُعْدها الإسلامي؛ لتكون قضية قومية، فهي قضية عربية، ولا شأن لثلاثة أرباع الأمة بها، فعلى الشعوب الإسلامية العجمية أن تستريح من واجب الإسهام في تحريرها، ثم لم يقف الأمر عند هذه المصيبة، بل جرى تقزيمها لتكون قضية وطنية قطرية، مُذْ قام العرب بتدشين منظمة التحرير؛ لتمسي المقاومة مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده، وعلى العرب أن يناموا مِلْءَ جفونهم، وأن يستغرقوا في سُباتهم، فلا جناح عليهم تجاه فلسطين، وتلك والله أكبر من نكبة فلسطين ابتداءً، ولا تقاس بها كذلك نكبة حَصْرِها في العرب وحدهم.
ويا ليت الأمر قد وقف عند ذلك الحدِّ، فقد شهد عام 1974م إنعام العرب على المنظمة بلقب الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بهدف قطع الطريق على القيادات الإسلامية أن تتمكن من توحيد الشعب الفلسطيني على خيار الدين والمقاومة، بعد أن شهد ذلك العام تفريغ ميثاق المنظمة من جوهره، وهو الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فاعتمدوا الكفاح السياسي والتفاوض، مع القبول بإقامة دولة على أيِّ شبرٍ يجري انتزاعه من الاحتلال.
لقد دخلت المنظمة بذلك في النفق المظلم المسدود، وها هي نتيجة ذلك ماثلة أمامنا، فقد تحوَّل المناضلون إلى حراسة أمن الاحتلال، والسهر على راحته، والضرب بيدٍ من حديد على كلِّ مَنْ تُسَوِّلُ له نفسه أن يؤذي صهيونياً دَنِساً، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، لأولئك الفلسطينيين الجدد، الذين يتلقون تمويلهم وتدريبهم وتعبئتهم من الجنرالات الأمريكان، والصهاينة، وأكابر مجرميها من المحسوبين على الشعب الفلسطيني.
إن التخلي عن الإسلام سلاحاً في المعركة نكبة، وإن التخلي عن المقاومة وعن الدفاع عن النفس نكبة، وإن التعهد بأمن الاحتلال، والدخول في المقاولات الأمنية نكبة، وإن التعاون الأمني مع الاحتلال نكبة، وإن السعي لنشر الخنا والفواحش في الناس تمهيداً للتطبيع نكبة، وإن الإعلام الداعر، تشويه الحقائق، واعتماد الإفك والشائعات نكبة، وإن ما نشرته الجزيرة من أسرار التفاوض، أو تبادل الأدوار مع الاحتلال في قتل المجاهدين، والعدوان على غزة نكبة، والقائمة تطول.
ولعل السِّرَّ في كلِّ أولئك هو الوَهْن والضعف والاستكانة، أو الركون إلى الرويبضات من القيادات، فقد كشف نبيُّنا عليه الصلاة والسلام أن الأمم الكافرة يوشك أن تتداعى علينا كما تتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها، لا من قلةٍ فينا، ولكن كثرتنا كغثاء السيل، فقد نزع الله مهابتنا من قلوب أعدائنا، وقذف في قلوبنا الوهن، وقد سئل عن الوهن؟، فأجاب: حبُّ الدنيا وكراهية الموت، وقد أثمر ذلك ركوعاً للمال المسيس، وارتماءً في أوحال البغاء، وعشقاً للبقاء، فلما كان سبيل ذلك التنازل عن أربعة أخماس فلسطين، واعتبار الباقي أرضاً متنازعاً عليها، يلتهمها الجدار والاستيطان والاحتلال، كان القبول بذلك، بل والابتهاج بدور الحارس للاحتلال، والخادم له، والعياذ بالله.
لكن البشارات العظيمة للخروج من تلك النكبات تتوالى، مُذْ خرجنا من نكبة النكبات، فتمسكنا بعقيدتنا، واستمسكنا بمنهاج ربنا، فأعاننا على الصمود والمقاومة، وها هي الدنيا تتغير من حولنا لصالح عودة القضية إلى أحضان الشعوب العربية والإسلامية، بما يجعل التحرير والعودة قاب قوسين أو أدنى بمشيئة الله وتوفيقه.
﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾
المصدر الالوكة.
Comments: 0