كرامة الاستقامة
الجمعة7 رجب 1434 الموافق 17مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء –مينا-
بقلم: عبد الله المومني
لا تزال الأنفس تتطلع إلى ما تحظى به من نعم وأفضال وكرامات، ويثقل عليها الامتثال للأوامر والنواهي والطاعات. فالعاقل يسمع لقول أمثال أبي علي الجوزجاني: “كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة. فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة” . وقول ابن تيمية: “أعظم كرامة لزوم الاستقامة” . وقول الإمام القشيري: “واعلم أن الاستقامة توجب دوام الكرامات، قال الله تعالى:” وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ” ولم يقل سقيناهم، بل قال (أسقيناهم) يقال: أسقيته إذا جعلت له سقيا، فهو يشير إلى الدوام” .
والاستقامة في اصطلاح أهل الحقيقة: هي الوفاء بالعهود كلها، وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط في كل الأمور، من الطعام والشراب واللباس، وفي كل أمر ديني ودنيوي، فذلك هو الصراط المستقيم، كالصراط في الآخرة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: شيبتني هود، إذ أنزل فيها: فاستقم كما أمرت . وأن يجمع بين أداء الطاعة واجتناب المعاصي.
وقيل: “الاستقامة: ألا تختار على الله شيئا. وقال أبو علي الدقاق: لها مدارج ثلاثة؛ أولها: التقويم، وهو تأديب النفس، وثانيها: الإقامة، وهي تهذيب القلوب، وثالثها: الاستقامة، وهي تقريب الأسرار” [1].
وقال الراغب: “استقامة الإنسان لزومه للمنهج المستقيم” .
وقال عمر رضي الله عنه: “الاستقامة؛ أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعبان” .
وقال ابن القيم: ا”لاستقامة تتعلق بالأقوال، والأفعال، والأحوال، والنيات. فالاستقامة فيها وقوعها لله، وبالله، وعلى أمر الله” .
وقال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “الاستقامة اقتحام صاعد لعقبة صاعدة. وبجهد استقامتك تتقرب إلى الله عز وجل يحبك ويكون سمعك وبصرك ويدك ورجلك” [2].
وقيل: إن الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر، لأنها خروج عن المعهودات، ومفارقة للعادات، وقيام بين يدي الله عز وجل على قدم الصدق.
لذلك يطلب من المؤمن، السداد والمقاربة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه “”سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله” قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل”” [3].
وتتجلى استقامة المؤمن في أن يقرن بالعلم العمل، لأن العمل غاية العلم ولولاه لم يطلب العلم، وأن يتعلم العلم لأنه إمام وخادم العمل ولولاه لما طلب العمل.
و”لا يوثق للناس عمل عامل لا يعلم، ولا يرضى بقول عالم لا يعمل” كما قال الزهري رحمه الله.
والعلم حجة لك أو عليك كما الجهل، فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ينفي حجة الجهل؟ قال: “العلم”. قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: “العمل”” .
“ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع” “. منها: “علمه ماذا عمل فيه” .
فالمؤمن متوسد ما قدم من عمل في قبره، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. لا شر أكبر مما يصيب الذي يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويأتيه. فذاك تندلق أقتابه حين يلقى في النار يوم القيامة كما أخبر الصادق المصدوق.
نعوذ بالله من علم لا ينفع. ونسأله أن يرزقنا جل وعلا علما ينفعنا، وعملا يرفعنا. آمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.
Comments: 0