حاجة الأمة إلى التفكير

الأربعاء- 24 شعبان 1434 الموافق3 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

بسم الله الرحمن الرحيم

أصبحنا أمة لا تعقل !
أي عاقل منا لا يُسَلِّم بأننا أصبحنا أمة متخلفة عن ركب العلم والتقدم ؟ أي عاقل منا لا يسلِّم بأننا في أمس الحاجة إلى العودة إلى الكتاب والسنة؟ نعم نحن في حاجة ماسة إلى التمسك بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هل يكون عن طريق حفظ نصوصهما عن ظهر قلب ، أو تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار؟ هل يكون بسرد وقائع السيرة والتمتع برواياتها وسكب الدموع والعبرات على ذلك؟ لا شك أننا لا نستغني عن هذا وذاك ، فنحن نحتاج إلى تلاوة القرآن في كل وقت مناسب ، ونحتاج إلى المواعظ التي تستند إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحتاج إلى الخشوع والبكاء ، فهذا من أمارات الإيمان والتقوى . لكننا أيضا في حاجة ماسة إلى فهم ما في هذين المصدرين العظيمين من اجل العمل وليس مجرد الفهم ، وليس مجرد استنباط الأحكام التي لا تجد طريقها إلى التطبيق ولكن تظل حبيسة الكتب . ولا يتأتى هذا إلا بالتفكير لأجل العمل ، فالتفكير وحده لا يكفي ، إذ لا بد من العمل الصالح الصحيح ، وهذا هو العقل . فالعاقل هو المفكر العامل لا مجرد المفكر وحسب ، فما فائدة الأفكار المتراكمة إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق !

وهل نحن أصلا أمة تعقل؟
لا شك في ذلك مطلقا ، فنصوص القرآن والسنة طافحة بالدعوة إلى التفكير وممارسته والعمل بما فكرنا ، وحسن تصور ما يأتينا من أخبار وعقائد . وليس أدل على حيوية هذه الأمة العظيمة ، وقدرتها على التفكير والإنجاز والإبداع ، من أنها حكمت العالم بأسره أربعة عشر قرنا ، وقامت بنشر أعظم حضارة عرفها التاريخ ولن يعرف لها مثيلا . والشيء إذا كان مُطبقا بشكل عملي فليس في حاجة إلى برهان على صدق ما يدعيه ، فليس شيء في الدنيا اصدق من التطبيق العملي ، وهذا ما يدعونا إليه ديننا على الدوام . فلسنا في حاجة إلى من يُثبِّطنا ، ولا في حاجة إلى من يَفُت في عضدنا ، ولا من يخذِّلنا ويثير فينا الشبهات والشكوك ، ولا من يشعرنا بأننا أمة لا تقوى على فعل شيء وأننا عاجزون عن اللحاق بالركب . وأي ركب هذا الذي يريدونا أن نلحق به؟ وكأن لسان حالهم يقول إن ركبهم هو الركب ولا ركب غيره ، وقد أثبتت الأيام زيف ما يدعون ، وأظهرت الأحداث أن الله سخرهم لخدمة هذا الدين ولبيان صدق ما يدعو إليه يوما بعد يوم .
إن تقصيرنا لا يلغي كياننا ولا يلغي تاريخنا ولا أمجادنا . ولا نريد من أحد أن يشككنا في ذلك ، لأننا عندما نذكر أمجادنا فليس ذلك على سبيل التغني ، وذكر تاريخ مضى وانقضى ، فالأمر بالنسبة للمسلمين مختلف جدا . والسبب في ذلك أن أسباب حصول هذه الأمجاد موجودة على مر التاريخ والعصور ، وليست أمرا وُجد ذات مرة وانقضى . فالقرآن محفوظ وموجود وكذلك السنة المطهرة ، وما ينقصنا هو فقط العمل بمقتضاهما بطريقة صحيحة تؤدي إلى نهضتنا من جديد ، وتؤدي إلى النهوض من كبوتنا التي يبدو انه قد طال أمدها . فعوامل نهضتنا ماثلة أمام أعيننا ولكننا مقصرين عنها .

اقرأ أيضا  القدس والأقصى ومحاولات التهويد

الإسلام دين التفكير
هل هذه مجرد دعوى أم حقيقة؟ وإذا كانت حقيقة فلماذا انحطت أوضاع المسلمين ووصلت مداها من التخلف؟ وإذا كانت حقيقة فهل يمكن للمسلمين أن يستعيدوا أمجادهم التليدة بمجرد العودة إلى هذا الدين والتمسك به؟
الفقه وأصول الفقه من الشواهد العملية الحية على نبض التفكير في الإسلام ، لان الفقه هو اجتهاد مبني على أصول معينة ، وهو يعني التفكير والإبداع . وليس يقتصر الأمر على هذا بل إن نصوص الكتاب والسنة مليئة بالوسائل والأساليب التي تحث على التفكير وتشجع عليه ، وتعمل على إزالة العقبات من طريقه ، وتدعو الإنسان إلى التفكر والتعقل في الآيات القرآنية والكونية على حد سواء . وتجد ذلك شاخصا في كل سورة ، بل في كل آية من آيات القرآن العظيم ، مشكلا دلائل إعجازية بالغة على كون هذا القرآن من عند الله ، وان البشر لا يطيقون أن يأتوا بمثله أبدا ، ويقف شاهدا على نبوة هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم . وهذا ما اسميه الإعجاز الفكري في القرآن الكريم ، وإذا أتيح المجال فسوف أبين في سلسلة من المقالات جوانب متنوعة من هذا الإعجاز العظيم .

اقرأ أيضا  الدين النصيحة

ولكن هل يمكن أن نتعلم كيف نفكر؟
نعم يمكن ذلك وبكل بساطة ، وينبغي ألا نضيع الوقت والجهد في سبيل الاقتناع بهذا الأمر ، فلم يعد هذا مما يحتاج إلى كثير إقناع بعدما اثبت جدواه عمليا . ومع ذلك فلا يزال كثيرون يرون أن التفكير فطري ويمارسه الإنسان بشكل تلقائي من دون تعلم ، فما حاجتنا إلى تعلم التفكير وتعلم مهاراته؟ والإجابة على حاجتنا إلى تعلم التفكير تتلخص فيما يلي :
• أننا نواجه كما هائلا من المعلومات التي تتدفق علينا كل يوم ، وإذا لم نستوعبها بطريقة منظمة تقوم على أساس التفكير فلن نتمكن من هذه المعلومات مطلقا .
• كون التفكير فطري لا يغني عن اكتساب مهاراته ، لأننا نقوم بعمليات تلقائية كثيرة ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تعلمها . كما أن الفطرة لم تعد بمنأى عن التغيير والتحريف في أمور الغرائز ، فلا تستغرب من وجود برامج لتعليم الأمومة مثلا .
• أن التفكير ليس عملية بسيطة كما يتصور الكثيرون ، بل هو عملية معقدة متعددة الجوانب والخطوات ، وتدفعها الدوافع وتقف في طريقها العقبات .
• للتفكير مهاراته ، وأية مهارة في الدنيا تحتاج إلى تعلمها بالممارسة والتمرين والاصطبار عليها والتحسين المستمر في أدائها . كما أن التفكير يَستخدم عدة أعضاء فلا بد من إجادة تشغيل هذه الأعضاء كالحواس والدماغ .
• أن التفكير يُسهِّل اكتساب المهارات الأخرى ويعمل على ترسيخها في النفس .

وكيف نُسخِّر ذلك في خدمة القرآن والسنة؟
• أن نعي أن التفكير نعمة عظيمة امتن الله بها علينا ، بها نتمكن من الحصول على المعلومات وفهم أخبار الغيب . وان التفكير غير الحفظ وجمع المعلومات وتخزينها .
• التعرض لموضوع التفكير من الناحية العملية التطبيقية ، وان نتبع طريقة القرآن في التوجيه ولفت الانتباه والمعالجة والعمل . فنكون كما يريدنا القرآن ، أي أن نفكر لكي نعمل ونتقي الله ، وليس مجرد التفكير وحسب .
• استخدام القدرات فيما خُلِقت له , وعدم تجاوز الحد فيها ، سواء بالمبالغة بان نفكر فيما هو خارج نطاق القدرات ، أو بالإهمال والغفلة فنصير مثل الأنعام . فكلاهما مجاوزة للحد وابتعاد عن الوسطية التي تمتاز بها الأمة الإسلامية . ولا بد من بذل الجهد في التفكير ، والتركيز على معوقات التفكير أو الموانع التي في وسعنا أن نزيلها ، ونتحكم فيها .
• ضرورة الاهتمام باللغة العربية والمحافظة الشديدة عليها لأنها الأساس في فهم القرآن ، والعمل على أن تكون سليقة على السنة أبنائنا .
• وفي نفس الوقت أن ننظر إلى القرآن على انه مصدر للغة العربية ، وأنه أيضا أساس لفهما .
• أن نَنْكبَّ على دراسة القرآن والسنة وفهم ما فيهما فهما واعيا عصريا يتلاءم مع احتياجاتنا الحالية ، مع تذكر أن هذا من اجل العمل لا الفهم فقط . وان نتلو القرآن مع التدبر والفهم والتأمل المتواصل لآياته وما يدعونا إليه .
• أن نضع في أذهاننا أن القرآن لا يَخْلَق على كثرة الرد أي البحث ، والأمر مفتوح في كل عصر ، وإذا لم نستطع أن نفسر شيئا نتركه لغيرنا من الأجيال القادمة . وهذا يعني أن نأخذ بكل ما فيه حتى لو استعصى علينا فهم بعض جوانبه أو تفسيرها .
• تقديم الموجود بصورة جديدة تجعل الشباب يقبلون عليها بشغف . ومثاله بيان كيف واجهت أم المؤمنين عائشة حادثة الإفك عن طريق خطوات حل المشاكل . ويمكن مراجعة مقالتنا : دليل السيدة عائشة لمواجهة المشاكل ، في هذا الموقع في زاوية حواء وآدم ، بين الناس .
• أن يعمل كل في مجاله ولا يعيب على الآخرين ما يفعلون ، بل أن تنظر كل جهة إلى الأخرى على أنها مكملة لها ، أو أنها سلسلة في حلقات لا بد أن تتكامل في نهاية المطاف لصالح الأمة .
• أن نعمل على تشجيع الأبحاث المتعلقة بالقرآن والسنة ، وان يقوم الباحثون بدراسة ما في القرآن من الدلالات والعلامات ليخرجوا هم بنتائج سباقة . فبدلا من أن ننتظر ما يأتي به غيرنا ثم نقول سبقناكم ! فالأولى أن نبادر نحن بفعل ذلك ، وإن كان لا ضير في ذلك لأن الله وعد بأنه سيريهم آياته حتى يقتنعوا .

اقرأ أيضا  دروس وعبر من الهجرة النبوية

عزيز محمد أبوخلف
باحث إسلامي

المصدر: صيد الفوائد

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.