حرب الإبادة الوحشية ضد مسلمي بورما بين الصمت العالمي والتجاهل الإعلامي
الاثنين 24رجب 1434 الموافق 03 حزيران/ يونيو2013. وكالة معراج للأنباء (مينا).
عشرات الملايين من المسلمين في العالم يعيشون كأقليات في بحر متلاطم من الديانات والمذاهب المتخالفة الأخرى، البعض منهم يعيشون في سلام، والكثيرون يذوقون الأمرّين، ولا يعرف عنهم الناس شيئا، وإن كانت الأقليات الكبيرة العدد مثل الهند التي تحوي 150 مليون مسلم يُعرف عنها الكثير فإن بقاعا في العالم لا يُعرف عن المسلمين منها شيء، «بورما» السابقة، والتي صارت تعرف الآن بـ»ميانمار»، يوجد بها أكثر من ثمانية ملايين مسلم حقوقهم ضائعة، وقد يرحلون عبر المحيط إلى أرض أخرى، وإن سلموا من الغرق يتعرضون للاعتقال في الدول المجاورة لأنهم غرباء وفدوا على بلدان ترتفع فيها نسبة الفقراء، فلا يجدون مكانا، فتبدأ رحلة اللجوء مرة أخرى والبحث عن موطن جديد، وهكذا من قارب إلى قارب، ومن رحلة موت إلى رحلة تغريب، وبورما فسيفساء من الأقليات، وخليط من الديانات، فإلى جانب البوذيين الذين يشكلون أغلبية السكان، نجد المسيحيين والمسلمين والهندوس وكثيرا من الديانات الأخرى.
ما يحدث في بورما هذه الايام لا يمكن للكلمات أن تصفه ولا يمكن للعقول ان تتخيله لفظاعته ووحشيته. لقد عبرت منظمة معنية بحقوق الانسان عن القلق على سلامة آلاف المسلمين في بورما بعد أن كشفت صور بالأقمار الاصطناعية عن تحول تجمعات سكانية كانت مزدهرة يوما الى رماد جراء العنف العرقي ضد المسلمين في غرب ميانمار، وتظهر الصور التي نشرتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» ومقرها نيويورك دمارا شبه تام لجزء تقطنه أغلبية مسلمة من كياوكبيو احدى عدة مناطق في ولاية راخين. وقالت هيومن رايتس ووتش: إن أكثر من الف من المباني والمنازل سويت بالارض في كياوكبيو، الامر الذي أجبر الكثير من الروهينجيا على النزوح شمالا بطريق البحر الى سيتوي عاصمة الولاية، وحسب أربعة مصادر من نازحي الروهينجيا فان عشرات الزوارق المحملة بالروهينجيا الفارين دون طعام ولا ماء من كياوكبيو وهي منطقة صناعية مهمة للصين ومن مناطق ساخنة أخرى حاولت الوصول الى مخيمات النازحين المكتظة في سيتوي عاصمة راخين.
وقال فيل روبرتسون نائب مدير المنظمة لشؤون آسيا: يتعين على حكومة بورما سرعة توفير الأمن للروهينجيا في ولاية أراكان «راخين» الذين يتعرضون للحرق وهم احياء ولاعتداءات وحشية لا يمكن للعقل البشري تصورها.
ويتردد على نطاق واسع تقارير عن قوارب محملة بالروهينجيا الذين يحاولون عبور الحدود البحرية الى بنجلادش التي تمنعهم من حق اللجوء السياسي منذ العام 1992، وبحسب مصادر عدة فان نازحي الروهينجيا يحاولون الفرار الى مناطق آمنة الا ان الطرق تغلق في وجوههم حيث يصبحون عرضة للموت المحقق اما لعدم وجود الطعام والشراب او تصفيتهم وحرقهم بعد مطاردتهم داخل الغابات مع منع قوات الامن لهذه القوارب من الوصول الى الشواطىء. وفي تعليق بارد على هذه المجازر ضد المسلمين حثت وزارة الخارجية الأميركية «كل الأطراف» في ميانمار على «ضبط النفس ووقف العنف فورا». ودعت الوزارة في بيان إلى «بذل جهد حقيقي للتوصل إلى مصالحة وطنية» ودعت كل الأطراف إلى ضبط النفس! فيما عبر الامين العام للأمم المتحدة وممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن قلقهما!.
قرى بأكملها تحرق بسكانها ومنازلها ومذابح جماعية رهيبة للبشر ونساء تغتصب وتنتهك الحرمات وتتم مطاردة الفارين داخل الغابات، فيما المجتمع الدولي يكتفي بدعوة «كل الاطراف» الى ضبط النفس، مع ان هناك طرفا واحدا فقط هو من يعذب وهو من يقتل ويحرق ويمثل بجثامين ابنائه..
إزدحام على الشواطئ على أمل النجاة والفرار بالأرواح على متن قوارب الموت نحو القريبة بنغلاديش. هكذا هو حال المسلمين أو ربما أسوأ في هذه الفترة حسب ما يصلنا من معلومات شحيحة وصور ومقاطع فيديو فظيعة لمئات القتلى والجرحى الأبرياء والبسطاء كل ذنبهم أنهم اعتنقوا دين الاسلام على أرضهم. أما المجرم فهي عصابات «ماغ» البوذية المدعومة من قبل النظام الحاكم هناك في حرب الابادة والتطهير العرقي المفزع داخل إقليم «الاراكان» ذو الاغلبية المسلمة حيث تقوم بمهاجمة القرى وتروع الامنين وترتكب مجازر وتجبر الالاف على الفرار و بعدها تقوم ببناء المستوطنات. إنتهاك صارخ وفاضح لكل المواثيق والعهود الدولية وحتى ميثاق الامم المتحدة وكلها تتفق على مناهضة العنصرية وتجريم التفرقة على أساس عرقي وهو ما سعى مركز سواسية لحقوق الانسان الى التذكير به في بيانه الصادر والمستنكر لجرائم عصابات البوذيين في بورما وموجها نداءه الى العالم أجمع لحماية حقوق الانسان التي تنتهك هذه الايام.
أما بخصوص أعداد القتلى والنازحين المسلمين من الإقليم الذي يتعرض الى الهجوم فحسب حصيلة أولية قدمها نشطاء حقوقيون من بورما فقد وصل عدد القتلى والجرحى الى اكثر من 30 الفا في حين لا يعرف الى حد الان مصير عشرات الالاف من المفقودين.
كما أن أعداد النازحين فاقت عشرات الالاف أغلبهم فروا الى بنغلاديش. هذه الاخيرة الى جانب دول الجوار ماليزيا وأندونيسيا لا شك انها شاهدة على تاريخ دموي لصراع إثبات الوجود بالنسبة للمسلمين في بورما وتعرضهم المستمر الى المذابح والمجازر التي انطلقت منذ الثلاثينيات مع تواجد الاستعمار الفرنسي حين كانت ترتكب أمام انظاره وتواصلت طيلة العقود اللاحقة مع حملات تهجير كبيرة بلغ أقصاها نصف مليون مسلم وقع تهجيرهم من قبل النظام في أواخر السبعينيات في ظروف قاسية إنتهكت فيها أبسط حقوق الإنسان واليوم يبدو ان التاريخ يعيد نفسه لتعود المجموعات البوذية لاستكمال ما بدأه الاجداد وتنفذ مذابح ممنهجة بتواطئ حكومي وتجاهل دولي وصمت حقوقي وتخاذل عربي واسلامي.. ولكن من الخطأ إدراج هذه القضية كشأن يخص المسلمين وحدهم بل هي قضية الإنسان مهما كانت ديانته ومهما كان عرقه، ووحده الانسان القادر على ان يجعل كل المواثيق والمعاهدات الدولية فاعلة وليست كما تعودنا بانها مجرد حبر على ورق.
يقول الناشط البورمي محمد نصر: إن مسلمي إقليم أراكان في دولة بورما، يتعرضون حالياً لأبشع حملة إبادة من قبل جماعة «الماغ» البوذية المتطرفة، مشيراً إلى أن عدد القتلى لا يمكن إحصاؤه. وأضاف: إن الجماعات الراديكالية البوذية المناصرة لـ»الماغ» تنتشر في أماكن تواجد المسلمين في بورما بعد إعلان بعض الكهنة البوذيين «الحرب المقدسة» ضد المسلمين. وأشار إلى أن مسلمي إقليم أراكان يتنقلون في ساعات الصباح الأولى فقط وبعدها يلجأون إلى مخابئ لا تتوفر فيها أي من مستلزمات الحماية، خوفاً من الهجمات التي وصفها بأنها الأشد في تاريخ استهداف المسلمين في بورما، موضحا أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة «لن يصلونا قبل أن نموت جميعا فالوقت ينفد». وفي عام 1942 تعرض المسلمون في بورما لمذبحة كبرى على يد البوذيين الماغ، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم وشرد مئات الآلاف. ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة منهم 15% مسلمين، يتركز نصفهم في إقليم أراكان، الذى يتواجد فيه الأغلبية المسلمة.
وأعادت الأحداث الدامية الأخيرة التي تعرض لها المسلمون في إقليم أراكان المسلم في بورما مآسي الاضطهاد والقتل والتشريد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ 60 عاماً على يد الجماعة البوذية الدينية المتطرفة (الماغ) بدعم ومباركة من الأنظمة البوذية الدكتاتورية في بورما. حيث أذاقوا المسلمين الويلات وأبادوا أبنائهم وهجروهم قسراً من أرضهم وديارهم وسط غيابٍ تام للإعلام آنذاك إلا في القليل النادر. ويعيش مسلمو ولاية آراكان الواقعة في غرب بورما أوضاعا مأساوية، بعدما تحولت المواجهات التي يشهدها الإقليم إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما، فقبل عدة أيام قتل العشرات من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة على يد مجموعات بوذية، قامت بضربهم حتى الموت.
يذكرب انه مع حلول ما يوصف بالديمقراطية في ميانمار (بورما) حصلت ولاية أراكان ذات الأغلبية الماغية على 36 مقعداً في البرلمان، أعطي منها 33 مقعداً للبوذيين الماغين و3 مقاعد فقط للمسلمين، ولكن وبالرغم هذه المشاركة من المسلمين الروهنجيين لم تعترف الحكومة الديمقراطية التي ما زالت في قبضة العسكريين الفاشيين بالعرقية الروهنجية إلى الآن رغم المطالبات الدولية المستمرة.
لقد تركت حكومة بورما الحبل على الغارب للماغ البوذيين يعيثون في الأرض فسادا، ويزحفون على قرى ومنازل المسلمين بالسواطير والسيوف والسكاكين، معلنين حملة الإبادة المنظمة ضد المسلمين والتي شارك فيها حتى كبار السن والنساء، أما المسلمون العزل فكل ما كان يحملونه مجرد عصي وأخشاب لدى بعضهم، وهكذا بدأ القتل في المسلمين وحرق أحياء وقرى كاملة للمسلمين على مرأى ومسمع من الشرطة الماغية البوذية وأمام تجاهل الحكومة وصمت المجتمع الدولي.
ان وقوف العرب والمسلمين في موقف المتفرج ازاء ما يحدث من مجازر ضد مسلمي بورما وفي ظل سكوت العام عن هذه القضية، كما سكت بالامس، هو الذي شجع البوذيين على الاستمرار في مسلسل جرائمهم الذي بدأوه قبل 60 عاما حين أيقنوا أن العالم في يغط في سبات عميق تجاه ما يقترفونه بحق المسلمين في إقليم أراكان، من أبشع صور القتل والتعذيب والتهجير وحرق للمنازل والأحياء على من فيها. وهنا نتساءل بحرقة: اين الاعلام العربي من كل ما يجري، اين هو هذا الاعلام الغائب عن مشهد الاحداث التي تعصف بمسلمي بورما من قتل وتشويه وتنكيل وحرق واغتصاب للحرائر وذبح للأطفال.. الا يرى هذا الاعلام صرخات الألم والقهر النابعة من صميم بورما. الالاف يقتلون في ظل صمت اعلامي عجيب بل يصل الى حد التعتيم المتعمد، عجيب أمر هؤلاء المتشدقين بحقوق الإنسان، أين هم مما يحدث من مجازر مروعة، إن الصور المنقولة من بورما لا يمكن مشاهدتها من بشاعة الجريمة وقبحها، يقتل صهيوني واحد فتقام لأجله الدنيا وتباد أمة بأسرها والعالم يتفرج، وأعجب منه أن نرى العالم كله قام ولم يقعد من أجل قصف تمثال بوذا في افغانستان وهدم أضرحة – في شمال مالي- وقبور لا تسمن ولا تغني من جوع، العالم كله يستنكر هدمها، وفي مقابل ذلك يسكت العالم ويعتم الإعلام عن المجازر الفظيعة التي تقع بحق المسلمين في بورما.
المصدر/ جريدة الدستور
Comments: 0