حينما لا يشتكي الجسد
الاثنين 22 شعبان 1434 الموافق1 تموز/ يوليو. وكالة معراج للأنباء (مينا).
د.عبدالرحمن العامر
رنَّ هاتفي, رأيتُ اسم المتصل, طرتُ من الفرح حينها؛ لاتصال أخٍ غالٍ علي, فقد كنت مفزعي كثيراً بعد الله حينما يطرقني الحزنُ ويُداهمني الهمُّ, فبادرتُّ بالردِّ عليه: مُرحباً ومُهللاً, ولكني لم أسمع الصوتَ كما اعتدتُ منه, وإنما نقل لي الهاتف مع الصوتِ همًّا عميقاً وحُزناً ظاهراً, فبادرَ المتصلُ بشرح همه وتفسير حزنه؛ راجياً أنْ يجد عند سامعه ما يُزيلُ عنه وجْدَه, أو لعله يُسهم فيه. ولعمري لقد استسمن ذا ورمٍ, ونفخ في غير ضَرَمٍ. فأنَّى لي ذلك على تبلد خاطرٍ, وكلال قريحةٍ, وتقسُّمِ فكرٍ.
لقد قٌذف الرجل في عرضه, والقاذف ممنْ يحمل وإياه لواءَ الدعوة والتربية, فازداد عجبي, وطالت دهشتي, بعد ألمٍ اعتصر قلبي وفتّت جناني, فرجوته أنْ يمهلني علَّ الخاطر الكليل أنْ يجودَ بما أرجو أنْ يشفي بعض العليل ويداوي لوعة الغليل.
فكتبت إليه بهذا الرد:
إنه لا يكاد ينقضي العجب من البعض ممن يبادرُ بإطلاق لسانه في الآخرين متى ما سمع طرفَ خبرٍ, أو شمَّ رائحةَ مكروه, أو رأى ما لا يُبنى عليه حكمٌ. [انظر: طرح التثريب 8/87], ويزداد العجب ولا يكادُ ينقضي إنْ كانَ ذاك الكلام ممن يُحسب على أهل الاستقامة, وإنْ لم يكن في حقيقة أمره منهم فتلك من أبجديات عوامّ الأمة, ويزداد أُخرى إنْ كانَ الآخر ممن يُحسب على النهج ذاته, ويعظم الأمر ويشتدُّ إنْ كان الكلام في الدعاة والعلماء؛ لأنَّ الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتعٌ وخيم, والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم, فقد قال الإمام أبو القاسم ابن عساكر _رحمه الله_: اعلم يا أخي _وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته_ أن لحوم العلماء مسمومة, وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة, وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب, (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)أ.هـ.[نشرُ طيِّ التعريف ص45].
فإنها لوصمةٌ اتسم بها زماننا هذا لا يبعد عارها ولا ينقضي شنارها, ويزداد العار ويعظم الشنارُ إنْ كان الكلام بالأعراض, عندها تزداد الدركات وتشتدُّ الظلمات, فالأمر لم يقفْ عند مجرد الغيبة وإنْ كانت عظيمةً ولاشك, بل تعداها حيثُ العرض, الذي كان من المقاصد الشرعية المحافظة عليه؛ فالعرض أحد الضرورات الخمس التي جاء الدين بالمحافظة عليها, والتي ترجع المقاصد الشرعية إلى المحافظة عليها والتشديد فيها. فلأجلها شُرع الحد في القذف, ولأجلها شُرعت الملاعنة, وعليها تترتب ردُّ الشهادة, والإخراج من دائرة العدالة _إنْ لم يأتِ بتتمة الشهود_ كلُّ ذلك من أجل المحافظة على طُهر المجتمع الإسلامي ونقاءه.
إنْ كان هذا كله من أجلِ سدِّ الباب عما يدنسُ المجتمعات الإسلامية عما يشوبها من مستنقعات الشائعات المفضية إلى بحور الرذيلة والعار…!!!, فكيف بنا وقد فتح البابَ من كان محسوباً أنه من أقفاله, وقد رفعَ الستار من كان لازماً أنْ يكون ستاراً ؟!, ولكنْ هذا هو الواقع عندما يُعمي الغلُّ والحسد والحقد القلبَ عن إبصار النور, وعندما يسيطر حبُّ الدنيا على القلب, فتعمل عملها في قلب المرء, حينها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه!!. وإنْ كان المرء ممن يَظهَرُ صلاحه واستقامته.
أعود إلى أسباب تلك المصيبة _أعني الخوض في الأعراض_ فمن أبرزها: ما يعتري القلب من أمراض: ولا تداوى إلا بالعلم والعمل النافعين, وهي فيما يتعلق بهذا الموضوع عديدة ترجع إلى أصول ثلاثة, وهي:
1. الحقد:
فإنه مبدأ الحسد كما بينه صاحب الإحياء.[انظر: إحياء علوم الدين 3/186].
كما بيّن أن الحقد من نتائج الغضب, وأثرهُ في ذلك لا يخفى على عارفٍ, ولا ينطلي على فطنٍ.
2. الحسد:
وهو من الأمراض العظيمة للقلوب, والعلم النافع لمرض الحسد: هو أن يُعرف تحقيقاً أنَّ الحسد ضرر في الدنيا والدين, وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ربما ينتفع به فيهما, فأما كونه ضررا على الحاسد في الدين فهو بالحسد قد سخِطَ قضاء الله تعالى, وكره نعمته التي قسمها بين عباده, وعدله الذي أقامه في ملكة بخفي حكمته فاستنكر ذلك واستبشعته, وهذه جناية في حدَقَةِ التوحيد, وقذىً في عين الإيمان. ناهيك بهما جنايةً على الدين, وقد انضاف إلى ذلك مفارقته أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى, وشارك إبليس والكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم, وتلك خبائث في القلب تأكلُ حسنات القلب كما تأكل النارُ الحطبَ. وأما كونه ضرراً في الدنيا فهو أنه يتألم بحسده في الدنيا أو يتعذب به ولا يزالُ في كمدٍ وغمٍّ إذ المحسود لا يخليه الله تعالى عن نِعَمٍ يفيضها عليهم فلا يزالُ يتعذب بكلِّ نعمة يراها, ويتألمُ بكل بليَّةٍ تنصرف عنه, فيبقى مغموماً ضيِّق الصدرِ؛ فقد نزل به ما يشتهيه الأعداءُ له, ويشتهيه لأعدائه, فقد كان يريد المحنة لعدوه, فتنجّزتْ في الحال محنته وغمه. ولا تزول النعمة عن المحسود بحسده ولو لم يكن مؤمناً بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنةِ إنْ كان عاقلاً أنْ يحذر منَ الحسد؛ لما فيه منْ ألم القلب ومساءته مع عدم النفع, فكيف وهو عالمٌ بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة؟!, فما أعجب من يتعرض لسخط الله من غير نفعٍ يناله, بل مع ضررٍ يحتمله وألمٍ يُقاسيه فيوبق دنياه وآخرته من غير جدوى ولا فائدةٍ, وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضحٌ؛ لأنَّ النعمة لا تزول عنه بالحسد, وأما أنَّ المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فكذلك؛ أما منفعته في الدين: فهو أنه مظلومٌ من جهة الحاسد لا سيما إنْ أخرجه الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساوئه_ كحالنا_ فهذه هدايا يهديها إليه؛ إذ يُهدي إليه حسناته حتى يلقاه يوم القيامة مفلساً محروماً كما حُرِم في الدنيا عن النعمة.
والحاسد على كلِّ حالٍ مذموم عند الخالق والخلائق, شقياً في الحال والمآل, ونعمة المحسود دائمة شاء أم أبى, باقية.
فمن تفكر بما مضى بذهنٍ صافٍ, وقلبٍ حاضرٍ, انطفأت نارُ الحسد من قلبه.
وأما العمل النافع فيه: فهو أن يكلف المرء نفسه نقيض ما يتقاضاه الحسد: وذلك بالتواضع للمحسود, والثناء, والمدح, وإظهار السرور بالنعمة؛ فتعود القلوب إلى التآلف والتحاب, وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغمِّ التباغض. فهذا دواء الحسد وهو نافع جداً, إلا أنه مرٌّ على القلوب جداً, ولكن النفع في الدواء المُر, فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء, وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء: بقوة العلم بالمعاني التي سبق بيانها, وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى.[انظر: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ص324, وبيّن صاحب الإحياء أنَّ للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى انظر الإحياء (3/186), وللفائدة: في بيان أسباب الحسد, انظر: الإحياء (3/192), وله كلام نفيسٌ جداً في فصل: بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والإخوة وبني العم (3/194) فراجعه_لزاماً_].
فمن لم يُرزق قلباً سليماً فعليه بمعالجته, ولعلاجه أدوية مبينة في كتب القوم كالإحياء والمنهاج فراجعها تجد ما يشفي العليل.
أقول: فحينما يتمكن الحسد من المرء فيملك عليه قلبه, ويسلبه لبه, حتى تزل به قدمه, فيحاول حينها أنْ يُسقط المحسود, فيبذل وسعه ويستفرغ جهده, ساعياً لتحيق مراده, حتى يسلك لغرضه ذلك كل مسلك, ويطلب كلَّ منفذ, وإنْ أدى ذلك إلى ارتكاب محرم, أو فعل جُرمٍ, بعدها تعظم ندامته وتكثر حسراته, فيذهب بكمده ولم يدرك ما طلب ولم يُرِحْ نفسه من التعب فخرج بغير زاد ويقدم في الآخرة على غير مهاد.
لم أقصد من خلال إيراد تلك الأسباب استيفائها, لا, فدونه خرطُ القتاد, ولكنْ حسبي أنَّ تلك الأسباب هي أهمُّ ما يمكن إرجاع تلك المظاهر إليه. والله أعلم.
وأما أنتَ أيها الضحية المذبوحة من غير سكين, والروح الميتة من غير ما سكرةٍ, فإليك رسائل من بريد المحبة على عجلٍ:
اعلم أخي المبارك أنَّ هذا ابتلاء من الله عز وجل, في دروب الخير, ومسالك الدعوة, هو ذاته درب الأنبياء, وهو هو مسلك الأعلام الأنقياء, فانشد التأريخ ينبيك عن محنهم, واسبره يخبرك عن بلاياهم وإحنهم, على رأس الهرم, وفوق قمة الجبل, حادثة الإفك, فتا الله كلُّ مصيبة كهذه بعد مصيبة عائشة_ رضي الله عنها_ تهون, فاقرأ في حادثة الإفك, ثمَّ تأمل, وفكر, وانظر, تعلم مقدار تلك الحادثة.
فإنْ علمتها بليَّة, وإنْ أدركتها مصيبة, فعاملها معاملة العارفين مع المصائب, فهمْ حينها أشدّ ما يكونون قرباً من الله؛ لأنهم عرفوا أنَّ (لا ملجأ من الله إلا إليه), ولستُ هنا بصدد بيان منهج تعامل القوم مع المصائب والبلايا, فانشدها في مظانها تجد الريَّ.
وبعدها فالأكمل في التعامل مع الذابح من غير سكين, والرامي من غير سهم, العفو لمنْ لم يكن من ديدنه ذلك, فو الله إنه لمن أخلاق الكبار, وخلال الرجال, فهو غاية الجود, لذاتك أولاً, وله ثانياً, فما أحلى وأروع وأجمل … أن ينام المرء ولم يحمل في قلبه, وبين ثنايا جنانه على مسلم, الله, كمْ يحلم الصغار وإنْ كانوا كباراً في حلمهم بتلك الرقدة؟!, نعم فتلك لعمري لا يدركها إلا الكبار, فهل تتمنى أنْ تكون منهم؟!, كثير من يتمناه فلم يكنْ, فها هو الميدان قد أتاك, فأرِ نفسك من نفسك خيراً. وكنْ من قائمة الكبار, وسلسلة الرجال….
واحرص أخي المبارك على أنْ تتأنى في حلِّ أمرك, ولا تتعجل في توجيهه؛ فأنت في حالك تلك أمسَّ ما تكون إلى التأني والصبر, فلا تُقدم إلا وأنتَ عالمٌ أين تضعُ قدمك, وتدركُ من تُحجمْ, فقد قيل:
1. الحقد:
فإنه مبدأ الحسد كما بينه صاحب الإحياء.[انظر: إحياء علوم الدين 3/186].
كما بيّن أن الحقد من نتائج الغضب, وأثرهُ في ذلك لا يخفى على عارفٍ, ولا ينطلي على فطنٍ.
2. الحسد:
وهو من الأمراض العظيمة للقلوب, والعلم النافع لمرض الحسد: هو أن يُعرف تحقيقاً أنَّ الحسد ضرر في الدنيا والدين, وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ربما ينتفع به فيهما, فأما كونه ضررا على الحاسد في الدين فهو بالحسد قد سخِطَ قضاء الله تعالى, وكره نعمته التي قسمها بين عباده, وعدله الذي أقامه في ملكة بخفي حكمته فاستنكر ذلك واستبشعته, وهذه جناية في حدَقَةِ التوحيد, وقذىً في عين الإيمان. ناهيك بهما جنايةً على الدين, وقد انضاف إلى ذلك مفارقته أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى, وشارك إبليس والكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم, وتلك خبائث في القلب تأكلُ حسنات القلب كما تأكل النارُ الحطبَ. وأما كونه ضرراً في الدنيا فهو أنه يتألم بحسده في الدنيا أو يتعذب به ولا يزالُ في كمدٍ وغمٍّ إذ المحسود لا يخليه الله تعالى عن نِعَمٍ يفيضها عليهم فلا يزالُ يتعذب بكلِّ نعمة يراها, ويتألمُ بكل بليَّةٍ تنصرف عنه, فيبقى مغموماً ضيِّق الصدرِ؛ فقد نزل به ما يشتهيه الأعداءُ له, ويشتهيه لأعدائه, فقد كان يريد المحنة لعدوه, فتنجّزتْ في الحال محنته وغمه. ولا تزول النعمة عن المحسود بحسده ولو لم يكن مؤمناً بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنةِ إنْ كان عاقلاً أنْ يحذر منَ الحسد؛ لما فيه منْ ألم القلب ومساءته مع عدم النفع, فكيف وهو عالمٌ بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة؟!, فما أعجب من يتعرض لسخط الله من غير نفعٍ يناله, بل مع ضررٍ يحتمله وألمٍ يُقاسيه فيوبق دنياه وآخرته من غير جدوى ولا فائدةٍ, وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضحٌ؛ لأنَّ النعمة لا تزول عنه بالحسد, وأما أنَّ المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فكذلك؛ أما منفعته في الدين: فهو أنه مظلومٌ من جهة الحاسد لا سيما إنْ أخرجه الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساوئه_ كحالنا_ فهذه هدايا يهديها إليه؛ إذ يُهدي إليه حسناته حتى يلقاه يوم القيامة مفلساً محروماً كما حُرِم في الدنيا عن النعمة.
والحاسد على كلِّ حالٍ مذموم عند الخالق والخلائق, شقياً في الحال والمآل, ونعمة المحسود دائمة شاء أم أبى, باقية.
فمن تفكر بما مضى بذهنٍ صافٍ, وقلبٍ حاضرٍ, انطفأت نارُ الحسد من قلبه.
أقول: فحينما يتمكن الحسد من المرء فيملك عليه قلبه, ويسلبه لبه, حتى تزل به قدمه, فيحاول حينها أنْ يُسقط المحسود, فيبذل وسعه ويستفرغ جهده, ساعياً لتحيق مراده, حتى يسلك لغرضه ذلك كل مسلك, ويطلب كلَّ منفذ, وإنْ أدى ذلك إلى ارتكاب محرم, أو فعل جُرمٍ, بعدها تعظم ندامته وتكثر حسراته, فيذهب بكمده ولم يدرك ما طلب ولم يُرِحْ نفسه من التعب فخرج بغير زاد ويقدم في الآخرة على غير مهاد.
لم أقصد من خلال إيراد تلك الأسباب استيفائها, لا, فدونه خرطُ القتاد, ولكنْ حسبي أنَّ تلك الأسباب هي أهمُّ ما يمكن إرجاع تلك المظاهر إليه. والله أعلم.
اعلم أخي المبارك أنَّ هذا ابتلاء من الله عز وجل, في دروب الخير, ومسالك الدعوة, هو ذاته درب الأنبياء, وهو هو مسلك الأعلام الأنقياء, فانشد التأريخ ينبيك عن محنهم, واسبره يخبرك عن بلاياهم وإحنهم, على رأس الهرم, وفوق قمة الجبل, حادثة الإفك, فتا الله كلُّ مصيبة كهذه بعد مصيبة عائشة_ رضي الله عنها_ تهون, فاقرأ في حادثة الإفك, ثمَّ تأمل, وفكر, وانظر, تعلم مقدار تلك الحادثة.
فإنْ علمتها بليَّة, وإنْ أدركتها مصيبة, فعاملها معاملة العارفين مع المصائب, فهمْ حينها أشدّ ما يكونون قرباً من الله؛ لأنهم عرفوا أنَّ (لا ملجأ من الله إلا إليه), ولستُ هنا بصدد بيان منهج تعامل القوم مع المصائب والبلايا, فانشدها في مظانها تجد الريَّ.
وبعدها فالأكمل في التعامل مع الذابح من غير سكين, والرامي من غير سهم, العفو لمنْ لم يكن من ديدنه ذلك, فو الله إنه لمن أخلاق الكبار, وخلال الرجال, فهو غاية الجود, لذاتك أولاً, وله ثانياً, فما أحلى وأروع وأجمل … أن ينام المرء ولم يحمل في قلبه, وبين ثنايا جنانه على مسلم, الله, كمْ يحلم الصغار وإنْ كانوا كباراً في حلمهم بتلك الرقدة؟!, نعم فتلك لعمري لا يدركها إلا الكبار, فهل تتمنى أنْ تكون منهم؟!, كثير من يتمناه فلم يكنْ, فها هو الميدان قد أتاك, فأرِ نفسك من نفسك خيراً. وكنْ من قائمة الكبار, وسلسلة الرجال….
واحرص أخي المبارك على أنْ تتأنى في حلِّ أمرك, ولا تتعجل في توجيهه؛ فأنت في حالك تلك أمسَّ ما تكون إلى التأني والصبر, فلا تُقدم إلا وأنتَ عالمٌ أين تضعُ قدمك, وتدركُ من تُحجمْ, فقد قيل: