هل الكسوف والخسوف غضبٌ أو تخويفٌ أو ظاهرةٌ طبيعية ؟
الجمعة 20 شعبان 1434 الموافق 29 حزيران/ يونيو2013. وكالة معراج للأنباء (مينا). |
د. محمد بن خالد الفاضل |
كثر الحديث عن هذا الموضوع في هذه الأيام , ونحن حديثو عهد بخسوف القمر في منتصف محرم , واستاء الناس كثيراً من تصريح لأحد الفلكيين السعوديين في إحدى الصحف المحلية عندما قال : ( وكان الناس في الماضي يعتقدون أشياء لا أساس لها من الصحة , فكانوا ينسبون هذه الظواهر لغضب الرب , إلا أن الأبحاث العلمية في العصر الحديث بينت أن الخسوف يحدث عندما تقع الشمس والأرض والقمر جميعها على امتدادٍ واحد … ) ولست أسيء الظن بهذا الفلكي , وإنما أراه اجتهد اجتهاداً مبنياً على الجهل بالجانب الشرعي لهذه القضية المحكومة بعدد من الأحاديث النبوية التي بلغت أعلى درجات الصحة والقبول فهي في صحيح البخاري و صحيح مسلم أو فيهما معاً , فلا يحسن بمسلم مهما بلغ من منزلة في علم الفلك أو غيره من العلوم أن يتجاهل مثل هذه الأحاديث حتى ولو لم يكن يعرف كنهها والمراد منها , ويكفيه أنها صادرة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – , الذي زكاه ربه بقوله : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4،3] , وأوجب علينا إتباعه والأخذ عنه بقوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] أليس الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الذي فصّل لنا أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها , من حيث العدد والوقت والكيفية والهيئة وغير ذلك ؟ فكيف نستسلم لهذه الأحكام طائعين مختارين في حياتنا اليومية دون سؤال أو اعتراض أو افتيات , ثم بعد ذلك نفتات عليه ونتجاوز في أحكام الكسوف والخسوف , وقد نُقل عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه لما كسفت الشمس فزع فزعاً شديداً , قال أبو موسى – رضي الله عنه – : ( خسفت الشمس فقام النبي فزعاً يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيته قط يفعله , وقال : هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده , فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ) رواه البخاري ومسلم . فأي كتاب عندنا بعد كتاب الله أصح من صحيح البخاري ومسلم , فهل نصدق قول الرسول وعمله الذي نقل إلينا من نسائه وصحابته نقلاً صحيحاً بحركاته وسكناته , أو نصدق صاحبنا الفلكي الذي علم شيئاً قليلاً فجزم به وتجاهل أموراً أخرى مهمة في الموضوع لا يحسن بمثله تجاهلها , خصوصاً وأنه قد وقع في مثل هذه الهفوة في منتصف صفر من العام الماضي , ورد عليه الشيخ العلامة د. صالح الفوزان وأبان له الصواب في ذلك , نسأل الله لنا وله الهداية وسائر المسلمين . وهذه القضية – لمن بحث عن الحق – ليست من القضايا المبهمة أو الشائكة أو المغمورة , خصوصاً في ظل ثورة المعلومات عبر شبكة الإنترنت العالمية , ومن نعم الله علينا أن علم علمائنا الراسخين الأحياء منهم والأموات قد قيّض الله له من يخدمه ويقربه لطالبيه عبر مواقع أنشئت لهذا الغرض , ولا يكلفك استفتاء علاّمتنا الكبير سماحة الشيخ ابن باز , أو سماحة تلميذه العلامة ابن عثيمين أو غيرهما إلا لمسة زر تدخلك إلى موقعه الجميل المرتّب المبوّب , وفي هذا الموضوع يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله – : ( وما يقع من خسوف أو كسوف في الشمس والقمر ونحو ذلك مما يبتلي الله به عباده هو تخويف منه سبحانه وتعالى وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان , وحثٌ لهم على الرجوع والإنابة إليه … ) ويقول : ( وكونها آية تعرف بالحساب لا يمنع كونها تخويفاً من الله جلّ وعلا وأنها تحذير منه سبحانه فإنه هو الذي أجرى الآيات , وهو الذي رتب أسبابها … ) , وسئل الشيخ ابن عثيمين عن اثنين تنازعا في الكسوف : أهو غضب من الله , أم تخويف منه , فقال سماحته: ( المصيب من قال إنه تخويف ; لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – صرح بذلك , فقال : يخوف الله بهما عباده , لكن قد يكون هذا التخويف لعقوبة انعقدت أسبابها , ولهذا أمر الناس بالفزع إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والتكبير .. ) . وقد أُشبع هذا الموضوع بحثاً في مواقع الإنترنت، وقد استفدت كثيرًا من خطبة الشيخ إبراهيم الحقيل، ومن موضوع لـ (فتى الظل) موجودين في عدد من المواقع، وإني لأعجب كيف تخفى هذه القضية على حبيبنا الفلكي، وأهل الفلك أكثر الناس علماً بعظمة هذا الكون ومجراته وكواكبه ونجومه، والطبيعي أن يكونوا أكثر الناس رهبة وخوفاً من أي تغيير يحصل فيه صغيراً كان أم كبيراً، وكأن الله سبحانه وتعالى – وله المثل الأعلى – يقول لنا: هذه الكواكب تسير أمامكم ليلاً ونهاراً بإتقان بديع، وقد تخرج عن مسارها سويعات، فأيّ قوة في الأرض تستطيع أن تخرجها ؟ وأيّ قوة تستطيع أن تعيدها إذا خرجت ؟، ولعل هذا هو معنى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73،71].
د. محمد بن خالد الفاضل
|