جميلة المصلي لـ “التجديد”: الانخراط في المنظومة الأممية لا يعني أننا سنقبل بالانسلاخ عن هويتنا

الثلاثاء11 رجب 1434 الموافق 21مايو/آيار 2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
 
شددت النائبة البرلمانية جميلة المصلي، على أن المنتظم الدولي وخاصة الجمعيات المشتغلة في قضايا المرأة، لابد أن تراجع خطابها وأولوياتها، لأنه – بحسبها- على ضوء الواقع هناك آليات تعتمد ولا تنتج بمعنى أن المقاربة والسياسة المعتمدة غير ناجعة.
وفي أعقاب ذلك قالت الباحثة في قضايا المرأة، في حوار أجرته معها “التجديد” “في نظامنا الاجتماعي قيما، ستشكل الملجأ وصمام الأمان بالنسبة للمجتمعات الأخرى”. مشيرة إلى أنه يجب الانتباه إلى أن العالم في حاجة إلى القيم الإسلامية، لأنها تحفظ التوازن واستمرارية البشرية.
وقالت المصلي “الانخراط في المنظومة الأممية لا يمكن إلا أن نسانده وندعمه، فالمغرب منخرط في هذه الدينامية، ولكن هذا الانخراط في نفس الوقت لا يعني أننا سنقبل الانسلاخ عن هويتنا، أو المس بالسيادة والمقدسات الوطنية التي تكون نابعة من مرجعيتنا الدينية وثوابتها”، مؤكدة على أن المنظومة الدولية نفسها تحترم هذه الخصوصية عبر إقرار آلية التحفظ .
وحول ما يثار من قضايا في نقاش قضية الملاءمة بين التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، جددت المصلي التأكيد على أن المجتمع يعرف تحولات كبيرة على عدة مستويات، وبنظرها فإن المغربيات في حاجة إلى خطاب يعكس همومهن الحقيقية.. وإلى ذلك، دعت عضو مكتب مجلس النواب “من يعتبر نفسه يمثل هاته الفئة أن يطور خطابه ويرتب أولوياته لكي يكون فعلا في قلب الواقع”.
 بداية، أين تتموقع بنظركم قضايا المرأة في سياق التحولات التي يعيشها المغرب ؟
المغرب اليوم، يعيش مجموعة من التحولات على العديد من المستويات منها ما هو سياسي وما هو قانوني..، وفي السياق هناك مستوى مهم ينبغي أن لا نغفل عنه، وهو المرتبط بالقضايا الاجتماعية والثقافية.  وقضية المرأة بلا شك تشكل صلب هذه التحولات وعمقها.
لقد انخرط المغرب في مسلسل التشريعات والقوانين، وتقدمنا جدا مقارنة بالمحيط العربي، بل مقارنة حتى ببعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. أقول بأننا تقدمنا على هذه الدول في التشريع المتعلق بالمرأة، وإن كان ما زال هناك تخلف في قضايا اجتماعية وثقافية، لا شك يحملنا المسؤولية كمجتمع مدني وكبرلمان.
وعليه فإن الحاجة إلى فتح نقاش مسؤول وبناء في قضية المرأة والتحولات التي تعرفها، في تقديري أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى.
ما هي قراءتكم لهذا الواقع، في سياق التحولات العالمية على ضوء الوثيقة الصادرة مؤخرا عن الدورة 57 للجنة وضع المرأة ؟
نعم ما ميز هذه المرحلة، كان في تقديري هو الوثيقة الصادرة عن الدورة 57 للجنة وضع المرأة، التي اهتمت بموضوع العنف ضد النساء. والوثيقة كما هو معلوم كانت محط نقاش من قبل المشاركين في الدورة، منهم بعض ممثلي المجتمع المدني الذين يدافعون عن الأسرة والمرأة بالخلفية الإسلامية.
فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي يضم منظمات من مختلف هيئات العالم، ضمنها هيئات تدافع عن الأسرة وعن قيمها، حيث تتصدى لكل المبادرات التي تعتقد أنها تمس بالأسرة واستقرارها.
ومن أهم القضايا التي كانت مثيرة للجدل بالوثيقة، كون الإعلان انطلق من خلفية المنظومة الدولية والاتفاقيات التي تشكل الخلفية القائمة.
وكان الحديث عن العنف القائم عن “الجندر”، وهو يمثل المصطلح المفصلي الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة، وقد تم تمريره للمرة الأولى من خلال ديباجة اتفاقية “سيداو”. ولم يلتفت أي من الوفود العربية التي وقعت على الاتفاقية إليه نظراً لوروده مرة واحدة. ومن الملاحظات المسجلة في هذا المجال، ما سمي بـ “التلاعب الذي يتم في الترجمة، حيث تترجم مساواة الجندر إلى “المساواة بين الجنسين”، ويترجم الجندر إلى “الجنس”. كما أن الموسوعة البريطانية تعرف الهوية الجندرية بأنها: “شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى”. وبالتالي فإن نوع الإنسان – وفقا لذلك التعريف- أمر متغير ومتوقف على إحساس الشخص !!”. أما العنف المبني على الجندر، “فهو أي فارق في المعاملة بين الأنواع. ومن ثم فإن عدم التساوي بين الرجل والمرأة في الأدوار وفي التشريعات، يعد عنفا مبنيا على النوع، وأيضا عدم التساوي بين الشواذ والأسوياء يعد عنفا مبنيا على النوع”.
كما أن مفهوم العنف توسع ليصل إلى الصور النمطية وعدم الولوج إلى المجال العام والخاص..
والذي أريد أن أؤكد عليه في هذا السياق، هو أنه لا يمكن أن ننفي في إطار التطور الذي عرفته البشرية أن موضوع العنف يتطور، وعليه يحق لنا أن نقول بأنه على المستوى الرقمي، لم نصل كدول عربية إلى الأرقام الموجودة الآن في الدول الأوربية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا التي تؤكد الأرقام أنه في كل 4 نساء هناك امرأة معنفة. وعندما نتحدث عن العنف هناك، فإننا نتحدث عن أقصى أنواعه، لكون الدولة مباح فيها استعمال السلاح، وهذا له تأثيراته على النساء خاصة.
صحيح أن هناك دولا لها مبادرات مهمة على مستوى التشريع وعلى مستوى إقامة ملاجئ لحماية النساء.. لكن هذه المبادرات لا بد اليوم من تقييمها، لأن الذي ثبت الآن رغم كل المجهودات المبذولة، هو أن العنف ما زال مستمرا ولم يتم توقيفه. بل تزداد نسبه سنة بعد أخرى .
كيف ذلك ؟
أظن أن المنتظم الدولي وخاصة الجمعيات المشتغلة في قضايا المرأة، لابد أن تراجع خطابها وأولوياتها، فعلى ضوء الواقع هناك آليات تعتمد ولا تنتج بمعنى أن المقاربة والسياسة المعتمدة غير ناجعة. 
أقول بأن هناك أزمة على مستوى القيم، لا ينبغي السكوت عنها، وإلا سيأتي يوم تنفجر فيه. وأعتقد أنه على الرغم من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي نعاينها من أمية وفقر وارتفاع ما يسمى بظاهرة النساء المعيلات  للأسر.. فإنه من الناحية القيمية ما زالت لدينا قيما أساسية لابد من المحافظة عليها لأنها مصدر غنى، تحتاجه اليوم البشرية جمعاء. 
خلال جولتي مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية في إطار “برنامج الزائر الأمريكي الخاص بالقيادات النسائية”، زرت مجموعة من الجمعيات والمنظمات العاملة في قضايا المرأة هناك، وتأكد لي وبمؤشرات واقعية، أننا نحمل قيما، اليوم البشرية في حاجة إليها كما قلت. لأنها تشكل الحلول التي يمكن أن نساهم بها في مواجهة مختلف الإشكالات القيمية التي تعيشها البشرية عموما. 
اليوم مثلا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، هناك كثير من الدول غير المسلمة تعتمد نظام “المعاملات البديلة” أو “البنوك الإسلامية” لأنها وجدت فيها حلا لإشكالاتها الاقتصادية والمالية، وبالتالي ففي نظامنا الاجتماعي قيما، ستشكل الملجأ وصمام الأمان بالنسبة للمجتمعات الأخرى. 
ما هي هذه المؤشرات تحديدا ؟
أثناء لقائنا مع عميدة كلية “سكوت” التي تضم ما يقارب 1000 طالبة، أكدت أن تخصيص هذه الجامعة للبنات، جاء بناء على نتائج دراسات أثبتت أن البنات بين سن 18 و 25 يحتجن ليدرسن بعيدا عن الأولاد لأنهن أكثر هدوءا منهم. ولكم أن تتخيلوا ما الذي يمكن أن تثيره مثل هذه المبادرة في دولة أخرى؟ !!
أقف معكم على مثال آخر. حين زيارتي لمراكز العنف بولاية “ميشيغن”، وقفنا على أنه بالرغم من أن القوانين تشدد على تجريم العنف في الولايات المتحدة، ورغم وجود مراكز إيواء النساء المعنفات، إلى أن نسب العنف في ارتفاع مستمر وبصور مخيفة.
ومن بين ما تم الوقوف عليه، أيضا أن الفتيات في سن ما بين 12 و 14 سنة، يقع الاتجار الجنسي بهن، وحكت رئيسة جمعية “فتيات لطيفات” في ولاية جيورجيا عما تتعرض له الفتيات من مخاطر بسبب العصابات المنظمة والإجرامية التي تتعقب الفتيات الصغيرات وتسعى لاستغلالهن جنسيا والمتاجرة بهن عبر سرقتهن وإخفائهن في ولايات أخرى بعيدا عن العائلة، ويتم استغلال شبكات التواصل الاجتماعي في التغرير بهن. وكشفت رئيسة المنظمة عجزهم عن إيقاف ذلك رغم كل المجهوادت التي بذلت، لأن الفتيات تتلقين برنامج التوعية الجنسية في مرحلة الابتدائي، وفي مرحلة الخامس أو السادس يصبحن بحسب المصطلح المستعمل هناك “ناشطات جنسيات”. فيقع حمل في صفوف المراهقات، فيكن عرضة لمنظمات إجرامية متخصصة في المتاجرة بهن. وتجربة الجمعية قائمة على توعية البنات من مخاطر الحمل المبكر. وتتبنى الجمعية التي سمت نفسها “فتيات لطيفات”، مبدأ الإشراف حيث تتكفل كل سيدة بفتاة وتشرف عليها وترافقها، لمساعدتها على التغلب على المشاكل الجنسية التي تعترضها.
النقاش الذي أثير على خلفية هذه التجربة الجمعوية، وقف حول إمكانية مساعدة الزواج المبكر في حل هذا المشكل. علما أن السن القانوني للزواج أصلا محدد عندهم في هذه الولاية في  16 سنة.
أشير كذلك، إلى أنه في الوقت الذي يتم الضغط على مجتمعات عربية وإسلامية لتغيير تشريعاتها المحلية والوطنية، نجد دولا أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ،عندها انتهاكات صارخة من مثل عدم المساواة في الأجور بين الرجال والنساء في جميع الولايات، كما أن القانون لا الفدرالي ولا الولائي لا ينصان على أجرة الأم في عطلة الولادة.
وقد أثيرت هذه القضية أثناء زيارتنا لمركز النساء العاملات وهو مركز مهتم بوضعية هاته الفئة بالولايات المتحدة الأمريكية، (أثارت) نقاشا كبيرا بين المشاركات، ولم يتم تقبل أن تكون النساء في بلد مثل أمريكا ويعانين من عدم المساواة في الأجور. وعدم التمتع بحق طبيعي وهو أجرة الأمومة على خلاف الدول العربية التي تفرض قوانينها أجرة عطلة الأمومة .
فإذا كانت دول مثل أمريكا التي فوق أرضها في نيويورك مقر الأمم المتحدة توجد بها مثل هذه الانتهاكات، فكيف يتم السكوت عن هذه الدول والضغط على دول أخرى عندها مساواة في الأجور وفي الاستفادة من عطلة الأمومة.. نحن لا ندافع عن التمييز والظلم الذي يطال النساء بسبب السياسات الحكومية أو بثقافات وعادات جائرة، التي نطالب بتغييرها، ولكن نشدد على أن الثوابت من حقنا أن ندافع عنها ونتشبث بها.
بنظركم، ما هي الخلفية التي تحركها مثل هاته المؤشرات ؟
يجب أن ننتبه بأن العالم في حاجة إلى القيم الإسلامية، لأنها تحفظ التوازن واستمرارية البشرية. وأظن أنه من حقنا أن نفخر بهذه القيم ونعتز بها وأن لا نخجل منها. فإعلان مكسيكو نفسه احترم التعددية الثقافية الموجودة في العالم واعتبرها غنى بشريا.
في هذه المرحلة، بطبيعة الحال الانخراط في المنظومة الأممية لا يمكن إلا أن نسانده وندعمه. فالمغرب منخرط في هذه الدينامية، ولكن هذا الانخراط في الوقت نفسه لا يعني أننا سنقبل الانسلاخ عن هويتنا ، أو المس بالسيادة والمقدسات الوطنية التي تكون نابعة من مرجعيتنا الدينية وثوابتها، فلا يمكننا أن نتخلى عنها. والمنظومة الدولية نفسها تحترم هذه الخصوصية عبر إقرار آلية التحفظ .
وفي تقديري، أنه على الغرب أن يبذل مجهودا أكثر لفهم الثقافة الإسلامية في قضية المرأة، وأن لا تلصق بها هذه الكليشهات، فالنظام الإسلامي لا يفهم مجزأ وإنما في كليته التي تقوم على الحماية داخل الأسرة. كما أن أسئلتهم تثير عندنا بأننا لم نبذل المجهود الكافي للتعريف بالقيم الإسلامية وبقضايا المرأة العربية.
في نقاش قضية الملاءمة بين التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، تثار قضايا غالبا ما توصف بأنها جزئية وخلافية، ما هي قراءتكم للموضوع ؟
في قضية المرأة لابد للنخب من إعادة النظر ومراجعة خطابها وأولوياتها، إذا أردنا أن يكون خطاب النخبة مدافعا عن قضايا المرأة ويلقى صدى في المجتمع. فاليوم خطاب النخبة المنعزلة والصالونات الثقافية يعبر عن قضايا لا تهم إلا فئة قليلة محدودة جدا ومضى زمنه.
المرأة العربية ساهمت بقوة في الدول التي عرفت إصلاحات كما ساهمت في الدول التي عرفت ثورات عربية، ولا يمكن أن يتحدث أحد باسمها من فوق برج عاجي. لابد أن يتم الاهتمام  بقضاياها وإشكالاتها الحقيقية، وليس الإشكالات الموهومة المضخمة. هناك مشكلات ينبغي أن تثار وأن يفتح فيها نقاش عام، وأن تنعكس في خطاب من يعتبر نفسه يدافع عن قضايا المرأة (التوزع بين الأدوار، التوفيق بين الالتزامات الأسرية والمهنية، وضعية النساء في القرى، الانخراط في الحياة السياسية والجمعوية).النساء المعيلات للأسر في وضعية صعبة … 
قضية المتاجرة واستغلال الفتيات جنسيا، واتفاقية سيداو مثلا تتضمن منع الاتجار بالبشر، لماذا يتم تغييب هذا الخطاب ويضخم خطاب آخر من قبيل المساواة في الإرث وهي قضية محدودة وجزئية نجعل منها القضية المحورية في النقاش، رغم أن بيان المجلس العلمي الأعلى كان واضحا، والحالة الوحيدة التي ترث فيها المرأة النصف هي حالة تواجدها مع الأخ  ثم إن هذا المشكل يهم فئة قليلة جدا.
 
هناك أيضا مشكلة تأخر سن الزواج، ونتائج دراسة المندوبية السامية للتخطيط التي أطلقتها سنة 2009 مقلقة جدا، فأكثر من 38 بالمائة من المغربيات في الإدارة العمومية والجماعات المحلية غير متزوجات.
فالمجتمع إذن يعرف تحولات كبيرة على عدة مستويات، ينبغي أن تعكس في اهتماماتنا، فلا يمكن أن نتحدث خارج الإطار الذي يهم المغربيات اللواتي هن في حاجة إلى خطاب يعكس همومهن الحقيقية.
وإلا فالخلاصة، هي أننا نريد أن لا تبقى نخبنا النسائية خارج التغطية، ينبغي أن تدافع عن القضايا الحقيقية للمرأة وأن لا تبقى مرتبطة بخطاب السبعينيات الإيديولوجي. وعلى من يعتبرنفسه أنه يمثل هاته الفئة أن يطور خطابه ويرتب أولوياته لكي يكون فعلا في قلب الواقع.
كيف يتم تنسيق الموقف العربي والإسلامي، فيما يخص التحفظ على ما لا يتلاءم مع الخصوصية الدينية والثقافية ؟
هناك ضعف على مستوى تنسيق الآليات العربية والإسلامية، يجب أن نقولها بصراحة. وهذا الضعف في التنسيق والتعاون تكون له آثار على المستوى الأممي، فالدول العربية لا تتقدم بوثيقة موحدة مشتركة، والمنظمات العربية لا تقوم بتنسيق مشترك. وهذا يؤثر كما قلت على الحضور في الآلية الأممية، ما يجعل الآراء مختلفة، ولا يرى تبعا لذلك أننا في سياق عربي منسجم.
ولا شك أن منظمة المؤتمر الإسلامي تتحمل مسؤوليتها في هذا الأمر والجامعة العربية كذلك، فالقضايا التي تهم التشريعات خاصة تلك المرتبطة بالشريعة الإسلامية، ينبغي أن تكون فيها وجهة نظر موحدة. لأننا في الواقع، نجد أن هناك دولة تتحفظ بدافع ديني، وأخرى تتحفظ بتعارض إحدى الاتفاقيات مع تشريعاتها المحلية، ومن تتحفظ بدافع السيادة الوطنية وأخرى بكلمة جامعة ترفض كل ما يتعارض مع المرجعية الإسلامية.. هذا الشكل يجعل مواقف الدول العربية ضعيفة.
الذي وقع هو أن الدول العربية وقعت بشكل فردي ووضعت تحفظات ثم طلب منها فيما بعد أن ترفع التحفظات. مع العلم أن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع أصلا على اتفاقية “سيداو”، وعندما تناقش هذا الأمر مع الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، تقف عند مضمون لتوجه يفيد بأن لا أحد منهما يريد أن يتحمل المسؤولية، مقابل مقاومات مستميتة على المستوى المحلي.
اليوم، بدأ مسار تراجعي على التحفظات التي كانت قد أبدتها الدول العربية على الاتفاقية، وكل دولة بطريقتها. فيما المفروض أن يكون التنسيق في الموقف. على الأقل على المستوى المدني، بما أننا عجزنا أن يكون على المستوى الحكومي.
صحيح أن هناك بعض أطياف المجتمع المدني التي تنسق، ولكن برؤية أخرى تقوم على أن كل ما صدر من الأمم المتحدة من اتفاقيات متعلقة بالمرأة هي نص مقدس. مقابل اتجاه آخر يرى أن الكونية نسبية، لأن المفروض أن الكوني هو الذي يقع عليه إجماع كوني. وهذا يطرح سؤال “هل هذه الاتفاقيات عليها إجماع؟”، خاصة في حال المس بالسيادة .
أقول، أبدا ليس هناك إجماع، عندما نجد البعض يوقع فقط والآخر يوقع ويصادق، والبعض لا يوقع ولا يصادق وهناك من يقبل مواد ويرفض أخرى، كما أن مستوى التحفظ يختلف، عندما نجد الدول تتحفظ لا يكون دائما الباعث ديني فقد يكون في كثير من الأحيان بدافع السيادة الوطنية. 
أظن أننا كشعوب يجب أن نؤمن بنموذجنا في التغيير، فكما في النموذج التنموي الاقتصادي نأخذ من النماذج الأخرى ونبلور لأنفسنا نسقا اقتصاديا يتناسب مع احتياجاتنا وإمكانيتنا، كذلك لا بد أن يكون النموذج الثقافي والاجتماعي نابعا من الثوابت والهوية الوطنية .
أنا لا أدافع على الخصوصية من وجهة نظر دينية فقط، ولكن أدافع عنها أيضا من جهة السيادة ومن الناحية الثقافية، فأنا ضد تنميط الشعوب في قالب واحد ، أكيد أن هناك اختلافات ثقافية بين الشعوب ، وهي التي تعطي غنى للبشرية وتنوعا واستمرارية ولا تجعلها تنميطية.
من أهم المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، هي احترام التنوع الثقافي. فمن حق الدول أن تحافظ على خصوصيتها، وتدافع عنها بقوة ولا تتنازل عنها، صحيح أننا في المغرب ذهبنا في مسار متطور لا يمكن التراجع عنه، ولكن ينبغي الانتباه إلى أن إبقاء المغرب على موقفه من المادة 2 من اتفاقية “سيداو”، وتشبته بالتصريح فيها كذلك يعكس هذا الوعي.
إذن، فالنموذج المغربي ينبغي أن يكون نموذجا في المنطقة، فمثلما استطعنا أن نصنع نموذجنا في زمن الربيع العربي والتحول الديمقراطي من الناحية السياسية، يمكن أن نصنع نموذجنا في المجال الثقافي والاجتماعي، وسيكون ناجحا لأنه متشبث بهويته وفي نفس الوقت منفتح على المشترك الإنساني.
لقد مضى الزمن الذي كان يعتقد فيه البعض بأن التنمية ينبغي أن تكون باجتثاث الجذور، نحن اليوم في زمن تصنع فيه الشعوب تاريخها ومستقبلها من خلال مقوماتها الحضارية والدينية.
الملتقى العالمي لحماية الأسرة ينظم هذه السنة لقراءة “تجاوزات وانتهاكات وثيقة القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات ومنعها”، أية إضافة ستشكلها توصياته بنظركم؟ 
مؤتمر الدوحة العالمي السنوي محطة مهمة جدا، ودورته الحالية ستسعى إلى قراءة الوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة، حيث خصصت للانتهاكات والتجاوزات التي تتعلق بالعقائد السماوية والقيم والأعراف الخاصة بالشعوب العربية والإسلامية.
وسيسعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من خلال هذا المؤتمر، أن يبين الأمور المسموح فيها بالاجتهاد والأمور القطعية، التي لا يمكن أن يطلب تغييرها لكي يقع تلاؤم مع تشريعات دولية تبدو بعد سنوات من تنفيذها أنها أصبحت متجاوزة. 
وهذا ما جعل اللجنة العالمية لشؤون الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تدعو لعقد هذا الملتقى، للتعبير عن رفض شعوب الدول العربية والإسلامية لهذه الوثائق بطريقة منهجية شرعية منظمة وفاعلة.
ويعد هذا الملتقى الأول الذي تلتقي فيه المنظمات النسائية والحقوقية من أنحاء العالم الإسلامي، لاستعراض وطرح تلك الوثائق ودراستها بطرق علمية وموضوعية للوصول إلى قرارات وتوصيات مؤثرة على تلك الوثائق.المصدر حركة التوحيد والاصلاح (R-024).
حاورتها: عزيزة الزعلي 
اقرأ أيضا  في تربية البنات.. سدّدوا وقاربوا
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.